في جنح الليل، كانت رودين تسير بجوار أورفين، الذي بدا غارقًا في تأملاته، محدقًا في الطريق الممتد أمامهما. لم يكن هناك أثر لحراس أو مراقبين، مما زاد من غموض الأجواء. ترددت للحظة قبل أن تسأل بصوت خافت:
"أورفين، كيف سنصل إلى ليبرتا؟ وكم هي المسافة بينها وأمانيثا؟"ابتسم أورفين بهدوء، عاقدًا ذراعيه خلف ظهره، وعيناه تحدقان في الأفق البعيد:
"إن سافرنا على صهوة الجياد، سنحتاج إلى عشرين يومًا من الرحيل. لكن لا تقلقي، لن نعتمد هذه الوسيلة."نظرت إليه بدهشة، متسائلة:
"إذن، ما خطتك؟"غمز أورفين بعينيه، متجاهلًا تساؤلها، وأردف بنبرة ماكرة:
"أخبرتِني من قبل أن في عالمكم تستخدمون الطائرات للوصول إلى أماكن بعيدة، أليس كذلك؟"ردّت بابتسامة مترددة:
"نعم، الطائرة وسيلة مدهشة! لكن... لا أظن أن لديكم شيئًا مشابهًا هنا، أليس كذلك؟"ضحك أورفين ضحكة خفيفة، وكأن الحديث عن الطائرات ضربٌ من الخيال:
"ههه، لا طائرات هنا. ولكن لدينا ما هو أسرع وأكثر سحرًا: بوابة سحرية تربط بين الممالك الخمس. هذه البوابة تختصر المسافات وتجعلنا نصل إلى ليبرتا في طرفة عين."تسارعت نبضات قلب رودين، وعيناها تلمعان بالدهشة:
"بوابة سحرية؟ حقًا؟ هذا مذهل، بل أفضل حتى من الطائرات!"هز أورفين رأسه مبتسمًا:
"لا تنبهري كثيرًا. البوابات مفيدة، لكنها ليست دائمًا متاحة. على سبيل المثال، البوابة المؤدية للعاصمة مغلقة الآن، فقد استخدمتها ليفيانا هذا الأسبوع. تلك البوابة تُفتح مرة واحدة فقط كل سبعة أيام. لذا، علينا الاعتماد على خطة بديلة."سألته رودين وقد بدأ القلق يتسلل إلى نبرتها:
"وما هي الخطة؟"أجاب بابتسامة مفعمة بالثقة:
"سنستخدم بوابة سحرية أخرى، ملكية أحد اللوردات القريبين. لكن..."توقفت رودين فجأة، مستشعرة نبرة الغموض في كلامه:
"لكن ماذا؟ هل سيسمح لنا باستخدامها؟"ابتسم أورفين ابتسامة ماكرة وهو يشد خطاه:
"بالطبع لن يسمح. سنضطر... إلى التسلل."وصل الاثنان بعد فترة إلى نزل خشبي قديم، يكتنفه هدوء غريب. استقبلهما صاحب النزل، رجل عابس الملامح، وقادهما إلى إسطبل مهترئ. هناك، وقف نوكس، جواد أورفين الأسود، شامخًا كأنه فارسٌ في ساح المعركة.
تراجعت رودين بخطوة إلى الوراء، تراقب الجواد برهبة:
"أورفين، هل هذا... حصانك؟"أومأ برأسه بفخر، وربت على عنق الحصان بحنان:
"نعم، هذا نوكس. صديقي منذ سنوات طويلة. لا تخافي، إنه قوي ولطيف رغم مظهره."حاولت رودين التقدم، لكنها شعرت بالخوف وهو يحدق بها. لاحظ أورفين ذلك، فطمأنها:
"لا تقلقي، نوكس يشعر بمشاعر الناس. إذا خفتِ، سيخاف منك. حاولي أن تكوني واثقة."تقدمت رودين بتردد وربتت على رأس الجواد، لكن قبل أن تستوعب الموقف، رفعها أورفين بسهولة ووضعها على ظهر الحصان. شهقت بخجل، محاولًة التمسك به.
"لا تقلقي، لن يسقطك. أنتِ بأمان." قال أورفين بابتسامة، ثم ألقى بعض العملات الذهبية لصاحب النزل، شاكراً إياه على صمته، وقفز على ظهر الحصان خلف رودين.
في طريقهما إلى مقاطعة إيريدون، سألت رودين بصوت خافت:
"كم تبعد هذه المقاطعة عن العاصمة؟"أجاب أورفين بينما كان يوجه الجواد نحو الغرب:
"سنسافر طوال الليل، وسنصل مع منتصف النهار. الآن، أرجوك، استرخي وضعي رأسك عليّ، فهذه الرحلة طويلة."ترددت رودين للحظة، لكنها لم تستطع مقاومة التعب. استندت على صدره وهي تحاول إخفاء خجلها، بينما غلبها النوم شيئًا فشيئًا، وأورفين يمسك بلجام الجواد بحذر، متابعًا الطريق في صمت.
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasyفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...