أبحاث في سنن
تغيير النفس والمجتمع
اقرأ وربك الأكرم
جودت سعيد
ع. ر . ا
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبعة الأولى
1408 هـ - 1988 م
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
دمشق - ص.ب 5016
طبع بموافقة الإفتاء العام والتدريس الديني بدمشق
رقم 906 تاريخ 1/10/1986
وموافقة وزارة الإعلام - مديرية الرقابة
رقم 83195 تاريخ 23/7/1987
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ للهِ
وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِه الَّذِينَ اصطفَى
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَليِمُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ
مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
مقدمة
بسم الله ، والحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى ..
قام موضوع هذا الكتاب في ذهني منذ وقت بعيد ، ولم أزل أقلبه وأعارضه وأعرض عليه خلال سنوات . وقد استقر في نفسي بنتيجة الثقافة التي تشيع بيننا أن العلم ينبغي أن يكون موضوع بحث حتى تكون له معالم واضحة ، وقد لاحظت أن كثيراً من سلطان هذا العلم يرجع إلى الاعتقاد (الأيديولوجية) والتسليم والرهبة والهيبة أكثر مما يرجع إلى الفهم والتحليل الدقيق ، بحيث يمكن أن نزعم أن العلم يؤدي دوراً أسطورياً أكثر منه علمياً ، فرغم اسم العلم فإن الدور والوظيفة أسطورية (1) مختلطة تحمل الخرافات وكل التراث البشري المختلط .
لذلك رأيت أن من المفيد التوجه إلى دراسة العلم - مع اعترافي بمحدودية ما أملك - وأنه لا بد من البدء بطرح الموضوع لنتوجه إلى العقول بتحديد معنى العلم وتمحيصه . ولقد كان هذا في ذهني حين بدأت الكتابة ، ولكن أثناء المضي في الموضوع تبين لي أن قانون سير العلم مرتبط بالقراءة ، فمن يتأمل كيف نشأ العلم وكيف بدأ ، يلاحظ أن العلم لم يأخذ دوره الواسع إلا مع اكتشاف الكتابة ، لأن التجارب كانت تضيع وتموت بموت أصحابها ، ولأن الذاكرة ليست مأمونة للحفظ ، ثم اكتسبت التجارب والمعارف الخلد مع ظهور الكتابة ، فكأن الإنسان ملك ذاكرة غير قابلة للموت ، وهذا شيء مهم في حياة العلم . كما أن ما يكشفه فرد من العلم صار يعمم بيسر إلى سائر الأفراد فلا يحتاجون إلى جهود وبحوث لإعادة الكشف ، فقد صار هذا الذي أُكتُشفَ ملكاً للإنسانية . وإن لتقييد الكشف وتعميمه الصدارة في نمو العلم ، وهما لا يتمان إلا بالكتابة ، وبعبارة أخرى لا يحفظ ما عرف واكتشف ولا ينتقل إلى الآخرين إلا بالكتابة . ولهذا يمكن أن نقول : إن الكشف والحفظ والتعميم متممات للعلم ومولدات له ، فإذا كان العلم يتم بالكشف فإنه ينمو بالحفظ والتعميم ويؤدي وظيفته ، وكما أن الكشف قد صار متوقفاً على الحفظ والتعميم فإن العلم - وإن بدأ قبل التسجيل والإشاعة - لم يرسخ مجده إلا بالتسجيل والإشاعة ، ولم يضرب أطنابه إلا بهما ، وسوف يظل مرتبطاً بهما . ومن هنا صار العلم بالقلم والقراءة لا فكاك له ، ومن هنا وجدت أن يكون عنوان هذا الكتاب ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) .