سكارلت اوهارا لم تكن على قدر كبير من الثقافة و لكن هؤلاء الذين فتنوا بسحرها-كالتوأم تارلتون-نادرا ما لاحظا ذلك، فملامحها الارستقراطية الفرنسية التي ورثتها عن أمها، والبهاء الايرلندي الذي ورثته عن والدها كان كافيا لأن يغطي على أي شيء آخر.
فكان وجهها جذابا دقيق الملامح و عيناها خضراوان تزينهما رموش و حاجبان بلون الليل تبرز بياض بشرتها.
و في صباح ذلك اليوم من شهر ابريل 1861 جلست مع التوأمان ستيوارت و برانت تارلتون في ظل شرفة أبيها في مزرعتهم المسماة (تارا)...يتبادلون أطراف الحديث و يتضاحكون بين الفينة و الأخرى بكل راحة بال و سعادة.
كان التوأمان في التاسعة عشر من عمرهما، طويلا القامة قويا البنية و قد لفحت الشمس وجهيههما باللون الأسمر و قد ارتديا بزتين متشابهتين كعادتهما -وكأنهما يؤكدان على توأمتهما-..!!
هكذا كانت حياتهم مشغولون دوما بالهواء الطلق و الثرثرة لا يزعجون أنفسهم ابدا بتفاهات الثقافة و الكتب..!!
ولكن في هذا المكان -جورجيا الشمالية- لم يكن من المعيب ألا يكون الفتى قد نال قسطا من العلم و الثقافة،يكفي أن يكون ماهرا في الأشياء المفيدة كزراعة القطن وركوب الخيل والرماية والرقص واللباقة في التعامل مع السيدات والشرب بأناقة،،
هذا كله كان كافيا جدا ليكون مقبولا اجتماعيا و مرحبا به بين الجميع.
و كان التوأمان بارعان في هذه الأشياء كبراعتهما في عدم فهم أي شيء بين دفتي كتاب.
كان الأخوان من أغنى العائلات في المنطقة و لكن أفقرها معرفة بقواعد اللغة!!
كان قد تم طردهما لتوهما من جامعة جورجيا،وهي رابع جامعة تتخلص منهما في غضون عامين،وفي هذا الوقت كان توم و بويد -الأخوان الأكبران- قد عادا معهما للبيت، و قد اعتبر للتوأمان مسألة طردهما مزحة يتندران بها و شاركتهما سكارلت المزاح فيها؛ فهي بدورها كانت من مبغضي الكتب فلم تقرأ واحدا منذ تركت أكاديمية فايتفيل العام الماضي.
-أعلم أنكما لا تعبئان بطردكما،ولا حتى توم ولكن هل بويد كذلك؟فأنا أراه منكبا على الدراسة ومصمما على نيل الشهادة؟؟
تسائلت سكارلت.
فأجابها برانت بلامبالاة:
-يمكنه أن يقرأ كتب القانون في مكتب القاضي بارمالي في فايتفيل..ثم..المسألة ليست ذات أهمية.. فعلى أية حال كان يجب علينا أن نعود الى البيت قبل نهاية الفصل الدراسي و هاقد عدنا.
فسألته و هي تقطب حاجبيها:
-ولماذا؟
-الحرب أيتها الساذجة..الحرب التي ستنشب في أي يوم.
ردت سكارلت التي كانت قد ملت حديث الحرب:
-لن تقع أية حروب..مجرد كلام..آشلي ويلكز و والده قالا لأبي الأسبوع الماضي أن مندوبينا في واشنطن يعملون على قدم وساق للتوصل مع لينكولن الى حل حول الدولة الإتحادية..ومهما يكن..فإن الشماليين (اليانكي) يخافون منا بشدة ولا يجرؤون على مجرد التفكير في مواجهتنا.
قال ستيوارت الذي كانت آثار الضحك باقية على وجهه:
-عزيزتي الحرب آتية لا محالة..صحيح أن الشماليين يخافون منا و يهابونا ولكن بعد الصفعة التي تلقوها في قلعة سونتر قبل يومين فإن عليهم أن يحاربوا وإلا عرفوا أمام العالم كله بالجبناء المنهزمين..
قالت سكارلت بغضب و قد بانت عليها آثار الإنزعاج:
-أنتما الإثنان..لقد أزعجتماني..و إن لم تتوقفا عن حديث الحرب هذا فسوف أدخل للمنزل و أغلق الباب ورائي.
كانت سكارلت محبة للمرح و لا تتحمل أي حديث عن المواضيع الجادة خصوصا تلك التي تهدد أمانها المستقبلي..لم يكن التوأمان ينزعجان منها،بالعكس فقد كانا يحترمانها جدا لهذا،ففي نظرهما كانت الحرب أمرا خاصا بالرجال لا النساء و عدم اهتمامها بالحديث دليل على اهتمامها بكونها أنثى!!
بعد لحظة صمت أقرا فيها -ضمنيا- عدم الحديث عن الحرب، قالت سكارليت:
-ماذا قالت والدتكما عن طردكما من الجامعة مرة أخرى؟
تولى ستيوارت الإجابة بقوله:
-لم تتح لها الفرصة لقول شيء حتى الآن،فلقد غادرنا المنزل مع توم في الصباح قبل أن تستيقظ،وفي الليلة السابقة عندما عدنا كانت مشغولة في اﻹسطبل، وبمجرد أن رأتنا صاحت فينا..
وأكمل مقلدا لهجتها:
-مالذي تفعلونه هنااا..اخرجوا..اخرجوا..الحصان عصبي و لا يريد أي ازعاج..سأتحدث معكم في الصباح.
ضحكت سكارليت،وأردف:
-فذهبنا للفراش و نهضنا هذا الصباح قبل أن تستيقظ تاركين لويد ليواجهها بمفرده.
و هنا سألته سكارليت بفضول:
-وهل تنوي والدتك أن تمتطي الحصان الجديد غدا إلى حفلة الشواء التي تقيمها عائلة ويلكز؟؟
مط ستيوارت شفتيه وقال-كمن لا يكترث للأمر-:
-انها ترغب في ذلك؛ ولكني سمعت والدي يتحدث عن خطورة الحصان.
فتنهدت سكارليت و قالت:
-آمل ألا تمطر السماء غدا..
فغمغم ستيوارت:
-ستكون السماء صافية غدا..
ران الصمت مرة أخرى وراحوا ينظرون الى الأفق عبر الفدادين التي لا نهاية لها من أراضي القطن الخاصة بجيرالد اوهارا..يتبع..
أنت تقرأ
ذهب مع الريح
Romanceفي احدى ولايات جورجيا الجنوبية-اتلانتا-ولدت مارجريت ميتشل لأب محام و رئيس جمعية اتلانتا التاريخية،ولما كان جميع أفراد اسرتها من المهتمين بالتاريخ فلقد نشأت بين حكايات و اساطير الحروب. بدأت حياتها العملية في صحيفة اتلانتك جورنال، وتزوجت في عام 1925 م...