(شجرة حولت الشتاء إلى ربيع أبدي)
يوم عاصف شديد البرودة ..يوم كانت الأرض قد لبست فيه ثوبها الأبيض .. أتذكرها جيداً تلك الحادثة كما لو أنها حدثت بالأمس .. كنت صغيرة يومها .. في ذلك اليوم .. ظنت فيه أختي الكبرى أنه أسعد يوم في حياتها .. عادت تالا متهللةً تركض فرحاً بنتيجتها التي حصلت عليها .. ولتفوقها في المرحلة المتوسطة .. لتزف البشرى إلى والدينا تنقل لهما فرحتها وبهجتها .. حصلت أختي تالا على المرتبة الأولى على المدينة كلها لما كانت تتمتع به من ذكاء ومواهب فذة مما أهلها لذلك .. علمت من والدتي يومها أنهما سيحضران مفاجئة لأختي الكبرى وأوصتني أمي بأن يبقى الأمر سراً وياله من سرٍ لم يستطع أحد إفشاؤه بعدها .. وبعد أن أرهقني النعاس إستيقظت أنا وأختي على طرق باب المنزل .. لقد كان القدر أسبق إليها من الهديه حيث جاءنا نبأ وفاة والدينا في حادث أليم بسبب الثلوج التي إعترضت طريقهما .. لم تحصل أحداث كثيرة منذ ذلك الخبر وتلخصت حياتنا بين حنين وأنين .. مرت شهورعلى تلك الحادثة وأختي على حالها .. لم يستطع قلب تالا الضعيف تحمل تلك الفاجعة .. حيث إنها إنهارت بعد ذلك تماماً وأصبح قلب أختي متجمداً كالثلج بعد تلك الليلة .. شعرت بعدها بأن أحلام أختي الوردية التي كانت تحدثني دوماً عنها من أهمها أن تصبح كاتبة مرموقة .. تجمدت وبدأت بالتلاشي شيئاً فشيئاً مع مواهبها .. فكنت كلما أنظر لكتاباتها لم أكن أجد فيها أي كتابات سوى سطورٍ وكلمات متفرقة .. لقد كان لتشجيع والدينا لها ووجودهما بالقرب منها دائماً.. دور كبير في نمو موهبتها . بعد ذلك عشنا في كنف جدتنا .. ظلت تالا في غيبوبة عميقة وطويلة ..ولم تكن تلك الغيبوبه فقدانها للوعي بل كانت غيبوبة لقلبها .. إلى أن أتى ذلك اليوم الذي قابلت فيه تالا .. خالتي " أمل " التي لم نرها منذ طفولتنا .. فإذا بها تنادي أختي قائلةً : "مالي أرى نوركِ انطفأ وكأن شمساً قد أطالت بالكسوفِ ! "(يابنيتي إن الحياة مليئة بالإختبارات المفاجئة ... فإما أن نصمد أمامها ونواجهها ببسالة ... أو نرفع الراية البيضاء معلنين لها الإستسلام ... فقد يكون أحد إختباراتها بداية لقصةِ نجاحٍ ...وقد تكون بداية للفشل ...) أجابتها تالا والدمع ينهمر من عينيها وهي تغصُ من شدة الألم ... (لم أستطع غير إعلان الإستسلام ... لقد ... لقد فقدت كل شيء لم أعد أحس بطعم الحياه وكأنها أصبحت كالماء ... لكن الفرق بينهما هو أن حياتي تحمل مرارةً خفية بين طيَاتها ..أشعر بها كل يوم) .. لم أستطع فعل شيء في تلك اللحظات سوى ذرف الدموع .. نظرت إليها خالتي وهي تبادلها إبتسامتها الدافئة قائلةً : (إنك كالشجرة الصغيرة تماماً .. ضعيفة للغاية في مظهرها الأول ولكنها تحمل قوة كبيرة ترينا إياها في المستقبل فتثمر ونجني منها ثماراً طيبة المذاق ولكن هذه الشجرة الصغيرة قد تصفرُ بعض أوراقها إن لم يُعتنى بها جيداً وهذا قد يؤثر عليها كثيراً ..ولكن سرعان ماتتخلص من تلك الورقة لتنبت بدلاً منها أوراقاً خضراء تسر كل من ينظر إليها ..أما عندما تقوى وتكبر لاتصبح ورقة صفراء تؤثر عليها مطلقاً مقارنة بأوراقها الخضراء الكثيرة .. وكان أبواك قد إختارا لك هذا الإسم الجميل ليس عبثاً ..إنما كانا متفائلين بشجرتهم الصغيرة النامية ..وليكون لك من معنى هذا الإسم نصيب.. ويبدو لي أن مرادهما قد تحقق في ما تحملينه من معاني هذا الإسم .. ) فإذا بها تالا تمسح الدموع من عينيها وتبدأ الضحكات تتسابق بالإرتسام على وجنتيها الحمراوتين وكأن الربيع قد حل وعاد لقلبها بعد شتاء طويل كاد أن يجمده للأبد وعادت تالا لكتابة الشعر والأدب من جديد وبصورة أجمل وأروع .. لقد كان لكلام خالتي أثر كبير في قلب تالا وعبرت لها عن امتنانها وشكرها لما أسدته لها من معروف قائلة : " لن أنساه ماحييت كلامكِ..هو ثروة لي بل أغلى من الذهبِ " . لقد طرأ تغير كبير على حياة أختي .. لم تعد تعرف لليأس والفشل مكاناً في قلبها .. وكأنها ولدت من جديد .. وأخيراً وبعد غياب طويل عادت تالا مع مواهبها وتميزها .. أصبحت مفعمة بالنشاط والتفائل .. والجد والإجتهاد .. مندفعة بقوة نحو تحقيق أحلامها وطموحاتها الكبيرة .. تردد كلمات خالتي على مسامعها كل صباح .. والآن أختي هي من أشهر الكتاب .. كاتبة ناجحة ومشهورة في كل مكان ولها العديد من الكتب والمؤلفات المنتشرة عالمياً .. وكان من أشهر كتبها كتاب ( شجرة حولت الشتاء إلى ربيع أبدي)
أنت تقرأ
مسابقة "مؤلفون" للقصة القصيرة
Contoالمرجو من أراد المشاركة ان يراسلنا على لصفحة التالية الخاصة بنا : https://www.facebook.com/pagemoalifoun?fref=ts و هنا رابط المجموعة الخاصة بنا على الفايس للتفاعل مع القصص و النشاطات اليومية https://m.facebook.com/groups/Moalifoun/