الفصل الأول: همسات الظلام
في إحدى الليالي الباردة، حين كانت سماء باريس ملبدة بالغيوم القاتمة، جلس المحقق جيوفاني في مقهى قديم يطل على زقاق مظلم. المطر يتساقط بخفة، والضوء الخافت للشارع يعكس ظلالًا غريبة تتراقص على الجدران. بدا المكان مهجورًا كأن الحياة تركته. كانت عيون جيوفاني، الباردة كالثلج، تراقب الشارع الهادئ، لكنه كان يعرف أن الهدوء هذا مخادع.
جيوفاني، المحقق الإيطالي الأشهر، وجد نفسه في قلب باريس للتحقيق في سلسلة من الجرائم الغريبة. جثث مختفية، آثار دماء مبعثرة، لكن بلا أدلة واضحة، وكأن القاتل يتلاعب بهم. وبجانبه شريكه الجديد، سنان، الشرطي الفرنسي من أصل عربي. لم يكن جيوفاني متحمسًا لفكرة العمل مع شريك، خاصة مبتدئاً كجديد في عالم الجريمة الخارقة، لكنه لم يكن لديه خيار.
انطلق الاثنان إلى مكان الحادث، حيث عُثر على آخر ضحايا الغيلان. شوارع باريس، التي تبدو في النهار نابضة بالحياة، كانت هنا في هذا الحي المظلم مختلفة تمامًا. المكان ملطخ بالرعب، والهواء مشبع برائحة غريبة؛ خليط من العفن والدم، كأن شيئًا في المكان حي ويتنفس ببطء.
أخرج جيوفاني مصباحه اليدوي وسار بخطى حذرة، فيما تردد سنان قليلاً لكنه تبع شريكه. فجأة، توقف جيوفاني أمام حائط قديم عليه رمز غريب محفور بعمق، دائري الشكل وكأنه يشير إلى شيء شيطاني. لمس جيوفاني الحائط برفق، ومرر إصبعه على الرمز. همس بصوت خافت: "إنها رسالة منهم."
سنان، الذي كان يراقب بحذر، همس بصوت مرتجف: "ماذا تقصد؟ من هؤلاء؟"
أجابه جيوفاني بنبرة منخفضة، بعينيه المثبتتين على الرمز: "غيلان باريس، يتسللون في الظلام، يتركون إشاراتهم حيث يمرون. وكأنهم يقولون لنا إنهم هنا، وإنهم يراقبوننا."
قبل أن يتمكن سنان من الرد، شعر بشيء خلفه يتحرك بسرعة. استدار فورًا، ورأى خيالاً غامضًا يندفع نحوه. ارتفع صوت خشخشة وضحكات خافتة، كأنما أصوات مشوّشة تأتي من عمق الجحيم. بدون تردد، سحب جيوفاني مسدسه وأطلق طلقة تحذيرية، فأوقف الكائن خطواته، مختبئًا بين الظلال.
ظهر أمامهما فجأة، كائن طويل مشوه الملامح، بشرته رمادية، وعيونه متوهجة كأنها جمرات. قال بصوت مشوه غارق في الشر: "ما الذي أتى بكما إلى أرضي؟"
رفع جيوفاني مسدسه، وعيناه لا تتركان الكائن. قال ببرود: "جئنا لإنهاء ما بدأته، كائن الظلام."
لكن الغول لم يتراجع، بل انقض على جيوفاني بسرعة تفوق الوصف، تلاعب بحركاته، وكأن الأرض تهتز تحت قدميه. قاوم جيوفاني، أطلق رصاصة أخرى، لكن الوحش تجنبها بسهولة، واقترب أكثر فأكثر، حتى كاد يتمكن منه.
أخذ سنان نفسًا عميقًا وأشعل عصاه المكهربة، وحاول الاقتراب من الكائن لينقذ شريكه. في اللحظة التي اقترب فيها، ضرب الغول سنان بقوة، دافعا إياه نحو الجدار، حيث شعر سنان بألم يمزق كتفه، لكنه تمسك بعصاه المكهربة وطعن الكائن في جنبه، فأصدر صوتاً صاخبًا مرعبًا، يملؤه الغضب.
اغتنم جيوفاني اللحظة، وسحب خنجره المصنوع من الفضة، طعنه في قلب الكائن. صرخ الغول، وانفجر جسده في وهج من الدخان الأسود، متحولا إلى كومة رماد سوداء، لكن صدى ضحكته بقي يتردد في المكان، تاركًا وراءه إحساسًا مرعبًا بالتهديد.
نهض سنان بصعوبة، جسده مليء بالكدمات وألم كتفه يكاد يمزقه. نظر إلى جيوفاني الذي بدا عليه التعب أيضًا. سأله بصوت متقطع: "هل هذا... انتهى؟"
أجاب جيوفاني بنبرة باردة، وعينيه ما زالتا تراقبان الظلام: "ليس بعد. لقد كانوا يختبروننا فقط. يبدو أن هذا ليس سوى البداية."
مع غياب صوت الكائن، عاد الصمت يخيّم على الزقاق، لكن شيئًا مظلمًا وكبيرًا كان يلوح في الأفق، وكأن شبحًا أكبر ينتظر لحظة الانقضاض.
عاد الاثنان إلى المقر في تلك الليلة، لكنهما كانا يعلمان أن هناك قوة أكثر ظلمة وخطورة تختبئ في شوارع باريس، قوة تتلاعب بالعقول وتجذب الضحايا كالفراش نحو النار.
أنت تقرأ
الصمت المظلم
Hororفي عالم تتداخل فيه الحقيقة مع الأساطير، يقف المحقق الإيطالي الشهير جيوفاني، بشخصيته الباردة وذكائه الفذ، في مواجهة قوة خفية تهدد العالم. يعمل جيوفاني في منظمة تحقيقات دولية تتصدى للغيلان، كائنات خارقة مختبئة بين البشر. في رحلته إلى باريس، ينضم إليه...