2/دهليز الظلام

6 3 1
                                    

بينما كانت ليليان تستعد للرحيل، استرجعت ذكريات جدتها التي كانت لها الأم والأب. جدتها هي التي ربتها هي وأختها بعد وفاة والديهما، وملأت حياتهما حبًا ورعاية. كانت جدتها بمثابة العمود الذي تستند إليه، ومع رحيلها، شعرت ليليان بالفراغ يتسع في قلبها.

بعد وفاة الجدة، أصرت مريم، صديقتها المخلصة، أن تعيش معها في نفس المنزل حتى لا تبقى وحيدة. مريم كانت الأخت والصديقة التي تعوضها عن غياب العائلة، ووجودها كان يجعل الوحدة أخف وطأة.

لكن رغم ذلك، شعرت ليليان دائمًا أن هناك جزءًا مفقودًا في حياتها، جزءًا يخص أختها التي اختفت منذ سنوات دون أي أثر. كان التفكير في أختها هو ما يدفعها الآن للقيام بهذه الخطوة الجريئة، وإقناع نفسها بأن دهليز الظلام ربما يحمل الإجابة.

وقفت أمام المرآة تحاول التماسك، وقالت لنفسها بصوت مرتجف:
"أنا مش بعمل ده علشاني... أنا بعمله عشان ألاقي أختي. يمكن هناك ألاقيها مستنياني."

لكن رغم كلماتها القوية، كانت تعرف أن الخوف يسيطر على جزء منها. ماذا لو لم تجد أختها هناك؟ ماذا لو كانت رحلتها هذه مجرد وهم؟

حاولت طرد هذه الأفكار من رأسها. جمعت حقيبتها وتأكدت من حمل كل ما تحتاجه.

> "مريم مش هتفهم أنا ليه بعمل كده... بس لازم أروح، لو في أي فرصة أرجع أختي، مش هسيبها تضيع."

نظرت إلى الساعة، تشير إلى الحادية عشرة إلا دقائق. لم يتبقَّ سوى ساعة واحدة لدخول النفق. جمعت شجاعتها، وخرجت من الغرفة، عازمة على مواجهة المجهول.

ومع كل خطوة، كانت تحاول إقناع نفسها بأنها على وشك العثور على أختها، وأن هذه المغامرة ليست إلا بداية طريق العودة للأسرة التي لطالما افتقدتها

-------------

اتجهت ليليان بخطى ثابتة نحو ذلك المكان المظلم الذي طالما سمع الجميع عنه، وأشيع حوله الكثير من القصص التي تروي عن الأشباح والأرواح التي تسكنه. كان ذلك المكان يقع في أقصى أطراف البلدة، حيث لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه بعد غروب الشمس. رغم أن الأقاويل عن هذا المكان كانت مثيرة للرهبة، إلا أن ليليان كانت عازمة على اكتشافه، بل وتحدي كل ما قيل عنها من أساطير.

حملت حقيبة ظهرها بحذر، وهي تملؤها بما يكفي من الطعام والملابس التي ستحتاجها في الأيام القادمة، وأخذت معها مذكراتها لتدوين كل شيء قد يصادفها هناك. لم يكن الأمر مجرد رحلة عادية بالنسبة لها، بل كان مغامرة تأمل أن تكشف لها عن أسرار غامضة. ومع هاتفها الخلوي في يدها، شعرت بشيء من الطمأنينة، فهي كانت تعرف أن عليها أن تبقى على اتصال مع مريم على الأقل، وإن كان من المستحيل أن تلتقط إشارة الهاتف في ذلك المكان النائي.

كان المسار الذي سلكته طويلًا، يتعرج بين الأشجار المظلمة والشوارع المهجورة التي لم يمر بها أحد منذ سنوات. عيونها تتنقل بين الأفق البعيد والجدران المتداعية من حولها، وكلما اقتربت من المكان، كلما ازدادت مشاعر القلق والفضول لديها. كان الهواء باردًا، والظلام يزداد كثافة، وكأن المدينة بأكملها تنبض بالحياة بين يديها، بينما هي الوحيدة التي تجرؤ على الدخول إلى هذا المكان المجهول.

وادي الساعاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن