عادت العربة إلى القصر محاطة بجو ثقيل من الصمت، كأنه ظل داكن يلقي بظلاله على الجميع. كانت الأفكار تتطاير في رؤوسهم، وأعينهم تراقب السماء التي انقلبت زرقتها الهادئة إلى حمرة كئيبة أشبه بإنذارٍ مخيف. بدا الأمر وكأن الزمن توقف في تلك اللحظة، وعمت فيضانات من التساؤلات، لكن لم يجرؤ أحد على النطق بها.
همست رودين بصوتٍ متردد، كأنما تخشى كسر حاجز الصمت، وقالت لأورفين: "أورفين، هل رأيت مثل هذا من قبل؟"
أجاب أورفين بعد لحظة، بنبرة ممزوجة بالقلق والغموض: "لم أره بعيني، لكني سمعت عنه... يقولون إن السماء تكتسي بهذا اللون حينما تلوح في الأفق كارثة، حين تتغير موازين القوة وتستعد الطبيعة لتحذيرنا."
ارتعشت ليفيانا للحظات وأمسكت بيد أخيها، همست وهي تشعر بقلقٍ يخفق في صدرها: "أورفين... هل نواجه خطرًا حقيقيًا؟"
ربتت رودين على يدها لتطمئنها، لكن عيناها المتوترة خانت ذلك الهدوء المتصنع: "لا نستبق الأحداث، يا ليفيانا... قد تكون مجرد ظاهرة عابرة."وفي زاوية العربة، جلس كاستوس، يراقب كل شيء بعين يقظة. كان صامتًا لكنه على أهبة الاستعداد؛ فهاجسٌ غريب سكن قلبه، كأن ما حدث لم يكن مجرد مصادفة عابرة، بل نذيرًا لما هو أخطر.
عندما توقفت العربة أمام بوابات القصر، فتح الجنود الأبواب بسرعة، وعيونهم تفيض بقلق لم يخفَ على أحد. نزل أورفين أولًا، يساعد ليفيانا برفق، ثم التفت نحو رودين التي نزلت بابتسامة خافتة لتخفي توترها. في الداخل، كان غايوس في انتظارهم، وهمس في أذن أورفين ببضع كلمات حملت بين طياتها توترًا جديدًا. رفع أورفين نظره لرفاقه بنبرة حازمة: "يبدو أن هناك اجتماعًا طارئًا في البلاط، يجب أن أذهب فورًا."
أومأت له رودين برأسها وقالت: "كن حذرًا... سننتظرك هنا."
ومع غياب أورفين، بدا المكان سجنًا مشحونًا بالأسئلة والقلق؛ ظل كاستوس على حذره، يراقب محيطه بعيون يقظة، وكأنه يتوقع الأسوأ. بينما التفتت ليفيانا نحوه، همست بقلق: "كاستوس، إذا حدث شيء... ستبقى هنا، أليس كذلك؟"
ابتسم كاستوس بلطف، وقال بنبرة ملؤها الإخلاص: "أنا هنا من أجلكِ يا أميرة، لن أتركك مهما كان."كانت تلك الكلمات كافية لبث الطمأنينة في قلبها ولو للحظات، إلا أن مشاعر القلق ظلت تتخلل الأجواء. أما رودين، فكانت عيناها شاخصة نحو الأفق من خلال النافذة، كأنها تبحث عن إجابة للغزٍ غامض لم تفهمه بعد. همست لنفسها، "ما الذي يخبئه لنا الغد؟"
تقدمت غايا نحوهم بخطوات سريعة وقالت بقلق واضح: "أميرة، رودين... سمعت أنكما خرجتما من القصر، قلقت عليكما!"
أجابت الأميرة بقلقٍ مماثل: "أمي، أين هي؟ هل الجميع بخير؟"
أجابت غايا بارتباك: "نعم الجميع بخير ، جلالتها مع الملك، فقد تم استدعاؤها أيضًا."استدارت رودين نحو غايا، والخوف يملأ عينيها، وسألتها: "سيدة غايا، هل تعرفين ما الذي يحدث؟"
أجابت غايا بنبرة مرتعشة: "لم أرَ شيئًا كهذا من قبل... أتمنى ألا يحدث شيء سيئ."انتظروا جميعًا في ممرٍ طويل وصمت مطبق يحيط بهم، إلى أن ترددت في المكان خطوات ثقيلة. أداروا رؤوسهم بترقب وقلوبهم ترتجف، ليظهر أورفين من الظلام برفقة ولي العهد الأمير فابيوس. كان الأمير شبيهًا بأخته ليفيانا، كأنه نسختها في هيئة رجل، وكانت الجدية مرتسمة على وجهه كحامل خبر لا يُبشر بخير.
قال أورفين بصوتٍ هادئ يخفي قلقًا عميقًا: "علينا أن نكون يقظين. لقد طلبت تعزيز الحراسة حول القصر، هناك تقارير عن نشاطات مشبوهة على الحدود. قد تكون صدفة... لكن لا يمكننا المخاطرة."
ألقى الأمير فابيوس نظرة جادة على كاستوس وقال له: "كاستوس، ستذهب إلى الحدود الآن وبسرعة."
أجاب كاستوس دون تردد: "حاضر سموك."لكن ليفيانا تقدمت بخطى قلقة نحو أخيها قائلة: "أخي، لماذا يذهب إلى هناك؟ لقد عاد أورفين للتو من الحدود بالأمس الأمور بخير هناك، أليس كذلك !"
لكن فابيوس أدار وجهه عنها وأجاب ببرود، وكأن العاطفة لا مكان لها في هذه اللحظات العصيبة: "لقد سمعتِ ما قاله أورفين... اذهبي لغرفتك."تراجع الجميع إلى أماكنهم، وغرقوا في صمت ثقيل، صمت لا يفرق بين الخوف والترقب. جلسوا كأنما يحاولون العثور على أملٍ وسط الظلام الداكن، وفي أعماقهم، كانت تنتظرهم مشاعرٌ مبهمة، مشاعر حملت صدى المستقبل الذي يلوح في الأفق بمصير غامض.
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...