الخذلان

17 2 3
                                    

كانت في بيتها ، جالسة على تلك الأريكة البيضاء في بيت حديث الأثاث تشاهد برنامجها المفضل في هذا الوقت من المساء ، يأتيها اتصال من شخص اعتادت على اتصالاته ، نعم صديقتها المفضلة ، فردت عليه :
" مرحباً كيف حالك يا فتاة ؟"
" أهلاً بك مجدداً ، يبدو و كأنك في شبابك بطريقة حديثك هذه *ضحكة*"
" أنا دائماً في شبابي ، إذاً متى ستقدمين لمنزلي ؟"
" كل مرة أنا من يأتي لزيارتك لما لا نبدل الأدوار اليوم و أنتي من تزورني ؟"
" حسناً ، طالما أن المجيء أصبح مهمة صعبة عليكي *ضحكة *"
" منزلي فيه المتعة الحقيقية."
" لنرى عند مجيئي."
" هيا انتظرك بفارغ صبري."
و انتهت المكالمة.
بعد فصلها للمكالمة تظهر لها شاشة هاتفها أخر محادثة لها على تطبيق واتساب تذكرها بأمر ما :
" إن ما قلته لي مروة صحيح فلدينا الكثير لسماعه منها اليوم.
سيكون سماع وجهة نظرها ممتع ، سأعرف وقتها كيف أتخلص من الاثنين عندها."
* صوت رنين جرس منزلها*
" ما هذه السرعة ؟ هل حقاً هي من خلف الباب ؟"
مشت إلى ناحية الباب و صوت طرق كعبها يملأ المكان ، نظرت عبر فتحة الباب لترى من خلفه و بالفعل وجدتها هي ، ففتحت الباب :
" مرحباً عزيزتي * و فتحت يدها لحضنها و حضنتها*"
" أهلاً * ابتسمت ابتسامة مزيفة*"
مشت بكل حماس و رشاقة للتدخل إلى بيت صديقتها الجديد ، تلك المرأة الغنية بملابسها الفاخرة تتحدث بكل تفاؤل :
" لم أتوقعه بهذا الجمال ! كم سعر هذا البيت ؟ قولي لي لا تخجلي."
" ليس بشيء المهم ، المهم أعجبكي ؟"
" نعم جداً ، * تتفحص بأصبعها مدى نظافة المكان* و نظيف أيضاً."
" نعم ابني عمر دائماً يقدم لهنا لتنظيف البيت عني."
" ابنك عمر ؟ هممم
ألم يكن حديثنا سابقاً عنه ؟
*تمشي لناحية الأرائك أثناء كلامها ثم تجلس على إحداها*"
" ماذا تريدين الآن ؟
*وصلت و أخيراً إلى كنتبها و جلست عليها*"
يتقدم الخادم و يقدم لهم أكواب الشاي و بعض المقرمشات و المكسرات و يضعها على الطاولة المقابلة لهم.
" أوه ، و لديكي خدم أيضاً ؟
* تضع يدها على صدرها مندهشة*
لم أتوقع هذا التغيير !"
" نعم ، نقلت إلى بيت جديد ، و أريد البدء أيضاً بحياة جديدة ، و عن ابني عمر ، قريباً لن أحتاجه."
" لما أنتي غاضبة منه هكذا ؟ أليس ابنك الأصغر ؟"
تجيبها بغضب :
" هو ليس ابني ! و أنتي تعرفين ما بيننا. عرفت الآن سبب مجيئك لهنا."
" نعم ، عندما يكون الموضوع عن المال أنا هنا دائماً.
اسمعي ! أنا فقط أفعل هذا لمصلحتك ، أملاك زوجك هي من حقك ، هي من حقنا ، كيف لك أن تصديقه ؟ ألا تعرفي أن عمر كاذب كبير ؟ خدعنا بفكرة أن أخي كتب أملاكه باسمه ! لما ليكتب أخي أملاكه لشخص مختل مثله ؟"
" هي من حقي أنا فقط !"
" ما الذي تقصدينه ؟"
" زوجي كتب الأملاك باسمي أنا و هي ليست ورثة !"
" ماذا ؟! كاذبة ! هو لم يكتب الأملاك باسم أحد أليس هذا ما قلتيه لي سابقاً ؟"
" هذا ما قلته ، لكن هذه الورقة تظهر الحقيقة * تقول ذلك و هي حاملة ورقة تثبت ملكيتها*"
" أريني !"
تقول في نفسها :
" لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً !"
تأخذ منها الورقة و تتصفحها ، مندهشة مما قرأته.
" كم أنتي مخادعة !"
ترمي الورقة بوجهها و تقف على قدميها :
" ليس من شخص مخادع أكثر من عمر إلا أنتي !
كلاكم يريد أخذ حقي مني ! و أنا لن أسمح بذلك !"
" سنرى بشأن هذا. * تبتسم ابتسامة النصر*"
"كيف لك أن تفعلي هذا بي ؟ أنسيتي ما بيننا ؟"
" أنتي كيف لك أن تفعلي بي ما فعلته !
أنتي و ابني الأكبر كنتم طيلة الوقت تخططون لأخذ ما هو لي !
ألستي أنتي من كان يقول أن هذه الأملاك لك ؟ لما غيرتي كلامك الآن ؟"
" نعم ! أنا من غير كلامي الآن صحيح ؟
أخذت تتقدم بعيداً عن مكان جلوسها إلى ناحية طاولة غير التي كانوا يجلسون قربها و رمت التمثال الذي كان عليها على الأرض بقوة و قالت :
" لا أريد شخص مثلك في حياتي ! أنا لا أحتاجك !"
و تكمل ، تكسر كل ما أمامها :
" هذا من أجل كذبك !"
" و هذا من أجل حقارتك !"
ثم يأتي حراس أمن البيت و يمسكون بها بإحكام ، يجرونها إلى خارج البيت ، تقاوم قوتهم و تلتفت إلى ناحية تلك السيدة الجالسة على أريكتها البيضاء بكل فخر :
" أنت شيطان ! شيطان في داخل إنسان ! و سأريكي جزاء شخص مثلك ، قريباً سترين أعدك !"
ثم توجه كلامها للحراس :
" سأخرج لوحدي ألفتوني الآن !"
يفلتوها ، تنفض كلا كتفيها و تخرج من المكان و تعابير الاشمئزاز واضحة على طريقة مشيها و وجهها ، و تغلق الباب بقوة خلفها.

في الجانب الأخر من المدينة فإن عمر في عمله الآن ، قال لها الشيف :
" هيا ، أوصل هذا الطلب."
" إلى أي طاولة ؟"
يقول له أحد الطابخين :
" الطاولة رقم ٣."
يهز برأسه موافقاً ، و هو يمشي إلى خارج غرفة إعداد الطعام ، يرن هاتف كان على طاولة ما في المكان ، لكنه لم يسمعه حتى ، أوصل الطلب لطاولة رقم ٣ و عاد إلى غرفة إعداد الطعام ، قال له أحد الطباخين :
" أليس هذا هاتفك ؟ * يريه إياه* كان يرن طيلة الوقت ، أزعجنا صوته."
أخذ عمر منه الهاتف بسرعة و قال :
" أسف * يضع يده على رأسه* كنت منشغلاً بالعمل."
يضحك الطباخ ثم يقول لعمر :
" لا بأس * و يطبطب على كتفه*."
يأخذ عمر الهاتف ، يجد أن المتصل هو محمد.
"ماذا يريد مني هذا الآن ؟
ليس بالمهم."
رمى هاتفه على طاولة و أكمل عمله ، واضح أن محمد أثار اشمئزازه.
بعد يوم طويل من العمل ، وجد أنه تلقى منه عدة اتصالات و رسائل نصية.
" حقاً ما الذي يريده !
لكن أنا على قراري."
تجاهل كل ما كان منه ، لبس معطفه ، و ذهب للسير إلى بيته في طقوس يناير الباردة.

" لم يجيب على اتصالاتك ؟"
" لا."
"و لا الرسائل ، ربما أصابه الرهاب مجدداً فلم يجب على المكالمات ؟"
" لا ، لا رسائل نصية و لا المكالمات ، كنت أحمق عندما وثقت أن هذه الخطة ستنجح."
" ماذا ، تقصد أن خطتي حمقاء ؟"
" حمقاء مثلك ، من يدعو عدوه للمواجهة بهذه الطريقة ، اسمه عدو ، لن يرد على اتصالاتك بمجرد أنه رقمك أنت."
" ظننت أنه سيرد عليك إن كان الاتصال بهاتفي ، لكن الواضح أنني عدوه الجديد...
لحظة !"
وردت في باله فكرة :
" ماذا ؟ لا تتصل به مجدداً فلن يرد عليك إن كان من رقمي أو رقمك."
" لا لا يا غبي ، اسمع ، أنت فقط استمع لخطتي هذه و نفذها ، سننجح بلا شك."
" لكن هذه أخر مرة أثق بك فيها."
" أعدك ، لن يفلت منا هذه المرة."

عاد إلى البيت متعباً ككل يوم ، استقلى على سريره من شدة التعب ، نظر إلى سطح الغرفة و فكر للحظة :
" هذه أخر أيام لي في هذه الشقة ، أخيراً سأتخلص من ذلك المؤجر الحقير."
ينهض ليجلس على السرير ، يتفحص الشقة الصغيرة بعينيه :
" أعتقد فعلاً ، أفضل ما يجب أن أفعله في حق نفسي هو شراء بيت جديد ينسيني معاناتي هنا."
يرج هاتفه ، على المنطدة التي بجانب سريره :
" مجدداً ما الذي تريده ؟ اتصلت بي هي الأخرى كثيراً."
يقرر أن يجيب على اتصالها :
" مرحباً ، ما الأمر ؟"
" أنت حقير ! حقير بمعنى الكلمة !
ظننتك ولدي الذي أحبه !
تسرق ممتلكاتي مني !
يا لك من شجع و طماع !"
" ما الذي تقولينه ؟
أنا أسرق ! ما دهاكي ؟"
" أنت ماذا بك ؟ تقول لي عمتك أن أملاك أبيك باسمك أنت ؟!"
" نعم هذا صحيح و ما الأمر ؟"
" ما الأمر ؟! هي باسمي أنا و ليس باسمك !"
" و الدليل ؟"
" لدي الدليل ما أني لا أحتاجه."
" لكن الآن ستحتاجيه ، إن كنتي تصدقين حقاً أن الأملاك لكِ فأثبتي لي ذلك في المحكمة."
" المحكمة ؟ تجرئ و تقول لأمك أن نتقابل في المحكمة ؟"
" أنتي أمي الآن ؟"
" ما الذي تقصده ؟ نعم أنا أمك."
" نعم ، هذه واحدة من أكاذيبك التي صدقتها ، لكن الآن لست بالطفل يا خالة."
" لما تتحدث معي بهذه الطريقة ؟ ماذا حصل لك ماذا تقصد..."
و فصل الخط.
" فصل الخط بوجهي !"
تقبض يدها على هاتفه و ترجف من الغضب ، تتحدث بنبرة غاضبة و هي تكز على أسنانها :
" هذا الصغير يريد أن يتحداني ها ؟ إذاً سيرى ، سيرى من أكون حقاً ، سيرى من هي ماري !"
يتقدم إليها ، يضمها من أكتافها و يقول :
" ماري ، اهدأي يا عزيزتي ، كل شيء شيء سيسير كما نريد ، كم مرة نجحنا مع بعضنا في تنفيذ خطتنا ؟"
" لكن مارك ، هذا الأرث دفنت حياتي من أجله ، تزوجته بالغصب ، و تحملت من أجل تلك الأملاك لنحيا برفاهية أنا و أنت معاً ، و الآن شخص مثله يقف في طريقي."
" لا بأس ، يوجد كثير من الطرق للتخلص منه لا تخافي."
يتقدم أمامها ، يسند يداه على أكتافها و يضع عينه بعينها و يقول :
" تثقين بي ؟"
" نعم ، أثق بك حقاً."
" حتى لو كنا في أواخر الخمسينات من عمرنا لكننا أذكى من ذلك العشريني."
" و يرى أنني مسنة أيضاً."
"*ضحك* نعم لا تعرفين الأولاد ، لا يميزون بين الخمسيني و الستيني ، أغبياء."
*ضحك*

تذكرها لأكثر من مرة ، كل مرة كان يسأل أبيه فيها عن تلك المرأة، يغير أبيه الموضوع.
يذكر أنها كانت حنونة جداً معه ، و كانت أول ما فقد في حياته ، و من يومها حقاً أصيب بالاكتئاب و الاضطراب.
يذكر جيداً ، أنه سمعهم يتحدثون خلف الباب عن الموضوع :
" لن تعرف سالي عن مجيئي صحيح ؟"
" لا ماري ، لن تعرف."
" و ماذا عن زواجنا ؟"
" هي لا تعرف عنه من الأساس ، و لا تعرف عنك و لا عن ابني الأول منك."
كان مصدوم ، خلف الباب يبكي ، أباه لا يحب أمه ، عائلته ستنفصل و تفكك حقاً بعد معرفة أمه عما حدث ، و حقيقة أن أخاه الكبير ليس بأخاه ، لم يفهم هذا إلا عندما كبر.
خاف أن يخبر أمه بالأمر وقتها.
لكن يوم من الأيام و من براءته كطفل أباح بمعرفته بالأمر لها أثناء حديث عادي جرى بينهم ، تتقدم أمه إلى الطاولة حيث يأكل و تسأله :
" ما اسمها ؟"
" م.ماري ، أمي."
" ماري إذاً !"
و من يومها ، اندلعت الشجارات في البيت.
" خائن ، أنت بخائن !"
" انتظري حبيبتي أهدأي."
لما تزوجتني إن كان لديك زوجة أولى ، لما لم تخبرني عنها حتى ؟!"
" دعيني أشرح عزيزتي !
الأمر فقط أنه.."
" لا أريد سماع أكثر من هذا !"
تحزم أمتعتها لرحيل من البيت.
يركض عمر باتجاه أمه :
" أمييييي ! أمي و ماذا عني أنا ؟
لن تأخذني معك ؟
سأتتركيني وحيداً هنا ؟ أمي لا أريد تركك."
يبكي و تنهمر الدموع على وجنتيه ، تنخفض أمه ناحيته ، تمسح دموعه و تقول :
" أدعك ، إن أستطعت أخذك سأخذك ، لكن ربما لن أستطيع ، لذا عدني ، إن بقيت هنا ستكون أفضل ولد و ستسمع لكلام أبيك و تحبه."
" أعدك أمي."
بحزن قالها.
و راحت أمه خارج البيت و لم تعد من يومها.
و في يوم المحاكمة عن مع من سيبقى عمر ، هو اختار أمه ، لكن القضاء لم يسمح له غير البقاء مع أبيه ، فلظروف ما ، وجدوا أن بقاءه مع أباه سيكون أفضل له ، و ليتهم لم يتخذوا هذا القرار...
تذكر عمر كل هذا و أحس بالخذلان مرة أخرى بعد أن خذله محمد ، خذله أباه ، لكنه لا يزال يوقن أنه هنالك أمل ليرى أغلى ما خسر ، أمه و عبد الله ، مازال آملاً بأنه سيرى و لو واحداً منهم على الأقل ، و بهذا تعود سعادته إليه مجدداً.
لا يعرف لما تذكر كل هذا الآن ، لكنه يعرف أنه كان الوقت المناسب لتعود له ذاكرته بهذه الأفكار ، لأنه بها عرف من معه من و ضده الآن.
و نتبع في الجزء القادم ✨

I just hate myself | أنا فقط أكره نفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن