بينما كنت في حجر أمي، مستغرقًا في هوايتي المفضلة، والتي كنت أستمتع بها منذ صغري، شعرت بالطمأنينة التي لا أستطيع وصفها. كان رأسُه ملقى على حجرها الدافئ، وكانت يديها تنساب برفق على جبيني، تمسح عليَّ وكأنها تحاول أن تمحو عني أي همّ. في هذا الوقت، كانت أمي تقول لي بصوتها الدافئ، الذي لا يتغير أبدًا: "لماذا لا تخبرني، ما الذي يشغل بالك؟" كلماتها كانت دائمًا تأتي في وقتها، تمامًا عندما كنت بحاجة للحديث، رغم صمتي الكثير في تلك اللحظات.
كان سؤالي الذي خرج عن لسانها مفاجئًا لي، إذ أكان هناك ما يشغل بالي حقًا في ذلك الوقت؟ نظرت إليها للحظات وأنا أفكر في كلماتها، ثم أجبت بحيرة: "ما يشغل بالي الآن هو بقية القصة التي كنت تروينها قبل قليل، وهي هل عادت ابنة خالتي لزوجها أم أنها لا تزال على خصام معه؟"
ابتسمت أمي مبتسمة برقة بينما شدّت غرة رأسي، محاولةً أن تضحك على سؤالي البريء. ثم قالت بلطف: "أنت تعرف ما أقصد...". وفي تلك اللحظة، فهمت تمامًا أن ما تقصده هو أمر آخر كان قد أزعجني في الأيام الأخيرة. لم أكن أفهم تمامًا ما كان يختبئ وراء كلماتها. فقالت بتأكيد: "حقيقة لا أعرف يا أمي... أخبريني، ما الذي تعنين؟".
ثم تابعت أمي حديثها: "الموضوع الذي حدثتك عنه بالأمس، وقبل الأمس، ذهابك مع أخيك للشيخ...". كانت كلماتها تؤكد شيء كنت أهرب منه في أعماقي. كانت أمي تعرف تمامًا أنني لست شخصًا سهل الانقياد، حتى وإن اقتنعت بأنني على خطأ، كان لدي من الكبرياء ما يكفي كي لا أقبل بكل شيء دون تفكير. لكنها كانت تعرف أيضًا أنني لا أستطيع الرفض إذا كانت هي من طلبت. كانت هذه إحدى الصفات العديدة التي جعلتني دائمًا أضع ثقتي في نصائحها.
وأكملت أمي بحنان، وكأنها تحاول إيصال شيء ما: "لكن الشخص الوحيد الذي لا أستطيع رفض طلبه أو أمره كان أمي... وأبي بالطبع، لكن هي من أعادت حياتي بقلقها على عدوي لم أره منذ سنين، 'متمشيخ'. قيل إنه يعالج بالقرآن...". لم أستطع إلا أن أرفع حاجبيّ في دهشة عندما سمعت هذه الجملة. أمي، التي كانت دائمًا ترافقني في الحياة بأبسط تفاصيلها، كانت تتحدث عن رجل غامض، يعالج بالقرآن، وكنت أسمع اسمه لأول مرة.
لكن قبل أن أتحدث، نظرت إلى عينيها التي كانت تلمع بحزن، وكأنها تخشى أن أفهم الجملة. شعرت وكأنني أغرقت في بحر من الأسئلة، وحاولت أن أستجمع أفكاري، لكن قبل أن أتمكن من الإجابة، سألني سؤالها التالي: "لماذا تريدين أن أذهب له يا أمي؟"
قلت لها، وأنا لازلت في حجرها، محاولًا أن أتناسى تساؤلاتي: "ومم أشكو؟". لم أكن أرى في نفسي مشكلة واضحة، وكانت الحياة تسير على ما يرام في ظاهري. لكن كانت أمي تعرفني أكثر مما أعرف نفسي. ابتسمت أمي، وكان لها تلك الطريقة الهادئة التي تجعلها تشعرني بالأمان، وقالت بنبرة مليئة بالحب والقلق: "أريد الاطمئنان عليك...".
أنت تقرأ
جسار 2
Romanceللاعتناء بالطفل واعطائه جميع ما يحتاجه هذا هو اولويه ابويه وكذالك مواجهه الصعاب التي قد تجتاح طريقهم ضحكات ذاك الطفل الذي كان مزيج من الجن والانس كانت كالدواء بالنسبه الوالديه.