Part 23

20 2 3
                                    

ويآ حسرتاه عليكِ يا نفسي، ويا حسرتاه على أحلامكِ و حياتكِ، يا حسرتاه على فقدانك أغلى من تحبين، وها أنتِ وحيدة مجدداً الآن وأخاكِ ليس بقربكِ، أخاكِ الآن خلف القضبان مسجونٌ، بلا سبب، وبلا تهمةٍ حقيقية، الغنياء الحمقى قد لعبت بهم الحياةُ كثيراً وغرتهم دنياهم أكثر، لم يعد يهمهم الطمأنينة الروحية النابعة من حجرات القلب الصغيرة، ولم يعد يرضيهم أي شيءٍ في الحياة، يبحثون عن كومة أموالٍ و غنىً يُسعدون بهم عقولهم المزيفة، ولكنهم من داخلهم يزدادوة سوءاً يوماً بعد الآخر.
كلماتٌ سطّرتها في دفتري، وأغرقتها بدموعي الباكية، دموعٍ منفطرةٍ تائهة، تبحث عن ذرة أمل في كومة يأسٍ، ولعلّ روحي تجد الأمل بين تلك السطور الهارمة.
قلبي يتقطّع حرقةً واشتياقاً لأخي الذي لم يرتكب تهمةً جدّيةً سوى تهمة "السرقة" التي أخترعها هؤلاء الأوغاد ذو النفوس البشعة، المملوءة بمعاني الحقد والكراهية وحبّ الذات.
كنت جالسةً على سريري، أبكي وأمسح دموعي، وأحاول أن أسند نفسي، أحاول أن أجد السبيل، وأن أوقف دموعي وأساعد نفسي على التمسك والصبر، ولكنّ قواي تخذلني وتسقط مراراً، أهلكتها الحياة وأفقدتها والديها، الشخصان الذان لم ترهما يوماً في حياتها، ولكنها مشتاقة لوجودهما ومساندتهما وتشجيعهما المتواصل لها، تشتاق إلى رغد، ولإن تبكي وهي متكئة على كتفها تزفر الدموع من عينيها وتبوح هي بمساندتها و حثها على الصبر، تشتاق لكل شخص فقدته وتشتاق لعودتها طفلة صغيرة، تُحمل من يدٍ ليد، ويحاول أن يسعدها الجميع ليوقفوا بكاءها، يوم كانت تبكي طفلة تريد أمها لترضعها وتشعرها بالحنان والطمأنينة، لتبني لها حياتها، ولتصنع منها فتاةً جميلةً خلوقةً طيّبة.
كنت أجلس أراود أحلامي وأتخيل كيف كانت أمي، هل كانت جميلة و طيّبة، ياترى كيف تبدو، هل تشبهني، وهل أفعالي وتصرفاتي تبدو مثلها، هل عاشت فقيرة أم ذاقت حلاوة الدنيا، وكيف يبدو أبي! أله شاربٌ طويلٌ و حنجرةٌ ثخينة يخبر الجميع بهم بأنّه رجلٌ قوي، بطلي الأول والأخير، وستبقى كذلك "بطلا" بالنسبة لي مهما مضيتُ بعمري و سخطت بي الحياةُ أكثر.

أفكارٌ كثيرة تهرب من مخاوفي إلى مخيلتي، أفكارٌ تُذرفُ الدموع من عيناي، وتشعرني بالفقد واليأس، إشتياقي لأخي و ظني من أنني لن أره ثانيةً، هذا حقاً أصبح من أسوء كوابيسي.
وقتما أغلق عيناي لأنعم بقليلٍ من النوم المهدئ، لأبتعد عن زلال الحياة و بؤسها، لأغلق عيني وأنام، وأبتعد بعيداً جداً، بعيداً عن كل أثر لحزني ومخاوفي الجليلة.
وفجأةً يخترق عقلي أصواتٍ تنادي، ويخفق قلبي بخفقاتٍ تكاد تمزق شرايينه الباهتة، وأشعر بأنّ عمر ينادي باسمي، ويصرخ للنجدة، ودموعي تنسكب مرة أخرى ولكن بغزارةٍ أكثر، وسطور قلبي أسطرها في دفتري، وليت تلك السطور تشعر بما أشعر الآن.
أهرع من سريري كالمجنونة وأنادي باسم أخي كل ليلةٍ بساعاتها ودقائقها، تراودني كوابيس كثيرة، ومؤلمة حقاً، كوابيسٌ مرعبة، و تخيلاتٍ مرعبة بقتل أخي، أو ضربه ضرباً مبرحاً، لجعله يقر على قيامه بفعلةٍ لم يفعلها.
.
.
.
جاء الصباح مرة أخرى وعيناي لم تذق لحلاوة النوم طعماً، ذهبت برأسي الثقيل المكدس بالهموم المتعبة، ونظرت للمرآة، أصبحت بشرتي شاحبة صفراء قاحلة كلون الصحراء الجافة، وعيناي مكدستان من أسفلهما هالاتٍ سوداء كلون حجر الفحم المرير الحزين.

ذهبت لأغسل وجهي، وأتوضأ لكي أصلي، إلا أنني سمعت صوت طرقاتٍ خفيفة على الباب، فرجفت قدماي، ولكنني لم افتح الباب خوفاً من ان يكون وراءه من يخيفني أو يؤذيني، لذلك لم أفتح وأكملت طريقي للصلاة وأديتها.

ولكن الطرقات لم تكل، بل هي تزداد قوة، فلملمت قواي واستعنت بربّي لحمايتي وذهبت لأفتح الباب، نظرت من عين الباب الصغيرة، فوجدت إمرأة ترتدي ثوباً يصل إلى ركبتيها وترتدي نظاراتٍ بيضاء أيضاً، كان وجهها ممتلئ بمساحيق التجميل، فنظرت لملامحها فبدت منهكة من النقر على الباب، رأيتها تهمّ بالرحيل، إلا أنني فتحت الباب فوراً ورأيتها وحملقت بي.

على حافة الحلمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن