١.بدايه جديده

13 4 7
                                    


في صباح يوم شتوي قاتم من عام 1789، كانت السماء ملبدة بالغيوم الثقيلة، وكأنها تحمل في طياتها آلام المدينة. الشوارع خالية إلا من بعض المارة المتعجلين، يمشون بخطى سريعة للتغلب على برودة الصباح. أصوات الرياح ترتطم بالأبواب الخشبية والنوافذ القديمة، تحمل معها رائحة الجوع والفقر المنتشرة في أنحاء فرنسا

لم يكن الصباح مشرقاً، بل كان يعكس كآبة المدينة الغارقة في أزمتها، حيث زادت الحياة صعوبة على سكان الأحياء الفقيرة، الذين باتوا يواجهون واقعاً مؤلماً من نقص الطعام والموارد. الحواري والأزقة تغصّ بوجوه شاحبة متعبة، أيديهم تلتف حول عباءاتهم الرثة في محاولة يائسة للاحتماء من البرد القارس.

في قصر الملك، بعيداً عن كل هذه المعاناة، يعيش الملك لويس السادس عشر ومن حوله في عزلتهم، غير مبالين بالغليان الذي يشهده الشعب.

الجميع في فرنسا أصبحوا غاضبين؛ الغضب كان يتصاعد ضد الامتيازات الممنوحة للنبلاء والإقطاعيين، وضد تأثير الكنيسة القوي على السياسة. بات الناس يحلمون بالحرية، بالمساواة، وبنظامٍ جمهوري يعيد لهم حقوقهم المسلوبة. ولكن، كانت الحياة هنا قاسيةً للغاية، تعجز عن تحقيق أبسط الأحلام. كانت النساء أكثر من يعانين، حيث يُنظر إليهن كأدواتٍ للإنجاب، تُرغمن على الزواج لتربية الأطفال والعمل في البيت دون أي فرصة للاستقلال أو اختيار مصيرهن.

كانت روزالين تمشي بخطواتٍ بطيئة في شوارع المدينه، تتأمل وجوه الناس التي غلب عليها الشحوب. لم يكن هذا اليوم مثل غيره؛ كانت تفكر بعمق في حياتها، بطفولتها التي قضتها تراقب والدها يكافح، وأمها التي علمتها القراءة رغم بساطة إمكانياتهما.

عند مفترق الطرق، التقت بشاب يحمل رسالة من أحد النبلاء في المدينة، السيد فيكتور دي مونتيني، وهو رجل من علية القوم، معروف بنفوذه وأعماله. كان العرض مغريًا، طلب منها العمل كمعلمة لابنته، وهي وظيفة تكاد تكون مستحيلة لامرأة في مثل سنها، خصوصًا من طبقة اجتماعية متوسطة. ولكن السيد فيكتور، نظرًا لانشغاله المستمر، كان يبحث عن شخص يستطيع الوثوق به ليهتم بتعليم ابنته إيزابيل، فتاة صغيرة تبلغ من العمر ثماني سنوات، وتعيش في عزلة داخل قصرهم الفخم.

كان قلب روزالين ينبض بقوة؛ فهي لم تتوقع قط أن يتم عرض عملٍ عليها، بل وأكثر من ذلك، في بيت عائلة نبيلة. أخذت تفكر في العرض بجدية، فقد كانت فرصتها لتحسين حياتها وعائلتها، خاصة وأن حياتها قد تبدلت مؤخرًا بعد أن أصبحت أسرتها من الطبقات الفقيرة.

وافقت روزالين، رغم المخاوف والقلق من كونها امرأة تدخل مجالاً لم يكن مسموحًا لها به، وذهبت في اليوم التالي إلى قصر آل مونتيني

فوضى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن