بسم الله الرحمن الرحيم
الأخلاق والسير لابن حزم
(384-456هـ)
[رب يسر يا كريم]
قال أبو محمد علي بن أحمد بن [سعيد بن] حزم [الفقيه الأندلسي]رحمه الله:
الحمد لله على عظيم مننه، و صلى الله على محمدعبده و خاتم أنبيائه و رسله [ و سلم تسليمًا]، و أبرأ إليه تعالى من الحول والقوة ، وأستعينه على كل ما يعصم في الدنيا من جميع المخاوف والمكاره، و يخلص في الأخرى من ك[/b]ل هول و ضيق.
أما بعد
فإني جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة أفادنيها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام و تعاقب الأحوال بما منحني عز و جل من التهمم بتصاريف الزمان ، والإشراف على أحواله،حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، و آثرت تقييد ذلك بالمطالعة [له] والفكرة فيه على جميع اللذات التي تميل إليها أكثر النفوس، و على الازدياد من فضول المال.
و زممت كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب لينفع الله به من يشاء من عباده ممن يصل إليه ما أتعبت فيه نفسي، و أجهدتها فيه و أطلت فيه فكري فيأخذه عفواً ، و أهديت إليه هنيئًا، فيكون ذلك أفضل له من كنوز المال و عقد الأملاك إذا تدبره و يسره الله تعالى لاستعماله.
و أنا راجٍ في ذلك من الله تعالى، أعظم الأجرلنيتي في نفع عباده و إصلاح ما فسد من أخلافهم، و مداواة علل نفوسهم، و بالله تعالى أستعين.
[فصل في] مداواة النفوس و إصلاح الأخلاق [الذميمة]
لذة العاقل بتمييزه ولذة العالم بعلمه ولذة الحكيم بحكمته ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده أعظم من لذة الآكل بأكله والشارب بشربه والواطيء بوطئه والكاسب بكسبه واللاعب بلعبه والآمر بأمره.
وبرهان ذلك أن الحكيم العاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا كما يجدها المنهمك فيها ويحسونها كما يحسها المقبل عليها [وقد تركوها وأعرضوا عنها وآثروا طلب الفضائل عليها] وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر.
إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في
آخر فكرتك - باضمحلال جميع أحوال الدنيا-إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط لأن كل أمل ظفرت[ به فعقباه] حزن إما بذهابه عنك وإما بذهابك عنه ولا بد من أحد هذين الشيئين إلا العمل لله عز وجل فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل.