12 ـ
لــن أعــود- أتعلم أيها الفتى؟أرى أن ثمة حلين لمشكلتك
نظر فيرغوس إلى جده بغضب وكان الرجلان يشربان العصير فى منزل فيرغوس . لقد وصل جده بالأمس إلى لندن كعادته كل شهر . وكان يستمتع بشرابه أما هو فلم يعد يستمتع بشئ منذ أسبوع وحتى الآن
عبس فيرغوس قائلاً: "مشكلتى؟"
مازال جده رجلاً وسيماً رغم أنه فى الثمانين من عمره فوجهه خال من التجاعيد وجسمه نحيف . أما الدليل الوحيد على تقدمه فى السن فهو الشيب الذى غزا شعره فضلاً عن الحكمة التى تبدو فى نظراته.
أومأ الجد قائلاً:"نعم يمكنك أن تتزوج الفتاة أو تنسى أمرها .واسمح لى أن أقول إنك لا تبدو قادراً على نسيانها"
عبس فيرغوس مجدداً فى وجه الرجل العجوز ليقول أخيراً:"أى فتاة؟"
تنهد جده :"تناولت العشاء ليلة أمس مع برايس"
فتكهن فيرغوس :"وأبن خالتى العزيز أخبرك عن كلويه؟"
سبق له أن قرر ألا يدع برايس يعرف شيئاً عن علاقاته الغراميه . لكن برايس التقى الفتاة بنفسه هذه المرة!على أى حال لقاءه السريع بكلويه لا يمكن وصفه بالعلاقة الغرامية
قال جده باهتمام :"كلويه ؟ هل هذا أسمها ؟ أنه جميل!"
ثم رفع حاجبيه متعجباً :"يبدو أسمها جميل بقدر جمالها نفسه بحسب ما وصفها برايس"
كلمة جميلة ليس كافية لوصف كلويه
قال فيرغوس بغباء:"بل هى فاتنة"
حثه جده قائلاً:"وماذا أيضاً؟"
هب فيرغوس وقال بوجه متجهم:"لا شئ .إنها فاتنة و...تملك روحاً مرحة..."
- متزوجة؟
أجاب فيرغوس بحدة وهو يحملق بسخط فى وجه جده :"بالطبع لا"
لكنها ببساطة...صعبة المنال . بالنسبة إليه على الأقل !
قال جده بنبرة لطيفة :"لكن برايس يعتقد أنها أمضت ليلة على الأقل فى منزلك!"
أخذ نفساً غاضباً ثم قال بسخرية:"لسان برايس طويل"
قال جده موبخاً بلطف:"فى الواقع إنه قلق عليك مثلى تماماً"
قد لا تكون العلاقة بين أفراد عائلة فيرغوس حميمة ودافئة كما بين أفراد عائلة كلويه لكن أبناء الخالات الثلاثة وجدهم مقربون من بعضهم البعض ويهتم كل منهم لشؤون الآخرين . وأدرك فيرغوس أنه يستحق التوبيخ مع أن جده حاول أن يبدو لطيفاً
لكنه أكد للرجل العجوز :"لا داعى لأن تشعر بالقلق"
كانت الأيام العشرة الأخيرة من أطول الأيام التى مرت على فيرغوس وذلك منذ لقائه الأخير من كلويه . فهو لم يستطيع النوم أو تناول الطعام ولم يتمكن كذلك من العمل . كل ما كان يفعله هو التساؤل عما تقوم به كلويه فى هذه الأثناء وهل تحدث والدها إليها وأخبرها سره؟وإذا ما فعل فإلى أى حد زاد كرهها له الآن؟
قال جده بحزم:"أظن أن عليك أن تدعنى أحكم بنفسى فيرغوس"
ثم اضاف بلهجة مهذبة:"أخبرنى عنها"
لوى فيرغوس فمه بسخرية:"ظننت أننى أخبرتك للتو"
هز الجد رأسه بنفاد صبر:" من تكون كلويه ؟ ماذا تفعل؟ولِمَ هى صعبة المنال؟"
عرف فيرغوس أن السؤال الأخير هو أكثر ما يثير اهتمام جده لذا أختار أن يجيب على السؤالين الأولين.فقال باختصار :"أسمها كلويه فوكس هاملتون وهى مصممة أزياء"
ردد جده:" فوكس هاملتون..." ضاقت عيناه وهو يمعن التفكير:
"هل تربطها قرابة ما برجل السياسة؟"
صحح له فيرغوس بسرعة:"رجل السياسة السابق"
ثم أضاف موضحاً وهو يدرك أن جده على علم بتلك الفضيحة التى طالت والدها منذ ثمانى سنوات :"إنها ابنته"
تمتم جده:"لم يتمكن من الاستمرار"
ما أكد لـ فيرغوس أنه يتذكر الحادثة ثم تابع بمرح واهتمام :"إذن إنها حفيدة ويللى فوكس هاملتون؟"
نظر فيرغوس إليه وقد فوجئ بكلامه :"أنت تعرف جد كلويه؟
أكد جده قائلاً :"وأعرف والدها أيضاً . لكننى لم أره فى السنوات الأخيرة"
ثم أبتسم عندما رأى تعابير الدهشة على وجه فيرغوس:"أعرفه منذ كان صبياً صغيراً.كان بول يرافق والده فى رحلات الصيد"
وراح يتذكر والعبوس باد على وجهه:"قبل أن تولد أنت على الأرجح, أتذكر أن بول تخلى عن أسمه الأوسط حين دخل مضمار السياسة"
التمعت عيناه الزرقاوان ببريق الاهتمام ثم ردد مجدداً:"نعم حفيدة ويللى فوكس هاملتون.إذا كانت الفتاة كجدها فلا يفاجئنى أن تواجه مشاكل معها"
لم يكن فيرغوس يواجه مشاكل معها لكنه جرحها بعمق حتى أنها لم تعد ترغب فى رؤيته مجدداً
- أنـا....
توقف فيرغوس عما أراد قوله للدفاع عن كلويه حين دخلت مود الغرفة والتفت إليها بتساؤل . فقالت مدبرة المنزل بتهذيب :"الآنسة فوكس هاملتون هنا , وهى تود رؤيتك سيد فيرغوس"
منذ بداية الأسبوع أعطى فيرغوس تعليماته إلى مدبرة المنزل بأن تبلغه على الفور إذا ما اتصلت كلويه أو أتت لرؤيته.مع أنه لم يكن يتوقع أن تفعل...
علق جده بجفاء وهو ينظر إليه متعجباً:"صعبة المنال أيها الصبى!!"
شعر فيرغوس بالحرارة تغزو وجنتيه:"أنا...."
ومع أن مود اعلمته بوصول كلويه إلا أنه لم يدعها بعد للدخول . لكن يبدو أنها لم تتنظر دعوته فقاطعته:"ارجوك,لا تتعب نفسك بإدعاء أنك لست موجوداً!"
إلا أن عينيها أتسعتا عندما أدركت أن فيرغوس لم يكن وحده :"آمل ألا أكون قد قاطعتكما"
رد جد فيرغوس على الفور:"على الأطلاق أيتها الشابة"
جاء رده مناسباً لأن فيرغوس لم يتمكن من التفوه بكلمة بسبب الصدمة التى سببتها له زيارتها المفاجئة.كان فيرغوس يأخذ رشفة من كوب العصير حين دخلت كلويه وما أن رآها حتى ضاقت عيناه وتوترت شفتاه فقد لاحظ أن الأيام العشرة الأخيرة لم تكن سهلة عليها أيضاً . لطالما بدت كلويه نحيفة القوام لكنها تبدو أكثر نحولاً.
أما وجهها وبالرغم من أنه مازال جميلاً إلا أن الكأبة بدت واضحة عليه,فوجنتاها باهتتان وقد ظهرت تحت عينيها الزرقاون الداكنتين ظلال سوداء داكنة اللون.
علا الشحوب وجه فيرغوس حين أدرك أنه ساهم بما أصابها.
حاول جده كسر الصمت الذى ساد مجدداً :"بما أن حفيدى نسى أصول اللياقة...."
وقطع كلامه ليمد يده لـ كلويه مصافحاً ثم عرفها بنفسه:"هيوغ ماكدونالد"
صافحته كلويه وهى تردد بعده من دون ارتياح:"حفيدك؟"
ثم كشرت قليلاً وهى تلتفت إلى فيرغوس وقالت بنبرة ملؤها الكراهية :"ربما على العودة فى وقت آخر"
أخيراً تمكن فيرغوس من استعادة صوته وقد شعر بالذعر لفكرة أن ترحل من جديد من دون أن يعلم على الأقل سبب زيارتها فقال:"لا ! آه....لا"
تابع :"أنا واثق من أن جدى لن يمانع إذا أجلنا غداءنا قليلاً كى نتمكن أنا وأنت من الذهاب إلى مكتبى والتحدث على انفراد"
قال الرجل العجوز بخفة وهو يبتسم لـ كلويه:"لا أمانع على الإطلاق إلا إذا كانت الآنسة فوكس هاملتون تود الأنضمام إلينا على الغداء"
رفضت كلويه دعوته تلك وقالت وقد تغير لون وجنتيها :"آه لا شكراً أردت فقط التحدث قليلاً إلى فيرغوس وأنا...على أن اذهب حقاً"
بدا كلامها نذير سوء لـ فيرغوس وحين التفت جده إليه ورأى فيرغوس تعابير البراءة المتكلفة على وجهه أدرك أن جده يقدر تماماً جدية الموقف
قال الجد بنبرة دافئة :"أنا سعيد بلقائك كلويه"
ردت وهى تعبس فى وجه فيرغوس :"وأنا سعيدة بلقائك أيضاً سيد ماكدونالد"
قال العجوز ساخراً من تهذيبها المبالغ فيه :"لا أدرى لِمَا أشك فى ذلك"
ثم تابع قائلاً:"أبلغى سلامى لوالدك"
أغمض فيرغوس عينيه للحظة حين رأى النظرات الأتهامية فى عينى كلويه,هل كان من الضرورى أن يقول جده ذلك؟بدا واضحاً من الغضب الذى أشتعل فى وجنتى كلويه إنها شعرت بنوع من التهكم المخفى فى كلمات جده.مد فيرغوس يده إليها ليهدئ من غضبها:"كلويه....!"
رفعت رأسها بفخر وهى توجه كلامها بقسوة إليه:"يبدو أن المعلومات أصبحت فى متناول الجميع.حسناً ! بما أنك أخبرت الجميع عما تنوى فعله بعائلتى بسبب نشر كتابك اللعين فلم يعد هناك داعِ لكى نتحدث فى مكتبك على انفراد"
أخذت نفساً عميقاً فيما ازداد تجهم وجهها :"عرفت الكثير من صفاتك السيئة فيرغوس لكننى لم أكن أعتقد أن الحقد أحدها"
ضاق فمه بسبب إهانتها له:"أنا لم..."
قاطعته بقسوة :"لست حقوداً؟ لقد قرر والدى أن يعتزل الحياة السياسية نهائياً وينتقل مع والدتى إلى مايوركا.وما أن يباع المنزل حتى لا يبقى لى مكان أقيم فيه فى لندن لذا قررت الأنتقال إلى باريس"
بالرغم من غضبها الشديد بدا وجهها غاية فى الجمال!
ردد فيرغوس بذهول:"إلى باريس؟متى؟"
- كلما أسرعت كلما كان أفضل ! فكرت فقط فى أنك قد تود أن تعلم ذلك
تابعت بإزدراء فيما ظل فيرغوس ينظر إليها بذهول:"لا أقصد بشأنى أنا بل بشأن عائلتى وبالتحديد والدى"
ثم أضافت بلهجة ملؤها الكراهية :"لقد أنتصرت فيرغوس"
كلويه ستغادر لندن وتذهب للعيش فى باريس ! هز فيرغوس رأسه وقال بإرهاق :"لم تكن تلك معركة كلويه"
أجابت بسخرية:"بالطبع كانت كذلك, فيرغوس ماكلاود الشهير ينتصر على بول هاملتون المسكين"
- هل تحدثت إلى والدك كما طلبت منك؟
هزت كلويه رأسها نفياً:"رفض التكلم فى هذا الموضوع معى...وحتى مع أمى"
ظهر عليها التأثر لكنها حاولت استعادة ملامح القسوة فور إدراكها لتغير مشاعرها فأضافت :"لقد أتخذ قراره وهكذا تسير الأمور"
فكر فيرغوس بذهول فى أن الأمور يجب ألا تسير على هذا النحو . لكن ما الذى يمكنه فعله؟ماذا أستطاع أن يفعل منذ عشر أيام حين عرف الحقيقة التى يمكنها أن تعيد الأمور إلى نصابها؟حتى لو أخبر كلويه بالحقيقة فإن بول لن يتراجع عن عناده.أما عائلة كلويه فيكيفها ما عانته فى الماضى ولا جدوى من جعلها تعانى من جديد .
نظرت إليه كلويه بابتسامة متكلفة :"لذا فيرغوس لقد أخبرتك بما كنت متشوقاً لمعرفته.لذا يمكننى الأنصراف الآن"
استدارت بسرعة وغادرت كما قالت تماماً. قال له جده :"لا تقف هكذا كالمغفل .هيا أتبعها"
لِمَ يفعل ذلك؟وماذا سيقول لها ؟لقد أتفق منذ عشرة أيام مع بول هاملتون على ألا يبوح لـ كلويه بأى شئ من دون إذن والدها وذلك الرجل يرفض بشدة إعطاءه الأذن بذلك
عبر هيوغ عن تقديره لـ كلويه قائلاً:"إنها حقاً حفيدة ويللى فوكس هاملتون! وبرايس محق تماماً بقوله إنها جميلة . لو كنت أصغر بأربعين عاماً لهرعت خلفها بنفسى"
بدا أن فيرغوس يعيش صراعاً داخلياً مع نفسه فأجابه بسخط:"حسناً أنت ليس كذلك"
لقد اراد بالطبع أن يتبع كلويه لكنه يعلم أنه لن يتمكن من تغير أى شئ فمن الواضح أن بول هاملتون قد أتخذ قراره حين أختار الأنتقال إلى مايوركا.
نظر هيوغ إلى فيرغوس بخيبة أمل وغدت لهجته الاسكتلندية أكثر وضوحاً حين لاحظ تردده :"هل أنت رجل أم فأر صغير؟أو أنك ما وصفتك به الفتاة للتو؟"
التمعت عينا فيرغوس وهو ينظر إلى جده وقال ببرودة :"جدى لا تتدخل فى مسألة لا تعرف عنها شئ مطلقاً"
برقت عينا جده عاكسة مشاعر الغضب نفسها وقال متحدياً :"أقر بأننى لا أملك أدنى فكرة عما حصل لكن ما أعرفه هو أننى لا أسمح لفتاة مثل كلويه بالخروج من منزلى ومن حياتى كما فعلت لتو"
لم تخرج كلويه من منزله وحياته فقط بل ستغادر إنجلترا كلها.ستذهب للعيش فى باريس عاصمة الموضة وسوف تستقر هناك
كانت كلويه ترتجف بقوة حين خرجت من المنزل . حتى أنها لم تملك القوة الكافية لتقطع المسافة القصيرة لتصل إلى السيارة .استندت إلى حائط المنزل آمله أن تكف الأرض عن الدوران حولها بهذه السرعة .
شعرت أنها بحاجة لأن ترى فيرغوس للمرة الأخيرة.حاجة...من يبالى لما كانت بحاجة إلى رؤيته ! ربما كان مجيئها إلى هنا غلطة كبرى بل أحد تلك الأخطاء التى ارتكبتها منذ تعرفت إلى فيرغوس.وفجأة سمعت صوته وهو يقف إلى جانبها يمسك بذراعها بقوة يتوسل إليها بإلحاح :"كلويه...! أرجوك لا تبكى كلويه!"
مسحت دموعها على الفور ولم تكن قد أدركت من قبل أنها تبكى .ثم تحججت بضعف:"أنا لا أبكى . عيناى تدمعان بسبب الغبار"
لم تفعل شيئاً فى الأيام العشرة الماضية سوى البكاء فمشاعرها تجأه فيرغوس كانت تتارجح بين الغضب واليأس فمن جهه غضبت منه وأرادت أن تكرهه.ومن جهه أخرى أغرمت به إلى درجة جعلتها ترغب فى أن ترمى بنفسها بين ذراعيه وتتوسل إليه أن يعيد كل شئ كما كان من قبل أن تعرف بموضوع الكتاب . فما يهمها هو ان تحتفظ بـ فيرغوس فى حياتها
تمتم بتجهم:"تعالى لنتمشى قليلاً"
أدارها نحو بوابة الحديقة وأدركت كلويه أنهما لم يتمكنا من العودة إلى المنزل فجده لا يزال هناك . ما الذى سيظنه هيوغ ماكدونالد إذا ما رأى أنفعالها العاطفى.
حين وصلا إلى مقعد مواجه للبركة فى الحديقة اقترح فيرغوس :"دعينا نجلس هنا"
جلست كلويه وقد شعرت بالارتياح لإحساسها بصلابة المقعد الذى أسند جسمها الضعيف قليلاً كما شعرت بأن ارتجاف ساقيها قد خف تقريباً . لا تذكر متى تناولت الطعام آخر مرة أو متى ذاقت طعم النوم آخر مرة .لذا من الطبيعى أن تشعر بالضعف .شعرت كلويه بالسلام لجلوسها هناك وقد خففت الأشجار والنباتات المحيطة بالحديقة من ضجة الشارع المزعجة.
أمر لايصدق ! لن تكون محاطة بهذا الجو الطبيعى الرائع فيما عالمها الخاص ينهار أمام عينيها.
جلس فيرغوس إلى جانبها بوجه متجهم وقد أنحنى قليلاً إلى الأمام على المقعد..راقبته كلويه خفية من تحت رموشها المنخفضة .بدا لها فى غاية الوسامة طويل القامة قوى الجسم واثقاً من نفسه إنه...فيرغوس المميز.
هز فيرغوس رأسه قائلاً:"لا أعلم ماذا أقول لك كلويه"
لوت فمها وردت ببلاهة :"لا أرى أن ثمة الكثير ليقال بيننا"
استدار فيرغوس ونظر إليها موضحاً بغضب :"لا .أقصد أننى لا أعرف ما يمكننى أن أقوله.ثمة الكثير من الأمور التى أود أخبرك عنها . لكن...لا يمكنى ذلك"
تنهدت كلويه بقوة :"لا تقلق بهذا الشأن فيرغوس"
شبك فيرغوس أصابع يديه ببعضها وشد قبضتيه معاً ثم رد بصوت متقطع:"بالطبع على أن أقلق بهذا الشأن"
ثم تابع يقول بإحباط:"تبدين بحالة سيئة جداً"
- شكراً لك،
أكمل قائلاً :"أنا أقول ما أراه كلويه.ألم يلاحظ والداك تأثير هذا الوضع عليك؟"
- أظن أن أموراً كثيرة أخرى تشغل بالهما
فوالدها يُحضر لتسليم أعماله لـ دايفيد كما عرض المنزل للبيع استعداداً للإنتقال إلى مايوركا.أما والدتها فتحاول الأحتفاظ بروحها المرحة لتتمكن من توفير الدعم له بهدوئها.بدا كل ذلك الكابوس بالنسبة إلى كلويه!
هز فيرغوس رأسه:"لم أقصد أن أوذى أحداً وأنت تعلمين ذلك"
ثم تابع موضحاً:"كنت أقصد عائلتك. لم أقصد أذيتها أبداً"
تنهدت كلويه :"لطالما كان هذا الموضوع قنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى لحظة"
لقد تقبلت كلويه هذا الموضوع أيضاً فقضية سوزان ظلت معلقة ما يعنى أن أى تحرك لوالدها فى المجال السياسى سيفسح المجال للجدال . أما انتقال والديها إلى مايوركا وتشتت أفراد الأسرة فقد يكون أمراً محتوماً لكن تم تأجيله . هذا هو الأستنتاج الذى توصلت إليه كلويه فى الأيام العشرة الأخيرة . استدار فيرغوس إليها موجهاً إليها نظرات حادة:"حين وصفتنى بالحقود حاولت أن أخبرك أننى قررت عدم نشر الرواية"
أتسعت عينا كلويه:"ولَمِ لا؟"
أبعد فيرغوس نظراته عن نظرات كلويه ولوى فمه بسخرية :"أنا...لم أعد متحمساً للأمر.كما أننى كاتب ولدى الكثير من الأفكار الأخرى التى يمكننى استخدامها لكتابة الروايات من دون التسبب بالأذى لأحد"
الآن قرر عدم كتابة الرواية؟الآن!بعد أن أصبح الأمر سيان .لقد وقع المحظور ولن تعود الأمور كما كانت بالنسبة لـ كلويه وأسرتها.
- أنا سعيدة فيرغوس
شدت ذراعه وكأنها تشكره على قراره لكنها سرعان ما أبعدت يدها حين شعرت بقوة عضلاته تحت أصابعها وتلك الحاجة المؤلمة...لا ! لقد أنتهى كل شئ الآن
- هل يمكنك أبلاغ جدك اعتذارى لتصرفى السئ منذ قليل؟لا شك أنه يعتقد أننى قاسية القلب
منحها فيرغوس ابتسامة صغيرة:"فى الواقع آخر تعليق سمعته منه هو أنه لو كان أصغر بأربعين سنة للحق بك بنفسه"
ابتسمت كلويه مع أن ابتسامتها كان يشوبها الحزن فهى تعلم أن فيرغوس لن يلاحقها بعد ذلك:"أحقاً قال ذلك؟"
أجابها فيرغوس:"نعم لقد فعل .هل ستنتقلين حقاً للعيش فى باريس؟"
أكدت له بإستخفاف :"نعم.حين أقمت هناك أصبح لدى الكثير من المعارف كما أصبح لدى الآن ماركة ثياب خاصة بى وقد عُرض على أن أقدم مجموعة تصاميم للربيع المقبل"
ثم أضافت بيأس :"يبدو لى أن الوقت مناسب لقبول هذا العرض"
لم يكن هذا قراراً سهلاً . لكن كلويه قررت أن الوقت أصبح ملائماً لتبدأ حياتها باستقلالية.كما أن رحيلها إلى باريس واهتمامها سيساعدانها على انتزاع فيرغوس من تفكيرها!
سألها فيرغوس بصوت أجش:"كم من الوقت ستبقين هناك؟"
لا تملك كلويه أدنى فكرة عن ذلك فكل ما يهمها الآن هو الأبتعاد عن إنجلترا...أو بالأحرى عن فيرغوس . فأجابت:"قد أستقر هناك"
ردد بعدها بشك:"تستقرين هناك؟"
- أخبرتك أنه لن يبقى لى منزل هنا لأعود إليه.لكننى لا شك سأتى من وقت لآخر لرؤية بينى ودايفيد والأولاد . ما من سبب آخر يجعلنى أعود إلى هنا
لا سبب آخر على الإطلاق ! إلا أن الرجل الذى تحبه سيبقى فى لندن...
لم تستطيع كلويه أن تتخيل أنها لن ترى فيرغوس مجدداً , فتابعت الكلام:"لِمَ لا تزورنى إذا ذهبت إلى باريس يوماً ما؟ستجد رقم هاتفى فى دليل التليفون"
سألها بصوت أجش:"تحت أسم فوكس أم هاملتون؟"
ابتسمت بخجل بسبب تلميحه إلى حيلتها الأولى حين عرفت عن نفسها بأسم كلويه فوكس.منذ متى حصل ذلك؟ ثلاثة أسابيع...أم أربعة؟بدا لها منذ زمن بعيد
أجابت بحزم :"كلاهما . ولا تنسى الثياب التى تحمل ماركة فوكس أيضاً فأنا أنوى أن أجعلها إحدى الماركات المعروفة جداً فى عالم أزياء المرأة"
نظر إليها نظرة ذات معنى :"أنا واثق من أنك ستتمكنين من ذلك"
وقفت بسرعة وقالت بلهجة حاسمة:"أتمنى ذلك.والآن أعتقد أننى أبعدتك عن جدك بما فيه الكفاية كما أخرتكما عن غدائكما"
وقف فيرغوس ببطء:"لا أصدق أن والدك سيستسلم هكذا بسهولة"
أنقلب هدوء كلويه فجأة إلى غضب وقالت مدافعة عن والدها :"لم يستسلم لكن أحدهما وجه مسدساً إلى رأسه وهو يحاول الابتعاد قبل أن يضغط على الزناد"
قال فيرغوس متسائلاً:"تقصدين أنا؟"
أجابت بنفاد صبر:"بالطبع ومن غيرك إذن؟"
أعلن لها بوضوح مشدداً على كل كلمة يقولها:"ولكننى لن أكتب هذه الرواية"
التقت عيناها بعينيه بنظرات ثابتة :"ليس الآن!"
تجهمت قسماته:"ولا فى أى وقت آخر"
هزت كلويه كتفيها بلا مبالاة :"عليك أن تخبر والدى بذلك مع أننى أشك فى أن يكون لذلك أى تأثير لأنه أتخذ قراراً حاسماً"
قال فيرغوس من بين أسنانه :"إذن يجب ألا ينفذ قراره"
قالت كلويه بصوت أجش :"لقد فات الأوان فيرغوس"
أرادت أن ترى فيرغوس للمرة الأخيرة ليس لأنها تأمل فى تصحيح الأمور بل لأنها شعرت بالحاجة إلى رؤيته.أرادت أن تشبع من رؤية وجهه وسماع كلامه ومن طريقة مشيه ولو من أجل الذكرى فقط
قال فيرغوس بتجهم : "سنرى"
أمسكت كلويه بذراعه بتوسل :"دع الأمور على حالها فيرغوس قبل أن يتأذى أشخاص آخرون"
رمقها بنظرة متفحصة حادة قبل أن يبعد نظره بسرعة من جديد:"سأتصل بك عندما تذهبين إلى باريس"
نظرت إليه لدقائق وهى تدرك أن هذا هو الوداع الأخير.لطالما قالت إنها لا تود أن تراه أما الآن فهو الذى يودعها.
أخيراً قالت :"أرجوك لا تفعل"
واستدارت مبتعدة ببطء فيما الألم يعتصر قلبها* * *
نهاية الفصل الثاني عشر*
أنت تقرأ
روايات احلام/عبير :ليل الغرباء
Romanceالروايه الثانيه من سلسلة كارول مورتيمر ( لا تبتسمي ... ليل الغرباء... لماذا تهربين؟) الملخص هل يصبح الخيال حقيقة؟ تناهى إلى مسمعى فيرغوس صوت أنثوى عذب من مكان ما قرب باب غرفة نومه . ـ لقد جلبت لك فنجان قهوة عبس وأبقى عينيه مطبقتين . فلا يمكن أن يكو...