في صباحها الثالث في هذا العالم الغريب، استيقظت رودين قبل أورفين، وهو أمر لم تعتد عليه. نهضت بهدوء من فراشها الصغير، وعينيها تتجهان نحو النافذة الصغيرة التي تسلل منها ضوء الفجر بخجل، ليشكل بقعًا من النور الدافئ على أرضية الكوخ البسيط. للحظة، شعرت بهدوء غريب ينساب إلى قلبها، كقطرات ماء تتساقط على صخرة جافة، تجلب معها شيئًا من السلام.
خطرت ببالها فكرة صغيرة، بدت دافئة وملهمة. أرادت أن ترد ولو جزءًا من جميل أورفين، الذي كان بجانبها كظلٍّ لا يفارقها منذ لقائهما الأول. تسللت بهدوء إلى المطبخ وبدأت تحضير فطور بسيط، تملؤها متعة لم تشعر بها منذ زمن طويل، وكأنها تستعيد جزءًا من حياتها التي تركتها خلفها.
بينما كانت تلاعب العجينة بأصابع رشيقة وتراقب النار الهادئة تتأجج ببطء، سمعت خلفها صوت سعال أورفين. استدارت عفويًا، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة، صادقة، كأنها خرجت من أعماقها دون وعي. قالت بهدوء: "صباح الخير."
كانت ابتسامتها مختلفة عن أي ابتسامة أخرى، كأنها إشارة لانفتاحٍ جديد، لروح بدأت تتحرر شيئًا فشيئًا من قيود الماضي.
رد أورفين بابتسامة دافئة وهو يقترب من الطاولة، يلتقط رائحة الطعام برضا: "صباح جميل حقًا. الرائحة رائعة، لكن لم يكن عليكِ فعل هذا."
أجابت، وهي تشعر بسعادة لم تعرفها منذ زمن طويل: "خلال اليومين الماضيين، كنت أنت من يعتني بي دون أن تطلب شيئًا، رغم أننا لا نعرف بعضنا جيدًا. لذا فكرت أن أقدم لك شيئًا بسيطًا، كرد للجميل."
جلس أمام الطاولة وبدأ بتناول الطعام، يبتسم وكأنه يكتشف شيئًا جديدًا في كل لقمة. "يبدو لذيذًا للغاية! من علّمكِ الطبخ؟ لم أتوقع أن تكوني ماهرة بهذا الشكل."
ابتسمت، وبدت على وجهها لمحة من الألم، وكأنها تسترجع ذكرى بعيدة. "كانت أمي من علّمني... كانت صارمة، تنتقدني باستمرار دون أن تُثني على ما أفعله، وكأن أي جهد أبذله لا يُرضيها. ربما لهذا السبب كنت أسعى دائمًا للتحسن، لأثبت لنفسي أنني قادرة، رغم كل شيء."
ضحك أورفين بلطف، وعيناه مليئتان بالاحترام: "إذن، شكر خاص لأمك. لقد جعلتكِ شخصًا مميزًا دون أن تدري."
شعرت بوخزة في قلبها، لكنها أخفت مشاعرها خلف ابتسامة خجولة، شاكرةً له لطفه الذي خفف من قسوة الذكريات، ولو قليلًا.
بعد أن انتهى من الطعام، قال بلطف: "أشكركِ على هذا الفطور اللذيذ، رودين. والآن، حان وقت الانطلاق. أمانيثا بانتظارنا."
تطلعت رودين إلى الأطباق غير المغسولة وقالت: "سأرتب المكان أولًا، ثم..."
رد بابتسامة وهو يومئ برأسه: "اتركي هذا، سيأتي من ينظف كل شيء. دعينا ننطلق الآن."
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...