بداية الزوبعة

10 3 0
                                    


بعد رحيل الجنرال كاستوس، تبدل حال القصر. فقد سكينته، كأنّه كائن حي خسر توازنه. سحابة قاتمة من الخوف والقلق خيمت على الأروقة، والهمسات المتوجسة انتشرت كالنار في الهشيم. قال البعض إن ما حدث نذير نهاية الزمان، فيما رآه آخرون لعنة غامضة، عقابًا لسقوط السلام الهش الذي غطّى البلاد كغطاء حرير ممزق.

بات الجميع يتجنبون الحديث، وكأن الكلمات نفسها قد تُطلق شرارة كارثة.

في جناحها الموحش
كانت رودين حبيسة كطائر رهين في قفص ذهبي بارد. أوامر صارمة من غايا وجالينوس أبقتها منعزلة، بحجة حماية صحتها المتدهورة. ولكن ما كانت رودين بحاجة إليه أكثر من الدواء هو الشعور بأنها ليست وحيدة في وجه هذا الظلام الذي يطاردها.

أما أورفين، الذي كانت تنتظر حضوره كطوق نجاة، فقد غاب عن أنظارها منذ وقوع الحادثة. قيل إنه مشغول بمهام طارئة، لكن غيابه كان كخنجر يغوص أعمق في قلبها.

وفي اليوم السابع، كسر الصمت أصوات غريبة تصدح في أرجاء القصر. هرعت إلى نافذتها، حيث رأت الخدم يركضون في عجلة، ينظفون وينظمون وكأنهم يستعدون لحدث عظيم. الفضول أشعل قلبها، فقررت الخروج من غرفتها لفهم ما يجري.

ولكن عندما حاولت فتح الباب، وقف الحارس المكلف بحراستها حاجزًا وقال بنبرة قاطعة:
"عذرًا يا آنستي، لا يُسمح لك بالمغادرة."

كلماته القليلة كانت كالجدار الذي أسقط كل مقاومة في نفسها. عادت إلى غرفتها، تحمل في صدرها ثقل الشكوك. الأفكار الحزينة هجمت عليها دون رحمة: (هل أنا السبب؟ هل وجودي في القصر جلب الشؤم؟ ربما كانت أمي محقة... أنا لعنة على كل من حولي.)

جلست في صمت ثقيل، تتأمل النافذة المغلقة أمامها. هناك، خلف الجدران، كان العالم يتحرك، بينما بقيت هي رهينة العزلة.

---

في الصالة الكبرى، اجتمع رموز السلطة. وقف الملك على عرشه، محاطًا بوزرائه وابنيه، أورفين وفابيوس. الجو كان مشحونًا، ثقيلًا كأنه يوشك أن ينفجر.

دخل  مبعوث مملكة ليبرتا. مظهره المهيب وخطواته الثابتة زادت الأجواء توترًا. في يده مرسوم مختوم بالشمع الأحمر، تقدم وركع باحترام قبل أن يفتح المرسوم بصوت جهوري:
"أنا باسيفيكوس أمانوس، مبعوث جلالة ملك ليبرتا الملك نيرون فيلاندور. أطلب، باسم جلالته، يد الأميرة ليفيانا أستريان للزواج، أملًا في توطيد أواصر السلام بين مملكتي ليبرتا وأمانيثا."

ساد الصمت. كانت كلمات المبعوث ثقيلة كالصخر، تهبط على قلوب الحاضرين. تبادل الجميع نظرات مندهشة وغاضبة، حتى قطع أورفين السكون بصوت انفجر كالرعد:
"ما هذا الهراء؟ ليبرتا لديها ملكة بالفعل!"

تدخل الملك بنبرة صارمة:
"اجلس في مكانك، أورفين!"

تردد الأمير، لكن نظرات أبيه الحادة أجبرته على الصمت، وهو يطلق نظرات تحدٍ نحو المبعوث.

ثم قال الملك بصوت جليدي:
"كيف تطلبون هذا؟ نظام تعدد الزوجات ألغي منذ زمن بعيد، وليبرتا، كما نعلم، لديها ملكة بالفعل. هذا الطلب مهين وغير منطقي ظننت انك هنا للحديث عن تلك الظاهرة التي غطت جميع المماليك ."

حاول رئيس الوزراء، بنبرة متأنية، أن يخفف من التوتر:
"ربما حدث لبس، يا جلالتك. قد يكون الطلب موجهًا من ولي العهد في ليبرتا وليس الملك نفسه."

لكن المبعوث رد بنبرة صارمة لا تخلو من التحدي:
"لا خطأ في المرسوم. جلالتك، أدعوك لقراءته بنفسك."

تقدم أحد الخدم وحمل المرسوم إلى الملك. ومع كل سطر قرأه، ازداد وجهه جمودًا. وأخيرًا، قال بصوت هادئ، لكنه أثقل من الحديد:
"أمهلونا يومين للتفكير."

ما إن أنهى الملك كلمته، حتى انفجر كل من أورفين وفابيوس معًا:
"التفكير؟!"

كانت الصدمة واضحة على الجميع، حتى الوزراء الذين توقعوا طرد المبعوث إن لم يكن قتله.

تقدّم رئيس الوزراء وقال بصوت غاضب مخنوق:
"معذرة، يا جلالتك، لكن الأميرة ليفيانا لا تزال في التاسعة عشرة من عمرها، بينما ملك ليبرتا على أعتاب الستين. هذا الزواج إهانة للأميرة وحكم عليها بالموت البطيء."

لكن الملك، الذي بدا وكأنه تمثال من صخر، لم يُظهر أي انفعال. اكتفى بالقول:
"أيها السيد أمانوس، يمكنك الذهاب الآن. ستتلقى جوابنا بعد يومين."

انحنى المبعوث ومضى، تاركًا خلفه جوًا أشد ثقلاً من دخان المعركة.

ما إن خرج حتى انتفض أورفين بغضب هادر:
"أبي! كيف يمكن أن تفكر في هذا؟ كان يجب أن تقطع رأسه هنا، أمامنا، ليعرف ملك ليبرتا حدوده! هل تريد بيع أختي؟"

نهض الملك من عرشه كالإعصار وقال:
"أورفين! عد إلى مكانك فورًا ولا تتجاوز حدودك!"

لكن أورفين لم يتراجع. تحدى والده بنبرة مشتعلة:
"أنا أعرف حدودي جيدًا، لكنني لن أسمح بحدوث هذه المهزلة!"

خرج الأمير من الصالة، يجر خلفه غضبه كعاصفة. أما الملك، فقد جلس بثقل، كأن حمل العالم اجتمع على كتفيه، بينما الوزراء يرمقونه بنظرات يملؤها القلق. الجميع أدرك أن قرار الملك قد يكون بداية لعاصفة تزلزل استقرار المملكة.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن