بعد أن غادر شاهين وميلانا منزل فيكانزو ساد الصمت للحظات في الغرفة. ألان وفيكانزو تبادلا نظرات سريعة وكأنهما يحاولان قراءة أفكار بعضهما البعض.
لكن قبل أن يبدأ أي حديث بينهما، اندفعت أليانا إلى الغرفة بخطوات سريعة وعينين مشتعلتين بالغضب. توقفت أمامهما مباشرة وقالت بصوت مليء بالاستنكار:
"لماذا؟ لماذا أخفيتما هويتك الحقيقية؟"
رفع ألان نظره إليها بهدوء ظاهري، لكن عينيه كانتا تحملان تحذيرًا خفيًا.
"أليانا، ليس هذا الوقت ولا المكان المناسب لمثل هذه الأسئلة."
لكنها لم تتراجع، بل تقدمت نحوه بنبرة أكثر حدة:
"كفى أعذارًا يا ألان! أنا أعرف أنك زودياك. لكن ما لا أفهمه هو لماذا تخفي ذلك عن الجميع؟ ولماذا تكذب عليّ أنا؟"
تنهّد ألان بعمق، ثم قال بصوت منخفض، لكنه كان مشحونًا بالغضب المكبوت:
"لأنكِ لا تدركين حجم الخطر الذي يحيط بنا، أليانا. لو عرف شاهين أو ميلانا من أنا حقًا، فلن يترددوا في الإيقاع بي. كل خطوة أخطوها هنا محسوبة بدقة، وأي خطأ بسيط قد ينهي كل شيء."
قاطعتْه أليانا بحزم:
"لكنني كنت معك طوال الوقت! ألا تثق بي؟ لماذا تعاملني وكأنني عدو؟"
نظر إليها مباشرة، وعيناه تعكسان خليطًا من الألم والغضب:
"لأنكِ غبية و عاطفية أكثر مما يجب، وهذا يهدد كل شيء. هل تعلمين ماذا سيحدث لو كشفتِ عن هويتي لأي شخص؟ لا يمكنكِ أن تفهمي حجم اللعبة التي أواجهها."
كانت كلماته كصفعة على وجهها. شعرت أليانا بتوتر يمتزج بخيبة الأمل، لكنها لم تستسلم:
"تبا لك و لخططك البائسة ألان حقا إنك لا تعلم حجم اللعبه التي تلعبها لكن هذا لا يهم الٱن و دعك هكذا مثل الجرذ تقضي حياتك مختبأ بين الخطر و الأكاذيب و الٱن إن كنت لا تثق بي لهذا الحد أضن أن العودة من حيث أتيت سيكون الأفضل لكلينا "
اقترب منها ألان بخطوة، وصوته صار أكثر صرامة:
"لا يمكنك العودة لأنكِ تعرفين ألان أكثر مما ينبغي. وهذا يعني أنكِ في خطر، سواء أردتِ أم لا. بقاؤكِ هنا ليس اختيارًا، بل ضرورة غبيتي."
صمتت أليانا للحظات، وهي تحاول هضم كلماته. شعرت وكأنها محاصرة بين مشاعرها تجاهه وبين غموضه الذي يزداد تعقيدًا كل يوم من ثم ذهبت لغرفتها .....
و في الناحية الأخرى كان شاهين وميلانا قد وصلا إلى مقر القيادة، ساد الصمت بينهما للحظات. كان التوتر واضحًا في ملامح شاهين، بينما كانت ميلانا تسير إلى جانبه بنظرة متفحصة.
وأخيرًا، قطعت ميلانا ذلك الصمت قائلة بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة عتاب:
"شاهين، لا يمكنك الاستمرار في التصرف بهذه الطريقة. ليس كل من حولك مجرمًا "
توقف شاهين فجأة، والتفت نحوها بعينين حادتين:
"ميلانا، أنتِ لا تفهمين الأمر كما يجب.المدعو لوكا... تصرفاته ليست طبيعية. دائمًا هناك شيء مريب بشأنه."هزّت ميلانا رأسها، محاولة التخفيف من حدة توتره:
"ربما هو فقط شخص غامض، أو لديه أسرار شخصية. هذا لا يعني أنه متورط في شيء خطير."
نظر إليها شاهين بجدية وقال بصوت منخفض، لكنه كان مشحونًا بالريبة:
"الأمر لا يتعلق بلوكا فقط. فيكانزو أيضًا... منذ البداية وأنا أشعر أن هناك علاقة غريبة تربطهما. كأنهما يخفيان شيئًا. تعلمين أن حدسي لا يخيب."وضعت ميلانا يدها على ذراعه محاولة تهدئته:
"حدسك قد يكون قويًا، لكنك أحيانًا ترى الأمور من منظور واحد فقط و فيكانزو كان صديقنا و زميلنا في العمل لا يمكن أن يتورط و إذا كنت تشك بهم علينا جمع الأدلة أولاً قبل القفز إلى الاستنتاجات."
أشاح شاهين بنظره بعيدًا، ثم قال بصوت يحمل خليطًا من الإصرار والقلق:
"ربما. لكنني لن أرتاح حتى أعرف حقيقة ما يخفيه لوكا وفيكانزو"و من ثم جلس في مكتبه، عازمًا على البحث في قاعدة البيانات عن اسم "لوكا". كان التوتر يظهر في ملامحه وهو ينقر على لوحة المفاتيح، يبحث عن أي معلومة قد تساعده في كشف الغموض الذي يحيط به.
في الوقت نفسه، ذهبت ميلانا إلى مكتب رئيس القسم بعدما قدم لها مجموعة من الأوراق التي تحتوي على تفاصيل تخص قضية ليوناردو ..كانت تسير نحو مكتبها، تنظر إلى الأوراق بعناية، عندما ظهر فجأة شاهين أمامهاو قال بصوت منخفض، لكنه يحمل شيئًا من الجدية:
"ميلانا، عليّ أن أخبرك بشيء... لقد بحثت عن اسم لوكا ، ولم أجد أي سجل له. أعتقد أن شكوكي به كانت بمحلها و ليست بعيدة عن الحقيقة."
لكن ميلانا بالكاد انتبهت لكلامه، إذ كانت منشغلة تمامًا بالأوراق بين يديها. وبينما كان شاهين يحاول لفت انتباهها، ألقى نظرة سريعة على تلك الأوراق أثناء مروره. فجأة، توقف عن المشي، وأشار بإصبعه إلى إحدى الأوراق قائلاً بصوت مليء بالدهشة:
"أنا متأكد... لقد رأيت هذه الورقة عند لوكا هذا الصباح قبل أن نعود إلى هنا!"
رفعت ميلانا رأسها ونظرت إليه باستغراب، ثم قالت بنبرة ساخرة وهي ترفع حاجبها:
"شاهين، يبدو أنك متعب جدًا من العمل، وربما تشاهد الكثير من الأفلام! كيف يمكن للورقة التي بين يدي الآن، والمتعلقة بتحقيق يخص ليوناردو، أن تكون عند لوكا؟ هذا أمر غير منطقي."أغلقت ملف الأوراق بحركة سريعة، ثم أكملت حديثها باستهزاء:
"أعتقد أنك بحاجة إلى راحة قصيرة لتصفية ذهنك."
ثم تركت شاهين واقفًا في مكانه، بينما هي توجهت إلى مكتبها. لكن كلماتها بقيت عالقة في ذهنه، تراجع قليلًا عن اتهاماته المباشرة. ومع ذلك، لم يكن مستعدًا للتخلي عن شكوكه؛ لوكا ما زال في نظره غريب الأطوار، وهناك شيء كبير يخفيه.
