لغة العيون

10 3 0
                                    

دخل أورفين إلى مختبر جالينوس بابتسامة مرحة. كانت رائحة الأعشاب والأدوية تخيم على المكان، حيث امتدت الرفوف الخشبية العتيقة، محملة بقوارير زجاجية مليئة بسوائل ملونة ومساحيق غريبة. توزعت أدوات طبية بدائية وأوراق مدونة بخط صغير على طاولات العمل، في حين أشعلت مصابيح الزيت خافتة على الجدران العتيقة، متموجة الظلال.
" اهلا أيها العبقري، كيف الحال ؟ "
رفع جالينوس رأسه ببطء، عاقداً حاجبيه من أثر التركيز، وعيناه محاطتان بهالات سوداء تدل على سهر طويل وشحوب وجهه كأنه لم يذق طعم النوم لأيام. قال بصوت خافت: "كما ترى، أنا على حافة الانهيار."

ابتسم أورفين مستهزئاً: "هيا يا صديقي، لا تكن متشائماً. أنت الطبيب العبقري! هل تريد أن يسلب منك هذا اللقب؟"

تنهد جالينوس وهو يعيد نظره إلى مخطوطاته، ثم رد: "إذا استمررت على هذا الحال، فليكن. لقد تعبت، وكل الفضل يعود إليك."

ربت أورفين على كتفه بمودة: "آسف يا صديقي، اسمع، كمكافأة، لن أطلب منك تنظيف الكوخ لشهر كامل."

هز جالينوس رأسه بسخرية مريرة: "يا لروعة المكافأة، مدهش ."

دفع أورفين جانباً بعض الأدوات المتناثرة على الطاولة وجلس، مما جعل جالينوس يلقي عليه نظرة عابرة لكنه آثر الصمت. مال أورفين نحوه وسأله: "إذن، أيها الطبيب العبقري، ما هي حالة رودين؟"

أجاب جالينوس بهدوء وعمق: "عندما فحصت مجرى دمها وأعضاءها، وجدت أن نخاع العظم لديها ينتج خلايا دم بيضاء غير طبيعية. هذه الخلايا تقتحم مجرى الدم، وتنافس خلايا الدم الطبيعية، مانعة إياها من أداء وظائفها كما ينبغي."

ظهر القلق على وجه أورفين، وسأل بجدية: "وهل لهذا المرض علاج؟"

خفض جالينوس نظره قليلاً وقال: "لقد قمت ببحث شامل، لكن لم أجد أي طبيب تحدث عن هذا الموضوع. تشخيص مثل هذا يتطلب دقة وخبرة. سموك، أجبني بصدق: من أين أتت هذه الفتاة؟ ومن تكون حقاً؟"

صمت أورفين للحظة، ثم ابتسم بخفة وأجاب: "أنت حقاً عبقري يا جالينوس. ماذا لاحظت أيضاً؟"

"الميدالية التي تخبئها بعناية، وقد غطيتها بأثر من سحرك لإخفائها."

ضحك أورفين قائلاً: "أنت مدهش بالفعل، يا جالينوس."

أصر جالينوس بهدوء قاطع: "سأعيد سؤالي، من هي هذه الفتاة؟"

أجاب أورفين: "مجرد فتاة عادية، لا تحمل سراً عظيماً كما تتصور. كانت تائهة فقط، لذا قررت مساعدتها."

بدا على جالينوس التحفظ، وقال: "بإحضارها إلى هنا؟"
ثم همس أورفين لنفسه، وكأن كلماته أصداء تحاكي أعماق روحه أكثر مما تحادث جالينوس: "صحيح أن القصر خطير على غريبة مثلها لكنه آمن في نفس الوقت  ، حينما رأيت عينيها البنيتين تلمعان تحت ضوء القمر، شعرت وكأن هالة من حزن عميق تغمرهما، ذكرني ذلك بجزء من نفسي، بجزء عتيق من روحي ظننته قد ضاع وانطوى. لم أستطع، ببساطة، أن أتركها."

ردّ جالينوس بتوجس: "وكيف لك أن تثق بها؟ ربما هي جاسوسة."

ابتسم أورفين بعمق وقال: "أثق بعيونها، فإن للعيون لغة لا تكذب أبداً، لغة أصدق من كل الكلمات."
تنهد جالينوس بتفهم وقال: "سأبذل قصارى جهدي لعلاجها، ولكن عليك أن تعيدها من حيث أتت. لا توهم الفتاة بمسرحية أنكما عاشقان."

ابتسم أورفين وقال بهدوء: "شكراً لك يا جالينوس، أنت خير من يكتم الأسرار."

علق جالينوس: "سموك، أنت من يدفعني دوماً إلى حمل أعباء أسرارك."

ضحك أورفين وربت على كتف صديقه قائلاً: "لا تنس أن تأخذ قسطاً من الراحة قبل أن تنهك نفسك تماماً."

لوح بيده مودعاً، ثم خرج من المختبر، تاركاً جالينوس وحيداً وسط ظلال مصابيح الزيت وأرفف الأدوية، يستعد لخوض معركته التالية مع المرض الذي يسكن جسد رودين.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن