شعر فيرغوس بالإنزعاج عندما سمع صوت الجرس يقرع فى منزله فيما هو يتناول العشاء بمفرده إذ لم يكن فى مزاج يسمح له باستقبال أى كان
لم تكن نهاية الأسبوع سعيدة بالنسبة إليه .فبعد وداعه لـ كلويه مساء يوم الجمعه ,ذلك الوداع المؤلم الذى لم يشعره بالرضى , بدا أن كل يوم من الأسبوع يمر أسوأ من غيره
تأوه فيرغوس حين سمع رنين الجرس من جديد وأدرك أن الطارق واثق تماماً من وجوده فى المنزل إذ ترك سيارته أمام المدخل ولم يركنها فى المرأب .
لو أن الظروف مختلفة لشعر فيرغوس بالرعشة تسرى فى جسده لرؤية كلويه واقفة على الباب.لكنها آخر شخص توقع رؤيته الآن بعد المعلومات التى وصلته! لكن ذلك لا يعنى أن كلويه لا تبدو جميلة ,بل بدت كذلك فعلاً فى الفستان الأسود المصمم ببساطة الذى يبرز جمال جسمها وشعرها الأسود الطويل وبشرتها العاجية اللون .ابتسمت كلويه له وقالت بنبرة ملؤها الأمل :"ألا تزال غاضباً منى أم أنك ستدعونى للدخول"
فتح فيرغوس الباب على أتساعه ودعاها للدخول . حتى مساء يوم الجمعة لم يكن يشعر بالغضب منها مطلقاً لكن بعد المعلومات التى عرفها لم يعد واثقاً مما سيقوله لها.حين أصبحا فى غرفة الجلوس لاحظت كلويه أنه يرتدى هو أيضاً ثياباً سوداء فقالت :"يبدو ان كلينا فى حداد!"
سألها بهدوء :"بم أساعدك كلويه؟"
بللت شفتيها بطرف لسانها وبدا بوضوح أنها ليست هادئة الأعصاب كما أرادت أن تبدو .و اقترحت بمرح:"فنجان قهوة قد يكون جيداً.هل تمانع إذا جلست؟"
- تفضلى أجلسى
راقبها وهو مستغرق فى التفكير فيما جلست واضعة إحدى ساقيها فوق الأخرى.قال لها بجفاء :"فى الواقع لم أقصد بسؤالى ماذا تودين أن تشربى لكننى سأحضر لك فنجان قهوة بكل سرور"
قرر فيرغوس بصرامة قبل أن يدخل المطبخ لإعداد القهوة أن عليها أن تغادر المنزل بعد تناولها القهوة مباشرة,فلديها الكثير من الأمور التى عليها أن ينجزها وهو بالطبع لن يتمكن من القيام بأى منها خلال وجودها هنا!
اتجه إلى المطبخ وهو يتساءل عن سبب قدوم كلويه...
قالت كلويه من خلفه وكأنها تعتذر:"يبدو أننى قاطعتك عن تناول العشاء"
وحين رأته يجفل تابعت تقول:"لم أقصد إخافتك"
ثم أشارت إلى الطعام على الطاولة:"أرجوك لا تترك طعامك يبرد"
فقال وهو يحمل صينية القهوة:"على أى حال لم أكن مستمتعاً بتناول الطعام.هيا لنعد إلى غرفة الجلوس"
ما أن عادا إلى غرفة الجلوس حتى راحت كلويه تحدق إلى وجهه متفحصة فيما هو يسكب القهوة :"هل من خطب فيرغوس؟"
نعم,كل شئ ! كل شئ سئ . تباً لذلك....
جلس قابلتها على الكرسى ورد بغموض:"ليس تماماً"
إلا أنه كان صريحاً وواضحاً حين سألها :"لم أنت هنا كلويه؟"
- حسناً يمكننى أن أقول إننى مررت لرؤيتك فقط أو أننى كنت مارة من هنا صدفة,أو...
قاطعها قائلاً :"أظننى أخبرتك من قبل أننى أفضل دوماً الحقيقة على الأكاذيب الملفقة"
ردت كلويه ببساطة :"نعم أخبرتنى ذلك.ربما كان على أن أتصل بك قبل مجيئى "
وعضت شفتها بقلق فتمنى فيرغوس لو أنها لم تقم بتلك الحركة المثيرة التى أشعلت الرغبة فى كيانه لكنه رد قائلاً :"لا بأس ها أنت هنا الآن"
وأمل ألا تعكس تعابير وجهه تلك الرغبة التى تعتمل بداخله.
أخذت كلويه نفساً عميقاً :"أتصل بيتر أمبروس بوالدى...بطريقة غير رسمية"
ثم أضافت بسرعة :"بشأن الكتاب الذى تنوى تأليفه"
ومرة أخرى تمنى فيرغوس لو أنه لم يفكر بتأليف هذا الكتاب على الأطلاق لأنه مهما فعل الآن وعلى ضوء المعلومات الجديدة التى تلقاها فسوف تشعر كلويه بالاستياء ما يعنى أن كراهيتها له سوف تزداد أكثر فأكثر . وتعجب فيرغوس لأن بيتر أمبروس انتظر كل هذا الوقت ليتصل بوالدها بعد لقائهما الأسبوع الماضى.
وضعت كلويه فنجان القهوة على الطاولة بيد مرتجفة ثم نظرت إليه بتوسل :"لم يفت الأوان على إيقاف كل ذلك فيرغوس"
- بلى لقد فات الآوان! أصبح الوقت متأخراً جداً للتوقف . لأن الأمر غدا مثل كرة الثلج التى تتدحرج ن قمة الجبل بحيث تغدو أكبر فأكبر كلما تحركت.
تحرك فى كرسيه إلى الأمام باحثاً بيأس عن كلمات مناسبة . بدأ يقول بتردد:"كلويه...ألا يمكنك التحدث إلى والدك؟قد تتمكنين من إقناعه إن العودة إلى مجال السياسة ليس بالفكرة...الصائبة"
لا فى الوقت الحاضر ولا فيما بعد إذا ما كانت المعلومات التى حصل عليها فيرغوس صحيحة!
أتسعت عيناها وسألته غير مصدقة:"لأنك مصمم على تأليف هذا الكتاب؟"
- كلا...
قاطعته بلهجة اتهامية:"ألا ترى أنك شخص أنانى ؟أنت مؤلف ولا شك أنك تملك عشرات الأفكار التى تصلح كمواضيع روايات...."
قاطعها فيرغوس :"أقدر ثقتك بقدرتى على التخيل كلويه.لكننى أخشى..."
وقفت بغضب فيما هى تكمل جملته:"أنك تريد كتابة هذه الرواية بالذات"
وأمتلأت عيناها بالدموع:"أرجوك فيرغوس سأتوسل إليك إذا لزم الأمر...أرجوك,أرجوك توقف عما تقوم به"
تمنى فيرغوس لو أنه بإمكانه ذلك لكن الأمر لم يعد بيده فلقد تلقى زيارة من أحدهم بعد ظهر هذا اليوم ما جعل تراجعه الآن أمراً مستحيلاً...!
حاول إقناعها :"كلويه , لابد من أن والدك يدرك منذ قرر العودة إلى عالم السياسة أن ما حصل فى الماضى سوف يلاحقه,بغض النظر عن الرواية التى سأكتبها أنا"
أومأت كلويه :"نعم وهو مستعد لذلك . لأنه قادر دوماً على إثبات براءته لكن ألا يمكنك أن ترى أن كتابك سوف يثير الضجة حول الموضوع من جديد؟"
ثم تابعت بصوت متخنق:"أنا مستعدة للقيام بأى شئ...أى شئ مهما يكن...شرط أن تمتنع عن تأليف هذا الكتاب!"
شعر فيرغوس بالغثيان فهو يعلم أن كلويه سوف تكرهه وتود الانتقام منه بعد أربع وعشرين ساعة أو ثمان وأربعين ساعة على الأكثر.وسوف تكرهه أكثر عندما تتذكر ما تقوله له الآن .
رمقها بنظراته ببطء من قمة رأسها إلى أسفل قدميها .متأملاً جسمها النحيل بغطرسة متعمدة مما جعل وجه كلويه يحمر تألماً.من الأفضل لها ان تتألم الآن وليس لاحقاً"
وأخيراً تشدق قائلاً:"ألا ترين أنك شديدة الثقة بنفسك عزيزتى؟"
بدا واضحاً أن الألم و الغضب يتصارعان فى داخلها وأن كلويه تجاهد للسيطرة على نفسها...وإذ بها تفشل:"أنت...."
- لا مزيد من الأهانات كلويه.
قال فيرغوس ذلك بسخرية فيما هو يهب واقفاً وقد توصل إلى قرار, وهو ان على كلويه أن تغادر منزله على الفور.ثم تابع وهو يعقد حاجبيه :"ما من داع لمتابعة الحديث بيننا...ألا تظنين ذلك؟"
رفضه الواضح لها جعل اللون يختفى من خديها فأنفجرت قائلة وهى تلتقط مفاتيحها عن الطاولة :"لا أدرى لما ظننت أننى أستطيع الأعتماد على الجانب الطيب من شخصيتك...من الواضح أن هذا الجانب مفقود لديك"
ثم أنهت كلامها بقرف واضح :"لا أعلم كيف يمكنك أن تنام خلال الليل"
كان فيرغوس يعانى من الأرق فعلاً فى الفترة الأخيرة...لكن أرقه ذاك لا علاقة له بالشعور بالذنب كما لمحت كلويه فى كلامها بل إن التفكير فيها كان كافياً ليحرم عينيه الرقاد.
- تعلمين أن هذا الأمر بالتحديد ليس مشكلة بالنسبة لى
قال ذلك يذكرها بتلك الليلة التى أمضيتها فى غرفته وهو مستغرق فى النوم.
تلك الليلة التى لم يتمكن من نسيانها البتة!لقد نام يوما ملء جفونه غافلاً عن كلويه التى تشاركه غرفته . وهو يدرك الآن أن ذلك لن يحدث ثانية على الأطلاق!
ألقى نظرة خاطفة على ساعة يده.ما زال لديه متسع من الوقت كما يأمل:"الآن إذا كنت لا تمانعين لدى موعد هذا المساء"
بعد زيارة كلويه التى نعثت اليأس فى نفسه فكر فيرغوس فى أنه لن يتمكن من أن يعود فيجلس هنا الآن دون ان يحرك ساكناً.إن لم يتمكن من إيقاف كرة الثلج عليه على الأقل أن يجد شخصاً آخر يمكنه القيام بذلك.
التوى فم كلويه بمرارة وسارت إلى الباب وهى تقول من بين أسنانها :"آسفة لأننى أضعت وقتك سدى"
رد موبخاً بلهجة مهذبة:"أنت من أضاع وقته سدى"
استدارت فجأة لتحدق إليع بعينين تلمعان بلون أزرق داكن:"هذا واضح جداً"
حافظ فيرغوس على مظهر اللامبالاة إلى أن خرجت كلويه من المنزل غاضبة ووصلت إلى سيارتها لتقودها مبتعدة .عندئذ انخفضت كتفاه باستسلام كأنهما كرة تم إفراغها من الهواء . هز رأسه بحزم فاليأس لن يجديه نفعاً.ثمة أمور عليه أن يقوم بها وأماكن عليه أن يزورها وشخص عليه أن يراه.لكن عليه أولاً أن يجرى مكالمة هاتفية....
لَمِ يثير فيرغوس غضبها ما أن تراه إلى حد تنسى معه نواياها الطيبة كلها وأساليب الإقناع التى تملكها ؟ ففى كل مرة تلتقيه ينتهى بها الأمر إلى ذرف الدموع بعد افتراقهما.
قادت كلويه سيارتها ودموع الإحباط والخيبة تسيل محرقة خديها,دموع لم تتمكن من السيطرة عليها.لقد فشلت مرة أخرى فى إقناع فيرغوس بالعدول عن تأليف ذلك الكتاب الذى سيسبب الأذى لأسرتها.لم يقف الأمر عند فشلها فقط بل أنها عرضت نفسها للإهانة عندما رفضها فيرغوس بمنتهى القسوة.عليها أن تخبر دايفيد غداً صباحاً أنه لم يعد لديهم أى أمل الآن , يجب أن يعلم والدها بما جرى.لأن الأمر سيغدو أكثر سوءاً إذا علم بذلك من مصد آخر
إلا أن مجرد التفكير فى العودة إلى المنزل الآن والجلوس إلى مائدة العشاء مع والديها فيما هى تشعر بالغثيان فى داخلها ليس بالفكرة السارة كما أن حديثها الأخير مع فيرغوس أفقدها شهيتها...
بدت الأنوار مرحبة فى منزل بينى و دايفيد فيما كانت كلويه تركن سيارتاه أما المدخل الأمامى للمنزل . فى مثل هذا الوقت قد يكون جوش الأبن الأصغر لـ دايفيد وبينى فى فراشه أما ديانا التى تبلغ الثامنة من عمرها وبول الذى يبلغ العاشره من عمره فلا يزالان مستيقظين.وكلويه مولعة جداً بأولاد أختها وفى هذه اللحظات بالذات ما تحتاجه هو براءة الطفولة.
رحبت بها بينى بحرارة ما إن دخلت إلى المطبخ:"أهلاً بك عزيزتى.وصلت فى الوقت المناسب لكى تساعيدينى فى حمام جوش"
عبثت بشعر أبنها الصغير وأكملت:"لقد تأخرت عليه قليلاً وقد اضطر دايفيد إلى الخروج بصورة غير متوقعة"
لا يمكن لـ كلويه أن تدعى أنها تكترث لغياب دايفيد . فالمسألة التى تعرفها كلويه يبدو أن بينى لا تعرف عنها شيئاً.ستضعها فى موقف محرج لو أن دايفيد هنا.
فكرت كلويه وهى تراقب أختها بإعجاب فى أن بيتى أم رائعة.
ما تحتاجه كلويه بالفعل بعد حديثها الأخير مع فيرغوس هو جو عائلى دافئ مفعم بالسعادة . سألتها بينى وهى تساعد جوش على خلع ملابسه :"كيف حال الوسيم فيرغوس؟"
اجابت كلويه بلهجة قاطعة :لا أهتم لأمره"
ثم أضافت :"سواءاً أكان وسيماً أم لا"
ظهرت خيبة الأمل على وجه شقيقتها :"ظننت أنه يعجبك"
قالت كلويه من دون اهتمام :"إنه شخص متعجرف ومستبد وهذا لا يعجبنى"
فقالت بينى مبدية تعاطفها:"هذا أمر مؤسف"
سألها جوش وهو يلعب بالفقاعات التى ظهرت فى مياه المغطس:"من هو فيرغوس؟"
قالت لأبنها الصغير :أنه مجرد صديق لخالتك كلويه عزيزى"
كلمة صديق لا تنطبق على فيرغوس مطلقاً...ولم يكن كذلك فى أى وقت من أوقات تعارفهما!
بعد أن أنتهى حمام جوش وعاد الجميع إلى المطبخ أعلن الصغير لأخيه وأختهاللذين يكبرانه سناً:"خالتى كلويه لديها صديق وأسمه فيرغوس"
سألتها ديانا بحماس:"هل ستتزوجين خالتى كلويه؟"
تتزوج فيرغوس؟ سيكون ذلك بمثابة الدخول إلى قفص ملئ بالأسود بل لعل الأسود أرحم إذ أن ضربتها قاضية وسريعة.
أجابت مخيبة آمال الصغيرة :أخشى أن ذلك لن يصل حبيبتى"
بعد مضى ساعة على ذلك الحديث جلست المرأتان فى غرفة الجلوس الأنيقة لتتناولان الشاى فسألت بينى بالحاح :"هل ذلك صحيح كلويه؟"
لم تفهم كلويه ما تقصده أختها بسؤالها هذا فراحت بينى تضحك مذكرة إياها :"أن ذلك لن يحصل؟"
أكدت كلويه :"هذا ما أخشاه . أظن أن من الأفضل أن أهتم بمهنتى...لأن الناس غير جديرين بالثقة ولا يمكن الأعتماد عليهم "
ظهر الإنزعاج على وجه بينى ثم قالت وهى تتمطى شاعرة بالتعب :"الحمد لله أننى لم أعد عزباء تنتظر فارس الأحلام"
اقترحت كلويه بعد أن لاحظت الإرهاق الذى يبدو على شقيقتها :"لِمَ لا تستغلين فرصة غياب دايفيد ونوم الأولاد لتأخذى حماماً ساخناً ؟ أما أنا فعلى أن أغادر"
لكنها شعرت بثقل فى صدرها لمجرد التفكير فى العودة إلى المنزل .
ابتسمت بينى وقالت:"أظن أننى سأعمل بنصيحتك.بلغى حبى لماما وبابا"
قادت كلويه سيارتاه بهدوء فى طريق العودة إلى المنزل . فهى لم تكن على عجلة من أمرها للوصول. لكن وصولها متأخرة إلى المنزل يعنى أن العشاء قد فاتها.وهذا أمر جيد إذ أنها لن تضطر إلى تناول الطعام مراعأة لمشاعر والديها .
وعلى الرغم من ذلك عاد إليها توترها بقوة أكبر وشحب وجهها واشتدت قبضتاها على المقود ما أن وصلت إلى المنزل إذ رأت سيارة رياضية مألوفة رمادية اللون مركونة إلى جانب سيارة صهرها دايفيد.
ما الذى يفعله فيرغوس هنا, بحق السماء؟
ولكن...هل من حاجة لأن تسأل ؟ لقد أتضح لها الآن سبب خروج دايفيد من منزله بشكل غير متوقع وهذا ما جعلها تشعر بالقلق.أوقفت سيارتها بسرعة إلى جانب سيارة فيرغوس وأسرعت نحو المنزل.لقد تركت فيرغوس فة منزله منذ حوالى ساعة ونصف الساعة ولعل الأوان فات الآن على منعه من التصرف بشكل يسئ إلى أسرتها .
رحبت بها والدتها ما إن دخلت مسرعة إلى غرفة الجلوس ثم راحت تشرح لها الموقف بشكل تلقائى:"كنت أتساءل أين أنت.لقد تأخر موعد العشاء لهذه الليلة فوالدك لديه أجتماع عملى"
لكن كلويه تعلم تماماً من هو الشخص الذى يجتمع بوالدها الآن,لم يكن فى الغرفة سوى والدتها مما يعنى أن فيرغوس فى المكتب مع والدها ودايفيد. ما الذى يناقشونه؟هل علم والدها بكل شئ الآن؟وإذا علم بالأمر,فما الذى سيفعله؟
عليك اللعنة فيرغوس!
قاومت رغبتها بالأندفاع إلى مكتب والدها لتسأل فيرغوس ما الذى يفعله بالتحديد.وبدلاً من ذلك قالت لأمها:"هل مضى وقت طويل على وجود فيرغوس هنا؟"
تنبهت والدتها قائلة:"لابد أنك رأيت سيارته أمام المنزل...لقد أتى منذ ساعة تقريباً.ظننت فى بادئ الأمر أنه أتى لرؤيتك ولكنه طلب مقابلة والدك"
ثم تابعت تقول بمزاح لاذع:"هل تعتقدين أنه سيطلب يدك رسمياً من والدك؟"
إلا أن كلويه واثقة أن الزواج منها أو من سواها هو آخر ما يفكر فيه فيرغوس.فأجابت بسخرية :"أشك فى ذلك.أرى أن دايفيد هنا أيضاً"
أجابت والدتها:"وصل بعد دقائق من وصول فيرغوس.يبدو الامر غريباً جداً"
لكنه لم يبدُ كذلك بالنسبة إى كلويه.ألا أنها لا تستطيع البوح بشئ لوالدتها إذ يكفى ما عانت منه منذ ثمانى سنوات ولا تزال تعانيه إلى الآن.
جلست المرأتان فى غرفة الجلوس تتبادلان أطراف الحديث . شعرت كلويه أن الثوانى تمر ببطء شديد بانتظار خروج الرجال الثلاثة من غرفة المكتب . بعد مرور نصف ساعة تقريباً سمعت كلويه أصوات الرجال فى القاعة الرئيسية فوقفت وأسرعت إلى الغرفة
"التجهم" لم يكن صفة كافية لوصف تعابير وجوههم وقد تقدمهم دايفيد ثم سار خلفه فيرغوس وتبعهما والدها.بدا وجه دايفيد شاحباً متوتراً أما تعابير وجه فيرغوس فقد تحولت إلى غطرسة حين رآها.لكن أكثر من يهمها هو والدها الذى بدا فجأة وكأنه أكبر بعشر سنوات فقد بدا الذبول على وجهه وأختفت منه ملامح السعادة كما أنخفضت كتفاه بإباط وهو يسير فاقد الحيوية على غير عادته.
وجهت نظرة أتهامية غاضبة إلى فيرغوس فأدرك أن هذه هى المرةالثانية خلال الأيام قليلة التى تود فيها ضربه.حذرها وهو يمسك بذراعها بقوة : "لا تتفوهى بكلمة . رافقينى إلى السيارة"
لم يكن ذلك طلباً بل أمراً . ولم يعجب كلويه أبداً أن تتلقى الأوامر بهذا الشكل من هذا الرجل بالذات,لكن محاولاتها لتحرير يدها من قبضته لم تنجح.وأضاف فيرغوس وهو يصر على أسنانه:"الآن"
رمقته كلويه بنظرات شرسة ملؤها الغضب قبل أن تستدير لتسير معه إلى المدخل فيما هو لا يزال ممسكاً بيدها.حين أصبحا خارج الباب المغلق حدقت إلى وجهه ثم قالت بسخط:"حسناً,آمل أنك تشعر بالرضى"
هز رأسه وقد ظهر فى عينيه البنيتين فتور غريب وبدا التجهم على فمه:"ليس كثيراً"
- إذن لِمَ فعلت ذلك؟
ثم تهدج صوتها بسبب مشاعرها المضطربة:"لا عليك.كلانا يعلم لماذا...ما الذى سيفعله والدى الآن؟"
هز فيرغوس كتفيه قليلاً :"أظن أن من الأفضل أن تسأليه هو,أليس كذلك؟"
قالت كلويه وهى لا تزال تشعر بالصدمة وتحاول مغالبة دموعها :"لن أسامحك أبداً فيرغوس...أبداً"
رد ببرودة:"لم أتوقع ان تفعلى"
فأضافت بنزق طفولى:"أتمنى لكتابك الفشل الذريع"
لكنها علمت فى قرارة نفسها أن ذلك لن يحصل فمجرد وجود أسم فيرغوس ماكلاود عليه سيساعده على الإنتشار والنجاح لكنها أكملت:"على الأقل هذا ما تستحقه"
ظهر الحزن على فيرغوس :"هل حصل أحد منا على ما يستحقه فعلاً؟"
قالت كلويه بكراهية :"لكنك تستحق ذلك.لا أريد أن أراك مجدداً أبداً"
كرر فيرغوس ما قاله من قبل:"لم أتوقع أن تفعلى.لكن ربما فى أحد الأيام..."
أكدت بعنف:"أبداًً!"
فتح باب السيارة وهويقول :"إذن لم يعد هناك ما يقال,أليس كذلك؟ أقترح عليك حين يخف غضبك منى وتتمكنى من السيطرة على أعصابك فى ما يتعلق بقضية والدك أن تتحدثى إليه . لست واثقاً مما إذا كان سيخبرك بكل شئ لكن تحدثى إليه على أى حال"
بالطبع سوف تتحدث إلى والدها
تمهل فيرغوس وهو يصعد إلى السيارة وقال بصوت أجش :"وداعاً كلويه"
ردت بحزم ومن دون تردد :"وداعاً فيرغوس"
باتت تشعر بالكراهية تجاهه بسبب أنانيته وأصراره على أذية والدها كما كرهته لأنه عاملها بقسوة هذا المساء .فقد أدركت بعد زيارته امفاجئة لوالدها الليلة أن جميع حججها ودفاعاتها لم تعن له شيئاً
لكن حين صعد إلى السيارة وأتجه بها نحو المدخل أدركت كلويه أنها تحمل له أحاسيس من نوع آخر . فبالرغم من كل ما حصل علمت أن حبها له لم يتغير.
شعرت كلويه بقلبها يتفتت من الألم!نهاية الفصل الحادي عشر
* * *
أنت تقرأ
روايات احلام/عبير :ليل الغرباء
Romanceالروايه الثانيه من سلسلة كارول مورتيمر ( لا تبتسمي ... ليل الغرباء... لماذا تهربين؟) الملخص هل يصبح الخيال حقيقة؟ تناهى إلى مسمعى فيرغوس صوت أنثوى عذب من مكان ما قرب باب غرفة نومه . ـ لقد جلبت لك فنجان قهوة عبس وأبقى عينيه مطبقتين . فلا يمكن أن يكو...