"لم يغمض جفن لرودين تلك الليلة بكت بحرقة وشعرت بمرارة الخذلان. تمتمت لنفسها: "لماذا تركت لي ذلك الدفتر إذا كان فارغا؟ ما الفائدة منه إذن يا ليلى؟... لكنه كان ذنبي، لقد أثقلت عليها بهمومي دون أن أمنحها فرصة لتشارك همومها. لم أترك لها مجالاً للحديث، حتى جعلتها تشعر بعبء المسؤولية نحوي... كل هذا خطئي."
غاصت رودين في ذكريات جمعتها بليلى، منذ لقائهما الأول وهما في الثانية عشرة من عمرهما. كانت ليلى بالنسبة لها أكثر من مجرد صديقة، كانت الأخت والأمان، كانت كل شيء. ضمت رودين نفسها ووضعت رأسها على ركبتيها، هامسة بمرارة: "لماذا أنا هنا؟ ما هي رغبتي الدفينة التي دفعتني إلى هذا العالم الغريب؟ أجل رغبتي الآن هي الموت، لعلي ألقاها مجددا وتجيبني عن كل شيء..."لكنها تذكرت أورفين، ذاك الرجل الذي انبثق من عتمة الليل كضوء خافت يقودها وسط الظلام. لم تشكّ به قط؛ سارت معه كما يسير الأعمى على هدى قلبه، ظنًا منها أن اليأس هو ما دفعها للوثوق بغريب. غير أن شيئًا آخر كان ينبض بينهما، شعور غامض أبعد من أن تفهمه، وشيء عميق في روحه كان يفتح لها أبوابًا لم تدرك وجودها في قلبها.
وحده أورفين منحها لحظات نادرة من الحب والأمان، حملها من عزلتها إلى عالم أناس غمروها بحب صادق، حب لم يضعوا له شروطًا أو قيودًا. حينها، شعرت وكأنها وجدت مكانها أخيرًا، ملاذًا بعيدًا عن ذكرياتها المثقلة. لكن الليلة، وحيدة في ظلام غرفتها، تدفق الألم من جديد، ووجدت دموعها تنساب بصوت مكتوم كأنها طفل ضائع يبحث عن مأوى في قلب لا يزال يحنّ.
في الصباح، دخلت لورينا حاملة صينية الفطور، وبمجرد أن وقع بصرها على رودين منكمشة على كرسي، وعيناها منتفختان والهالات السوداء تحيط بهما كظلال ثقيلة، أسرعت تضع ما بيدها وتهرع إليها، فزعة" يا إلهي أنستي! ما بالك؟ هل اشتد عليك المرض؟"
ردت رودين بصعوبة، وصوتها مبحوح بالكاد يسمع: "لا تقلقي... أنا بخير."
نظرت لورينا إليها بدهشة وقلق: "عن أي خير تتحدثين؟ أنت في حال يرثى لها ،سأذهب لمناداة الطبيب فورا."
أمسكت رودين بذراعها، ونظرتها تخبرها ما لم تجرؤ شفتيها على البوح به: "لا، لورينا ... هذا الألم ليس بسبب المرض."
جلست لورينا بالقرب منها، وركعت على ركبتيها أمامها، ممسكة بيديها بكل حنان: "آنستي... ما الذي يعذبك؟"
امتلات عينا رودين بالدموع التي ظنت أنها نفدت بعد بكائها طوال الليل. تمتمت وشفتيها ترتجفان وكلماتها تخرج متقطعة: "اشتقت إليها ... أريد رؤيتها ... رحلت عني ولم تترك لي سوى فراغ قاتل... حتى الرابط الوحيد الذي كنت متمسكة به كان مجرد سراب...".ضمتها لورينا إلى صدرها كأم تضم طفلها الذي ضاع منها الأمان. ربتت على رأسها وهمست في أذنها بصوت يفيض بالحنان: "آه، عزيزتي... لا بأس، لا تعذبي نفسك هكذا. الألم سيزول، والذكريات ستبقى لتخبرك أنك لم تكوني وحدك في هذا الطريق."
تسللت كلمات لورينا إلى قلب رودين كبلسم يهدئ من أنينها، فأسندت رأسها على كتفها. بكت بصمت لتشعر ولو للحظة أن الحزن أخف مما كان، يوجد في هذا العالم البعيد أيد دافئة تمنحها قوة.
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...