٢٤. تعافى اليكسندر

8 4 0
                                    

بعد عودة الكسندر إلى حياته القديمة، بدا وكأنه يعود إلى عالم مألوف ولكنه يشعر بأنه غريبٌ عليه. كل شيء حوله يبدو كما تركه، لكن داخله كان مختلفًا تمامًا. الألم والخوف اللذان اختبرا روحه جعلاه شخصًا آخر، يحمل ندوبًا نفسية تتجاوز الندوب الجسدية. أصبح من الصعب عليه التعامل مع اللحظات اليومية العادية، حيث تتحوّل أبسط الأشياء إلى تحديات تذكّره بما مرّ به، وتعيد إليه شعور الهشاشة والضياع.

في الأيام الأولى بعد عودته، كان الكسندر يجد صعوبة في التركيز، كأنّ الأفكار تتناثر حوله ولا يستطيع الإمساك بها. حتى النوم بات صعبًا، إذ تتسلل الكوابيس إلى لياليه، تُحيي ذكريات من السجون الباردة والغرف المظلمة التي حُبس فيها. أحيانًا، كان يستيقظ ليلاً مضطربًا، فيجد روزالين إلى جانبه، تمسك بيده بحنان دون أن تنبس بكلمة، وكأنها تعرف أن الكلمات وحدها لن تكون كافية لتهدئة روحه.

كانت روزالين مصدر السكينة الذي يحتاجه الكسندر، لم تفارقه في تلك الأيام العصيبة، بل كانت موجودة في كل لحظة، تسنده وتمنحه القوة ليواجه العالم من جديد. كانت تعرف أن عودته ليست مجرد انتصار، بل هي بداية صراع جديد، صراع لإعادة بناء ما هدمته الأيام القاسية. لم تكن تسأله عن تفاصيل ماضيه، وكأنها تحترم صمته وتعرف أن الكلام سيأتي حين يكون مستعدًا له.

كانت روزالين تلاحظ قلقه عندما يتعامل مع الأمور اليومية، كيف أن نظراته تحوم حول كل زاوية، كيف أن يديه ترتجفان أحيانًا دون سبب ظاهر. ومع ذلك، كانت تعامله برفق، تستقبله بالابتسامة، وتجهز له طعامه وتجلس بجانبه دون أن تفرض عليه شيئًا. كانت تمثل الأمان والاستقرار الذي يحتاجه كي يتجاوز آلامه.

وفي لحظات الصفاء، كان الكسندر يشعر بعمق حبها، ويعترف في قلبه بمدى حاجته إليها. كانت روزالين قد أصبحت ملاذه، المرفأ الذي يحتمي به من كل شيء، وقد وعد نفسه في أعماقه بأنه لن يتركها وحدها بعد اليوم، أنه سيحارب كل شبح يطارده ليكون لها كما كانت هي له.

أما إيزابيلا، فقد كانت النور الطفولي الذي يعيد إلى الكسندر بعضًا من البهجة المفقودة. كانت تقترب منه بابتسامة، تحكي له عن يومها، تلعب حوله دون أن تدرك عمق الألم الذي يعيشه. أحيانًا، كانت تمسك بيده الصغيرة وتنظر إليه بتلك العيون البريئة، فتأخذ منه كل ألم، وتعيد إليه شيئًا من الأمل.

كانت تحضر له رسوماتها البسيطة، ترسمه بجانب روزالين، وتكتب كلمات صغيرة تخبره فيها بأنها سعيدة لأنه عاد. وفي تلك اللحظات، كان الكسندر يشعر بشيء مختلف، كان يرى الأمل في عيني طفلته، ويشعر بأن البراءة لم تتركه تمامًا. كان يعلم أن وجود إيزابيلا كان أحد الأسباب التي دفعته للعودة، وأن طفولتها كانت الدافع الذي جعله يقاوم كل شيء ليكون هنا من جديد.

بمرور الوقت، بدأ الكسندر يعود إلى العمل ببطء. حاول أن يستعيد نشاطه، لكنه كان يشعر أنه فقد جزءًا من شغفه، وأن عليه بذل جهد أكبر ليبقى مركزًا. كان من الصعب عليه مواجهة التحديات التي كانت تبدو سهلة في الماضي، وأصبح يعاني من لحظات الشرود. أحيانًا، كان ينظر من نافذة مكتبه إلى المسافات البعيدة، كأنه يبحث عن إجابة للفراغ الذي خلفته الأحداث في داخله.

فوضى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن