داخل ليبرتا

14 3 0
                                    


كانت الشمس تنحني نحو الأفق، تنشر ضوءها الذهبي على المدينة ذات الأسوار العالية التي تحاصرها مثل حارسٍ لا يعرف التعب. نظر أورفين نحو العربة المحملة بالأسماك التي كانت تقف على بعد خطوات. بدا وكأنه يرسم خطة في رأسه، بينما كانت رودين تتأمل الموقف بحذر.

"أورفين، الحراسة هنا مشددة للغاية. كيف سنتسلل إلى الداخل؟" همست بصوت مفعم بالقلق.
أجابها أورفين بثقة هادئة: "حاولت السير عبر الأسوار، لكنهم منتشرون في كل مكان. الخيار الأفضل هو هذه العربة."
استدارت رودين نحو العربة وبدت مترددة: "تلك العربة؟ هل تريد حقًا أن نختبئ بين الأسماك؟ ماذا لو تم تفتيشها؟"
"لقد رأيتهم. يبدون متساهلين مع عربات الطعام. سنجرب. المالك مشغول بالكلام الآن، لننتقل بهدوء."

لكنها لم تبدِ اقتناعها الكامل. "نجرب؟ وإذا أمسكوا بنا؟"
ابتسم أورفين ابتسامة مطمئنة وقال: "لا تقلقي. سيكون كل شيء على ما يرام. دعينا نتحرك الآن قبل أن يفوت الأوان."

تقدما بخطوات هادئة وسط صخب الميناء، حيث كانت الأجواء تعج بالحركة والصيادين الذين يتبادلون الأحاديث العالية. كان الازدحام يغطي على حركتهما، مما جعلهما يتسللان بخفة نحو العربة دون أن يثيرا الانتباه. تسللا خلف الصناديق الكبيرة المكدسة، والروائح النفاذة للسمك ملأت أنف رودين التي كتمت أنفاسها بصعوبة.

تحركت العربة بعد دقائق، وبدأ صوت العجلات يطغى على الأصوات من حولهما. جلس أورفين ورودين خلف الصناديق، يحاولان فهم ما يدور في الخارج من خلال الأصوات المتداخلة. فجأة، توقفت العربة. ساد صمت للحظات، تخللته أصوات حوار بين الحراس والمالك. أمسك أورفين يد رودين لطمأنتها، وهمس: "لا تخافي. إنهم فقط يتأكدون من الشحنة."

بعد لحظات عادت العربة للحركة. قال أورفين بنبرة مفعمة بالأمل: "يبدو أننا دخلنا المدينة."
لكن رودين لم تستطع كبح قلقها: "أورفين، كيف سننزل دون أن يلاحظنا أحد؟"

عندما توقفت العربة مجددًا، أدرك أورفين أن هذه فرصتهما. همس: "استعدي، علينا أن نتحرك بسرعة عندما ينشغلون بإنزال البضائع."

بذكاء، استغل اللحظة التي انشغل فيها العمال بنقل الصناديق. انحنى أورفين بخفة وأشار لرودين لتتبعه. تسلل الاثنان بين الظلال، ومن خلف العربة إلى زقاق جانبي ضيق حيث لا وجود للحراس. كانت الحركة سريعة ومليئة بالتوتر، لكنهما وصلا إلى بر الأمان دون أن يُلاحظا.

"لقد نجحنا!" قال أورفين بابتسامة عريضة وهو يتنفس بعمق.
لكن رودين كانت تمسك بأنفها، وقالت بانزعاج: "نجحنا، نعم، لكن الرائحة ستبقى عالقة بي لأيام."
ضحك أورفين بخفة وقال: "الرائحة ثمن بسيط مقابل دخولنا
المدينة."
نظر أورفين ورودين نحو المدينة التي امتدت أمامهما، تشع بعبق التاريخ. كانت أسوارها العالية وأبراجها الحجرية تلوح في الأفق كرمز للقوة والهيمنة، بينما تقف في منتصف المدينة حلبة الكولوسيوم المهيبة، شامخة كحارس صامت على أسرار الماضي.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن