تحت ظل شجرة الزيتون

10 3 0
                                    


---

"لورينا، أرجوكِ، لا تخبري أحدًا عن حالي هذا، خصوصًا السيدة غايا. لا أريدها أن تقلق دون داعٍ."

ابتسمت لورينا بعطف وطمأنتها قائلة: "كما تشائين، آنستي." ثم مدت يدها برفق نحو رودين، وهمست بنبرة حانية: "تعالي، سأُعد لكِ حمامًا دافئًا يُريح جسدكِ ويبدد عنكِ بعض العناء. ستشعرين ببعض التحسن بعدها."

أومأت رودين برأسها شاكرة: "شكرًا لكِ، لورينا."

بينما كانت رودين تغمر جسدها في المياه الدافئة، شعرت ببعض السكينة تتسلل إلى أعماقها، ولكن برغم كل شيء، لم تخمد تلك النار المشتعلة في قلبها تمامًا. وبعد أن عادت إلى غرفتها، حملت دفتر يوميات ليلى، ذلك الدفتر الذي ظل نقيًّا، طبعَت عليه قبلة حنونة كأنها تودّع صديقةتها الغالية. همست برقة: "شكرًا لكِ، ليلى، لكونكِ أعز صديقة لي. لن أنساكِ ما حييت." ثم أعادته إلى خزانتها وأحكمت قفلها، وكأنها تحفظ ذكرى عزيزة في قلبها.

التفتت إلى لورينا بنبرة حازمة: "أرغب في الخروج."

ابتسمت لورينا بحب واضح، وقالت: "بالطبع، آنستي." ، ساعدتها في ارتداء ثوب صيفي خفيف، ووضعَت بلطف مناشف باردة على عينيها لتخفيف التورم. سألتها لورينا بصوت خافت: "هل ستذهبين للقاء الأميرة؟"

هزّت رودين رأسها بهدوء وأجابت: "لا، أودّ السير وحدي قليلًا."

"كما تشائين، آنستي."

خرجت رودين إلى الحديقة، حيث كان الهواء مشبعًا برائحة الزهور المتفتحة، وأوراق الأشجار تتراقص مع نسيم الصيف الهادئ، بينما النوافير تنساب برشاقة في ساحات القصر القديمة، وكأنّها قصيدة تعانق الحجر العتيق.

فيما كانت تتجول بين الأشجار الكثيفة المحيطة بالقصر، لفت انتباهها طفل صغير، في السابعة من عمره، جالسًا تحت ظل شجرة زيتون عتيقة، ممسكًا بكتاب كبير يقرأه بعناية، كأن العالم من حوله لا يعنيه. اقتربت منه رودين بهدوء، وسألته بابتسامة حانية: "ما الذي تقرأه هنا، أيها الصغير؟"

رفع الطفل نظره نحوها وقال بشيء من التحفظ: "من أنتِ؟"

"حسنًا، أنا ضيفة هنا."

"ضيفة؟ لا أعرفكِ، قالت لي جدتي ألا أتكلم مع الغرباء. من فضلكِ، دعيني وشأني."

ضحكت رودين بخفة وقالت معتذرة: "أوه، آسفة، لم أقصد مقاطعتك. لكن من هي جدتك؟ ربما أعرفها."

تنهد الطفل بعمق وكأنه يفوق عمره، وقال ببرود: "أفف، هذا مزعج حقًا. ماذا تريدين؟"

"آسفة مجددًا."

ثم تابع بنبرة ممزوجة بالحرج: "إنها معروفة... السيدة غايا."

أشرقت عينا رودين بدهشة ممزوجة بحماس: "هل أنت حفيد السيدة غايا؟"

أومأ برأسه بفخر: "ألا ترين الشبه؟ الجميع يقول إنني نسخة منها."

ضحكت رودين وقالت بمزاح: "الآن فقط انتبهت للشبه، لكنك تبدو أكثر... رجولة."

تألقت عينا الطفل بحماس طفولي، وسأل بفرح: "هل أبدو رجوليًا؟"

غطّت رودين فمها بيدها وهي تضحك، ثم أجابت برقة: "نعم، نعم، أنت كذلك."

قال الطفل بحماسة: "لكن لم تخبريني بعد، من أنتِ؟"

مدّت رودين يدها مصافحة: "أنا رودين، وأنتَ؟"

"لوكاس."

"اسم لطيف."

انتفض لوكاس بنبرة مشدودة وقال معترضًا: "ما هو اللطيف؟ ألم تقولي إنني رجولي الآن؟"

ضحكت رودين مرة أخرى، وقالت بابتسامة عذبة: "آسفة، إنه اسم جميل لرجل شهم مثلك."

خفض لوكاس رأسه بخجل، وكأنه لم يعتد على هذا الإطراء، ثم حرك جسده مثل ساعة متأرجحة، وحكّ رأسه بحرج: "ما زلتُ في السابعة، لكن لا بأس بهذا أيضًا. حسنًا، أنتِ ضيفة مَن؟"

"الأمير أورفين."

اتسعت عيناه بذهول وسأل باندهاش: "هل أنتِ المرأة التي جعلت الأمير يترك تلك الأميرة الجميلة؟"

ساد الصمت على وجه رودين، ولم تستطع الإجابة، بينما بقي لوكاس يحدّق فيها. شعرت بأنه يقرأ شيئًا ما خلف صمتها، ثم قال بخفوت: "حسنًا، أنا آسف، لم أتعرف عليكِ."

ابتسمت له رودين: "لا بأس."

قال الطفل بعزم طفولي: "آنسة رودين، هل يمكنكِ أن تخبري الأمير أنني كبرتُ بما يكفي للالتحاق بالفرسان؟"

ابتسمت رودين وقالت برقة: "سأخبره."

"شكرًا لكِ."

أحست رودين أن لقاءها بهذا الطفل قد أزاح عن كاهلها ثقل الحزن قليلاً؛ فقد كان لطفه البريء وعفويته النقية بلسمًا لروحها المتعبة، مثل نسيم صيفي هبّ على قلبٍ يشتعل بالشجن.

---

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن