الفصلُ السّادِس

25 2 0
                                    


‎بينما كانت السماء صافية والشمس تنير الحقول الذهبية، كانت أفروديت تستمتع بيوم هادئ وهي تمتطي حصانها المفضل بين الأعشاب الطويلة. كان النسيم يداعب شعرها، والصوت الوحيد الذي يُسمع هو خطوات الحصان الهادئة على الأرض الرطبة. شعرت براحة وسلام، كأن هذا اليوم هدية بعد أسابيع من التوتر والقلق.

‎لكن تلك الراحة لم تدم طويلاً.

‎من بعيد، ظهر شخص مألوف، شخص لم تكن ترغب في رؤيته مجدداً. ابن عمها، رجل بطبيعته العنيفة والمتسلطة، كان يسير بخطوات ثقيلة نحوها، وكان واضحاً أنه لم يأتِ للسلام. توقفت أفروديت فجأة، وشعرت بقلبها يخفق بسرعة. حاولت أن تسيطر على نفسها، لكنها شعرت بالخوف يتسلل إليها.

‎"أفروديت،"
‎ نطق ابن عمها بنبرة باردة، مملوءة بالقسوة.
‎"لم أكن أتوقع أن أراكِ هنا، وحدكِ"

‎تحرك ببطء نحوها، وعيناه تلمعان بنية شريرة. حاولت أفروديت التراجع، لكن الحصان تحرك ببطء تحت ثقل الخوف الذي شعرت به. لم تستطع التراجع بشكل كافٍ.

‎"ماذا تريد؟"
‎قالت بصوت مرتجف، رغم محاولتها لإظهار الثبات.

‎"ما أريد؟"
‎ ضحك بسخرية وهو يقترب منها أكثر.
‎"أريد أن أعوض عن كل تلك الأيام التي كنتِ تختبئين فيها مني."

‎اقترب منها بجرأة، وعيناه لم تفارق وجهها، وكأنها فريسة سهلة. أفروديت شعرت بيديها ترتعشان، ولم تستطع التحرك أو الكلام. كان الخوف يسيطر عليها بالكامل. حاولت الابتعاد، لكن ابن عمها أمسك بذراعها بقوة، مما جعلها ترتجف بشدة.

‎"دعي الحصان وكوني هادئة"
‎ همس قرب أذنها بنبرة تهديدية.
‎"لأن هذا اليوم هو لي."

‎في تلك اللحظة، شعرت أفروديت بالهلع. لكنها فجأة، وكأن الرياح حملت شيئًا غير متوقع، سمعت صوت طلقة نارية تصدح في الهواء، كسر الصمت بشكل مخيف.

‎ابن عمها شهق بصوت عالٍ وهو يسقط على ركبته، واضعاً يده على ساقه التي أصيبت بالطلقة. عينا أفروديت اتسعتا من الصدمة وهي تلتفت بسرعة لتجد مصدر الطلقة. ومن بعيد، في الأفق، رأت ڤيرموث تقف ثابتة على تل صغير، تحمل مسدسها بثبات، عيناها متوجهتان نحوهما وكأنها كانت تراقب كل شيء.

‎كان وجهها جامدًا كالصخر، عيناها باردتان، لم تظهر عليها أي علامة من الارتباك أو القلق. عرفت أفروديت فوراً أن تلك الطلقة كانت تحذيرًا، وأن ڤيرموث لن تتردد في إطلاق المزيد إذا لزم الأمر.

‎ابن عمها صرخ من الألم وهو يحدق في ڤيرموث، وبعد لحظات من الصمت، تعرف عليها.
‎"أنتِ..."
‎همس بصوت متقطع.
‎ "ڤيرموث... اللعنة، "

‎بدأت عيناه تلمع بالغضب والكراهية، وكانت تبدو عليه نية القتال رغم جروحه.

‎"ڤيرموث،"
‎ نطق ابن عمها بصوت مليء بالكراهية وهو يحاول النهوض بصعوبة.
‎"ما الذي تفعلينه هنا؟ وما علاقتكِ بأفروديت؟"

‎لكن ڤيرموث لم ترد. كانت صامتة، عيناها تركزان عليه بشكل قاتل. تقدمت بخطوات بطيئة نحوهم، ولم تخفض مسدسها للحظة. كانت كل حركة منها محسوبة بدقة، وكأنها تستعد لأي مواجهة.

‎"لن أدعك تأخذها،"
‎ قالت ڤيرموث أخيرًا بصوت بارد كالثلج.
‎"أفروديت ليست لك."

‎رفع ابن عمها مسدسه بسرعة، وكان مستعدًا لإطلاق النار، لكن ڤيرموث كانت أسرع منه. بلمحة عين، قامت بإطلاق النار مرة أخرى، مستهدفة يده هذه المرة. انطلق السلاح من يده وسقط على الأرض.

‎انتهى الحوار، وبدأ القتال.

‎قفزت ڤيرموث نحوه بسرعة ، وكأنها كانت تعتزم إنهاء الأمر بيدها. ابن عمها حاول الدفاع عن نفسه، لكن الإصابات جعلته أضعف. كانت اللكمات تتبادل بينهما، كل ضربة تحمل قوة وكراهية قديمة. استخدم ابن عمها كل ما لديه من قوة ليقاتل، لكن ڤيرموث كانت أسرع وأكثر تدريباً. وبينما كان الجرح في ساقه يضعفه، استمرت في القتال بمهارة ودقة.

‎خلال القتال، تمكنت ڤيرموث من توجيه ضربات قاسية لابن عم أفروديت، لكن ليس بدون ثمن. تلقت هي نفسها عدة جروح عميقة، لكن لم تكن تلك الجروح كافية لإبطائها. كلما تلقت ضربة، كانت تعود أقوى وأشد عزماً.

‎في النهاية، بعد دقائق من القتال الوحشي، تمكنت ڤيرموث من توجيه ضربة
‎اخيره جعلت ابن عمها أفروديت يسقط على الأرض منهكًا. كانت أنفاسه ثقيلة، لكنه لم يعد قادرًا على الوقوف أو القتال.

‎"ما علاقتكِ بها؟"
‎صرخ كاليوس بغضب وهو مستلقي على الأرض، محاولاً فهم ما يحدث.
‎"لماذا تدافعين عنها؟"

‎لكن ڤيرموث لم تجبه. بدلاً من ذلك، نظرت إلى أفروديت، التي كانت تراقب كل شيء من بعيد، مذهولة مما حدث. مدت ڤيرموث يدها نحوها وقالت بصوت هادئ:
‎"تعالي"

‎تقدمت أفروديت ببطء، لا تزال غير قادرة على استيعاب ما حدث. لكنها كانت تعلم أن ڤيرموث أنقذتها، مرة أخرى.

‎دون أن تنظر خلفها، قادت ڤيرموث أفروديت بعيداً عن المكان، تاركة ابن عمها ملقى على الأرض، يئن من الألم والغضب. لم يكن هناك مزيد من الكلمات بينهما، فقط صمت محمل بالأسئلة التي لن تجد إجابتها.

𝐅𝐀𝐑𝐌𝐄𝐑حيث تعيش القصص. اكتشف الآن