خرجت من المنزل أتجول في طرقات مدينة طفولتي ليس التجوال أقصد إنما الهرب
نعم أهرب من ضعفي أمام قمر وأنا أراها ضعيفة ومنهارة , لا أريد التهور أكثر
تزوجتها لأعلمها أن لا تتلاعب بمشاعر الآخرين , أن لا تجرح وتطعن قلبا أحبها
بصدق فهربت من تعاطفي معها واكتفيت بالاتصال بآنجل لأطمئن إن لم تكن تحتاج
للطبيب فقالت أنها تصر على عدم الذهاب وأن حالتها تحسنت وقالت أنها حالة تتكرر
لديها بسبب انخفاض ضغط الدم ولأن قلبها في فترة نقاهة يتأثر من الانخفاض
المفاجئ وتفشل حركة يدها لكن يا ترى ما سبب انخفاضه هكذا فجأة
عدت متأخراً للمنزل ونمت من فوري في مجلس الرجال وغادرت صباحاً إلى أين
لا أعلم طبعاً , رفعت عيناي ووجدت نفسي في شارع ظننت أن السنين مسحته من
ذاكرتي ولكن ذلك لم يحدث , أوقفت سيارتي ونزلت وقفت عند الباب متردداً
ترى هل ما يزال يعيش هنا ؟! طرقت الباب عدة طرقات ففتحه , نظرت له بابتسامة
لم يتغير أبداً كما هوا , نظر لي مطولاً بحيرة ثم ابتسم وقال " زين "
تعانقنا عناقا طويلا وقال ضاحكاً " يالها من مفاجأة أين أنت يا رجل "
ابتعدت عنه وشددت كثفه وقلت بضحكة " تشاءمت منك "
ضحك وقال " ادخل هيا "
دخلنا المجلس فجلست وقلت مبتسماً
" قادتني سيارتي إلى هنا ففكرت في زيارتك , ما أخبارك يا كريس "
جلس وقال " إذا السيارة من قادتك وليس الحنين للماضي "
قلت بابتسامة سخرية " لو كان الحنين للماضي ما أتيت "
قال بهدوء " عليك أن تنسى أنظر أنا أعيش هنا منذ ذاك الوقت "
لذت بالصمت فقال " أحسن الله عزائك في والدك لم أعلم أنك هنا لذهبت لتعزيتك "
نظرت له بمكر وقلت " سأردها لك حين يموت والدك "
ضحكنا سوياً ثم قال " ما أخبارك وأين صرت كنت أتابع كل
كتبك وكتاباتك حتى توقفت فجأة "
قلت بسخرية " هكذا هي الحياة مغامرة معك ومغامرة عليك "
قال مبتسماً " هل تزوجت هل لديك أبناء ؟! "
قلت " تزوجت حديثاً وأبناء ليس بعد "
قال وهو يسكب القهوة " جيد الخطوة الأولى تأتي بالثانية "
نظرت للمكان وقلت " تبدو لي تسير في مكانك لم تترك المنزل بعد "
ضحك وقال " هرباً مثلك أم استقلالاً "
قلت بحزن " ما كان هناك ما يضطرك للهرب مثلي عائلتك استقبلتك بترحاب وكأن
شيء لم يتغير , الوضع معي كان مختلفاً تماماً "
وضع القهوة أمامي وقال " المشكلة أنهم أخرجونا من السجن في نفس وقت العفو
لذلك شملتنا الناس من المعفين عنهم وليس البريئان مما نسب لهما "
قلت بضيق " لكن عائلتا كلينا تعلمان أننا بريئان وليس العفو من أخرجنا "
تنهد وقال " معك حق لكني عانيت من الناس طويلا الخائن الجاسوس العامل لحساب الاعداء
وقد جريتك معي وكل ذنبك أنك صديقي المقرب لن أنسى التعذيب الذي لقيته معي حينها "
ابتسمت بألم وقلت " يجعلونك تعترف بجرم لم ترتكبه هم لا يستلون الاعتراف منك بل
يجبرونك على الموافقة عليه كما صوروه هم "
ضحك وقال " عديمو الذوق حتى أنهم لم يعتذروا منا على ظلمهم لنا "
قلت بابتسامة سخرية " لو تركوا لنا المستقبل , كل التعذيب كنا سننساه لكن تحطيم
مستقبلك أمر لن تنساه لأنه لن يفارقك "
تنهد وقال بحزن " على الأقل أنت الشهرة غطت على الفضيحة أنا لم يرحمني أحد "
نظرت للسقف وقلت بحزن " ليتني تجرعت أسى الشبهة ولم أصدم في أقرب الناس إلي "
ثم نظرت له وقلت " لما لا تدعنا من كل هذا وأخبرني عنك أنت "
ضحك وقال " كما تراني ابن والداي , خطبت منذ عامان وحتى الآن لم ينتهي عش
الزوجية فأنت تعلم فقدت وظيفتي بسبب ما شاع عني وعملت خارج نطاق شهادتي "
ضحكت وقلت " ومن تعيسة الحظ هذه التي تنتظرك حتى الآن "
ضحك وقال " تذكرها مؤكد "
قلت بصدمة " اميلي ما غيرها "
قال ضاحكاً " نعم هي ما غيرها ابنة خالتي وحدها من وقف معي في تلك المحنة "
قلت بألم " على الأقل أخرجتك من المحنة ووقفت معك للنهاية خير من
أن تخرجك منها لتطعنك فيما بعد "
قال باستغراب " لما تقول ذلك !! "
قلت بابتسامة " دعك من هذا وأخبرني عن باقي الشلة "
وأمضينا بعض الوقت على حالنا من موضوع لآخر وتشعبت بنا الأحاديث حتى وردني
اتصال من آنجل استأذنت وخرجت مجيبا من فوري " نعم يا آنجل هل من مكروه "
قالت ضاحكة " إن كانت تشغل بالك لما لم تبقى بجانبها "
قلت بضيق " آنجل لا تجعليني أغلق الهاتف في وجهك "
ضحكت وقالت " لا لا كل شيء إلا إغلاق الهاتف أطال الله في عمر قمر التي
جعلتك تجيب علي من فورك "
تنهدت بضيق وقلت " آنجل هاتي ما لديك من الآخر "
قالت " أريدكما أن ترافقاني لمنزلي وتقضيان اليوم معي لترتاح قمر فكارلا لا ترحمها
من همزها لها وكأنها تتعمد أن توصل كلامها لك عن طريقها "
قلت " ولكنها لا تخبرني بشيء "
قالت من فورها " كنت أعلم أنها لن تفعلها لذلك اقضيا معي هذا اليوم ستسعد كثيراً
بذلك ثم أنت وعدت ابنتي أم نسيت وها هي ترتب غرفتها كل حين لتأتي وتراها نظيفة "
ضحكت وقلت " ابنتك هذه مثلك تماماً لا تعرف أين توزع عواطفها من كثرة ما لديها "
قالت بضيق " زين لا تخطأ في حق ابنتي فلن أرحم ابنتك مستقبلاً "
ضحكت وقلت " حسناً ولكن هل صحة قمر تساعدها "
قالت " إنها أفضل الآن وقد سعدت بالفكرة ولكنها اشترطت موافقتك وأن أكلمك
بنفسي رغم أن المهمة عليها ستكون أسهل "
قلت منهيا للموضوع " حسناً سأستأذن من صديقي وأعود لنغادر معاً "
قالت بسرور " سأخبرها لتُجهز نفسها وداعاً الآن "
أغلقت الهاتف وقلت ضاحكاً " لأول مرة هي من تقول لي وداعاً "
دخلت واستأذنت من كريس وعدت للمنزل وبقيت خارجاً انتظرهما
بعد قليل ركبتا السيارة وركبت آنجل بجانبي تحت إصرار من قمر لا أعلم فعلتها احتراماً
لها أم تهرباً من الجلوس بجانبي , انطلقنا وقلت " أين قنافذك ليسوا معك اليوم ؟! "
قالت آنجل بضيق " قنافذ ... سامحك الله لقد تركتهم مع الخادمة ولم أجلب سوى
ليسا إنهم متعبين وبقائهم هناك أفضل "
عدنا للصمت فكسرته قمر قائلة فجأة " زين توقف "
توقفت وكنا حينها أمام مدرسة ... نعم أذكرها جيداً مدرستي سابقاً أسمها كما هو لم
يتغير , فتحت قمر الباب ونزلت دون مقدمات فنزلتُ خلفها وقلت " قمر ما بك ؟! "
قالت وهي تشير للمدرسة وعيناها عليها " هناك "
بقيت أنظر لها مطولاً بحيرة فعبرت الشارع دون حتى أن تلتفت إلي , تبعتها مسرعاً
كان وقت الفسحة وجميع الطلاب في فناء المدرسة , دخلت وأنا أتبعها كان الأمر عادياً
ولم نلفت انتباه أحد لأنها مدرسة حكومية ويدخلها أولياء الأمور دائماً
اجتازت قمر الممرات وكأنها تحفظها ثم وقفت عند فصل معين , نظرتُ له بحيرة
هذا فصلي في أحدى السنوات لا أذكره ولكني أعرف الفصول التي درست فيها
جيداً , دخلت قمر الفصل في صمت وعبرت صفا المقاعد لتقف أمام الصف الثالث
فيهم ونظرت من فورها للمقعد الثاني بتركيز وكأنها تبحث عن شيء ثم نظرت لطاولة
المقعد وكان مكتوب عليها كلمة قمر , كانت تكاد تختفي بسبب الزمن ولكن من يعرف
أنها كانت هنا سيميزها بسهولة , نعم تذكرت الآن أنا من كان يحكي لها عن كل شيء
هنا حتى تقسيم الممرات وفصولي وأخبرتها ذات مرة أني سأكتب اسمها على المقعد
لتحضر الحصص معنا .... يااااه كيف تذكر كل هذا وهي كانت طفلة !!
تُرى لما جاءت هنا هل لتتأكد أني كتبت اسمها كما أخبرتها أم لأنها تتأمل أن تجد زين
الفتى الذي عرفته في الماضي يجلس مكانه , نظرت لها فكانت على حالها تنظر للمقعد
من كل جوانبه بعينان ممتلئة بالدموع ثم نظرت للأرض بحزن وقالت بهمس حزين
وكأنها لا تريدني أن أسمعه " ليس هنا أيضاً أين ذهب ؟؟ "
بقيت أنظر لها بصدمة ,أين بحثت عنه أيضاً ولما تفعل ذلك !! هي تعي جيداً أنه يقف
معها الآن فلما تبحث عنه ولما لا تخبرني أنها تعرفني لما ؟!
أمسكت يدها وقلت بهدوء " قمر هيا لنغادر "
سحبت يدها من يدي وخرجت أمامي ولم تتوقف أو تلتفت حتى وصلت السيارة وفتحت
الباب وركبتها , ركبت أنا أيضاً فقالت آنجل من فورها " أين كنتما قمر ما أنزلك هنا ؟! "
قالت ونظرها على المدرسة " إنها مدرستي ولكن معلمي لم يكن فيها لقد رحل للأبد "
لذت بالصمت فليس لدي ما أقول ولن أتحدث مادامت ترفض الحديث في الأمر لأرى أين
ستصل من كل هذا , لما تتجاهلينني تماماً يا قمر ! لا وتنهينني من ماضيك وأنا أقف أمامك
لما تستمرين في جرحي دائماً ؟
وصلنا منزل آنجل لازلت أذكر طريقه جيداً رغم أني غادرت بعد زواجها بعام واحد فقط
هذه المدينة كما هي خضراء وجميلة وكأنك تعيش على سفح جبل هي جبلية منخفضة بعض
الشيء إنها مدينة زوجها وهنا عائلته وأقاربه جميعهم
دخلنا المنزل فقلت وعيناي تتجولان فيه " تغير منزلك كثيراً "
قالت بابتسامة " نعم لقد أجرينا فيه بعض التعديلات وأضفنا حجرة لسام وغيرنا مكان المطبخ "
خرجت حينها انتها تصرخ بفرح وتقفز ولا تعرف بما تعبر عن شعورها واحتضنت ساقاي
أقسم أنها كوالدتها تماماً هذا كله وهي لم ترني إلا هذه الأيام فكيف لو كانت تعرفني لسنوات
يبدوا أن آنجل جعلتني بطل قصصها الليلية لهم , احتضنت ساقاي مطولاً ثم انتقلت لقمر التي
نزلت لمستواها واحتضنتها ثم سحبتها معها وهي تقول
" تعالي لتري الأزهار التي أخبرتك عنها إنها في الخارج "
خرجت الخادمة حينها فقالت آنجل " هل نام سام ؟! "
قالت الخادمة " نعم "
ناولتها ابنتها وقالت " ضعيها في سريرها وأحضري لنا القهوة في الخارج "
غادرت الخادمة وقالت آنجل لي بابتسامة " ألم تشتق لمنظر الجبل من منزلي ؟! "
قلت مبادلا لها الابتسامة " بالتأكيد "
خرجنا معاً , كما عرفته مكان رائع ومنظر يبعث في نفسك الاسترخاء , نظرت للجانب
الآخر حيث قمر و ايميلي تسحبها من يدها بعدما تركت شعرها البني مفتوحاً
تلعب به الريح جلستا على بساط الأرض الأخضر تجمعان بعض الزهور كانت اميلي تبحث
بين أزهار الأرض عن النوع الذي تريده بينما قمر تهيم بنظرها للبعيد ويدها تبعد شعرها
الطويل المتطاير من الخلف على وجهها ثم جمعته كله في جانب واحد ولم يبقى للريح سوى
غرتها يحركها ببطء , لو كان ثمة رسام هنا لما جعل هذا المنظر يفوته ولكنت كسرت له
ريشته بالتأكيد , لما هي حزينة هكذا !! لابد لأنها لم تجد زين في مقعده ولا في بيته وقد
تكون بحثت عنه في السطح أيضاً فهي لا تراني ولا تعتبر أني ذاك الفتى ما أقسى قلبك يا قمر
" ما دمت تشتاق لها هكذا لما تصرفت معها بتلك القسوة "
نظرت لآنجل الواقفة بجانبي وتنظر جهة قمر وقلت " من تعني بهذا !! "
نظرت لي وقالت " أنت طبعاً "
بقيت أنظر لها بحيرة فنظرت للبعيد أمامها وقالت بهدوء
" زين ما المشكلة التي بينك وبين قمر ؟! "
طال صمتي فنظرت لي وقالت "حتى انريكي لاحظ ذلك "
نظرت بعيداً وقلت بضيق " ألا يوجد لديكما شيئاً غيري تنشغلان به , لما كل هذا التدخل
في حياتي تعلمان جيداً أني لا أحب ذلك "
تنهدت وقالت " زين لما غادرت ولم تبقى بجوارها ... يوماً كاملاً ولم تزرها , كل ليلة
تنام في المجلس وتتركها , ليلتكم الأولى هناك قضتها قمر تجلس في الصالة تنتظرك
وأنت لم تخبرها انك في المنزل , تبدو لي قمر حزينة دائماً وشديدة الصمت وأنت تائه
كثيراً وشديد البرود "
قلت بضيق " هل انتهيتِ من تحليل شخصيتي ؟! هل اشتكت لك قمر من كل ذلك "
قالت بضيق أكبر " لا هي لا تعرف الشكوى ولا الكلام , حتى أنها لم تتحدث معي
إلا قليلا , تسمع الكلام المسموم هناك وتصمت وتعاملها بجفاف ولا تتحدث لو هبط
ضغطها من شيء فمنك ومن شقيقتك "
نظرت لها وقلت بحدة "هل أنا وحدي المجرم , هي من قست علي ورفضتني مراراً
بقلب بارد , هي من خانتني منذ سنوات وتركتني من أجل آخر , هي من نفتني من
حاضرها وذهبت تبحث عني في ركام الماضي وكأنني شيء غير موجود "
نظرت لي بصدمة فنظرت للجانب الآخر وتأففت , ما كان علي أن أفقد أعصابي
ماذا حل بي !! لم أكن هكذا من قبل
تنهدت وقالت " إذاً هذا السبب علمت أن ثمة أمر ورائكما "
قلت بجدية " آنجل لا تسمع قمر بشيء مما قلته لك "
نظرت لي بحيرة فقلت بحزم " آنجل إن أردتي أن تخسريني للأبد فأخبريها بما قلت "
قالت بصدمة " ولكن لما أليست تعلم !! "
قلت بابتسامة سخرية " بلى تعلم ولكنها لا تعرف أني أعلم "
قالت بهدوء " تكلم يا زين "
نظرت للأسفل ويداي في جيوب بنطالي وقلت بحزن
" أنا وقمر نعرف بعضنا منذ كنا صغاراً "
قالت بصوت مصدوم " منذ ماذا ؟! "
قلت " كانت تسكن مجاورة لنا ثم بعد سنين اختفت ثم تعرفت علي عبر الانترنت
في السنة التي غادرت فيها المنزل ولم تخبرني من تكون لقد أحببتها بقوة وهي من
ساعدتني لتجاوز محنتي ثم قالت لي أنها تريد الزواج من آخر أحبته وأني لم أكن
سوى اختبار لمشاعرها "
أمسكت كتفي ووجهتني نحوها ونظرت لعيناي وقالت بصدمة
" وتزوجتها وهي لا تعرف أنك علمت بكل هذا !! هل تنتقم منها يا زين ؟! "
عدت بنظري للبعيد وقلت " للنهي الحديث في الأمر "
قالت بحزم " زين هل تنتقم منها ؟! "
نظرت لها وقلت بغضب " آنجل قلت يكفي "
هزت رأسها بيأس وقالت " أخشى أنك تنتقم من نفسك وليس منها "
لذت بالصمت فنظرت لي وقالت بجدية " أنت تحبها يا زين وأكثر من السابق أيضاً "
ضحكت بسخرية وقلت " لقد فقدتِ ذكاءك فجأة يالك من واهمة "
قالت بجدية " بل تعرف ذلك ولكنك لا تريد تصديقه , كنت أرى نظراتك لها منذ
قليل ولا أريدك أن تندم يوماً , زين أنت أذكى من أن يفوتك ذلك ولكنك لا تريد
الاعتراف بذلك حتى لنفسك "
قلت ببرود " كيف أحب من خانتني وتخلت عني ؟! "
قالت بحزم " لما تزوجتها إذا ؟! هل تريد إقناعي أن لا سبب لذلك أو أنه الانتقام ولما
تزوجتك هي هل لتنتقم منك أيضاً ؟! ولما سهرت الليل تنتظرك , زين لا تغلق على
دماغك كي تكذب على نفسك , قمر تحبك وأنت كذلك ومهما أنكر كلاكما لن أصدق "
ابتسمت بسخرية وقلت " استنتاجك الثاني أسوء من الأول "
تنهدت وقالت " سوف تعلم يوماً يا زين وأخشى أن يكون حينها قد فات الأوان "
قلت ببرود " آنجل أقسم إن لم تنهي الكلام في الأمر تركت منزلك الآن "
قالت وهي تتوجه للطاولة لتجلس
" هذا ما تفلح فيه تهديدي ... تعلم أنني أحبك ولا أريد إغضابك "
جلست هي هناك وابتعدت أنا متمشيا بخطوات بطيئة حتى اختفيت عنهم
قال أحبها قال ... لما على خيانتها على رفضها لي وتجاهلها لوجودي أم على ماذا
هه وتحبني ... تحبني كيف من يحب لا يفعل ما فعلت وما تفعل الآن , آآه هل تضحك
على نفسك يا زين , لا لم أضحك على نفسي ولا أحبها , نعم رددت ذلك كثيراً لا ولن تحبها
شعرت أنني ابتعدت كثيراً فعدت أدراجي حتى صرت استمع لصوت ضحك ايميلي وسام
الذي يبدو أنه استيقظ وانضم لهم , اقتربت منهم فكانت قمر معهم وآنجل تبدو في الداخل
كانت قمر منشغلة مع ايميلي في صنع طوق من الأزهار وتفرك ذراعها الأيسر كل حين
يبدوا أنها لازالت تشعر بالخدر فيه لقد دمرها خالها وزوجته تماماً , كلما رأيت معاناتها
بسبب طفولتها أشعر بالجرم حيالها وقت طفولتي , لو كنت على الأقل جلبت لها بطانية
تقيها برد ذاك السطح ليلاً كان أمراً سهلاً ويمكنني فعله وإن كنت في السادسة وليس
متجاوزاً العاشرة كانت تنام جائعة والطعام لدينا نرميه في القمامة لكنت أعطيتها شيئاً في
تلك الليالي التي تباتها في الأعلى دون طعام والله وحده يعلم إن كانت في الأسفل تأكل أكثر
من وجبة , آآآآه حتى متى سأعيش في النقيضان متى سأرسى لي على بر , قد أبرد على
قلبي يوماً وأتركها تعيش حياتها بعيداً عني
اقتربت منهم وجلست معهم نظرت قمر باتجاهي ثم عادت بنظرها على الأزهار
نظرت لوجهها بتفحص , هذا ما كان ينقص هذه الطبيعة أنتي ... فلا أعلم من منكما الجمال
رفعت نظري من عليها ونظرت للسماء وابتسمت بألم .... ها قد عدت للهذيان بها , لم أعد
أفهم نفسي فحين ابتعدت عنها أكون برأي وما أن أقترب منها حتى تنقلب كل موازين عقلي
عدت بنظري للأرض ثم نظرت ليديها أخذت الطوق منهما وربطته ليصبح دائريا
ووضعته على رأسها وقلت بهدوء ونظري على الطوق فوق شعرها " أميرة الورد "
أخذت الطوق من فوق رأسها ووضعته في حجرها وقالت ونظرها عليه
" ولكن الورد بدأ يموت , أخبرتك أن لا تقتله يا زين "
نظرت لها في حيرة فنظرت لي وقالت " لا أريد منك أي شفقة "
بقيت أنظر لها لوقت ثم وقفت وقلت مغادراً " لولا الشفقة لكنت .... "
لم أنهي جملتي وتابعت سيري فقالت بصوت مرتفع وخطواتي تبتعد
" لكنت ماذا ؟! لكنت طردتني من حياتك أليس كذلك "
لا ... لكنت فسرت مشاعري بشيء آخر يا غبية , التفتت لها ثم ابتسمت وأشرت
بدائرة على رأسها ثم للطوق في حجرها وقلت "هنالك مكانه الوحيد أميرة الورد "
وغادرت عائداً للمنزل دخلت ووجدت آنجل قد أعدت أطباقاً كثيرة لا أعرف من
سيأكلها كلها , قلت بابتسامة " من سيأكل كل هذا ؟! "
ضحكت وقالت " أنت وزوجتك طبعاً "
قلت ببرود وأنا أجلس " قمر أكلها كالعصافير وأنا تعرفينني لا آكل إلا صنفاً
وأحداً حتى أشبع فلما كل هذا "
نظرت لعيناي وقالت بهدوء " زين أود التحدث معك عن موضوعنا السابق "
تنهدت وقلت " آنجل ماذا قلت لك لا تنسي أنني أقسمت "
تنهدت ولاذت بالصمت ثم خرجت لمناداة البقية ودخلت , بعد قليل دخل سلم و ايميلي
وقالا أن قمر قالت لا تريد الطعام وستبقى في الخارج بعض الوقت , نظرت لي آنجل
من فورها فقلت ببرود ونظري على الطبق " إن كانت جائعة لدخلت وحدها لتأكل "
هزت رأسها بيأس وقالت " سأذهب أنا إليها "
غابت للحظة ثم عادت نظرت لها بتشكك فقالت
" لما تسجنها في نفسك قل ما بها ولما عدتِ بسرعة "
قلت بحدة " آنجل "
قالت بضيق وهي تسحب الكرسي وتجلس " لم أقترب منها ... تعلم لما ؟ لأنها تبكي هناك
وحدها لهذا لم تدخل ولا تريد الدخول .... زين ما أقسى قلبك "
وقفت وقلت " بعد كل ما علمتِ مني تقولين هذا , ظننت أنك تحبينني حقاً يا آنجل "
وغادرت المنزل دون أن آكل شيئاً ولم أرجع حتى المساء , دخلت ووجدت آنجل و زوجها
يجلسان وحدهما ألقيت التحية وجلست فقالت آنجل مبتسمة "هل أضع لك العشاء ؟! "
هكذا هي آنجل لا تتغير أبداً تغضب ثم سرعان ما تنسى كل شيء وهذا ما يجعلني لا
أغضب منها أبداً , قلت بابتسامة " لقد تعشيت أريد النوم فقط "
قالت " ستنام أنت و زوجي في غرفة نوم الضيوف
اما قمر فستنام عندي "
ضحكت وقلت " هل تحتاطان لغضب أحدكما من الآخر ؟! "
ضحك زوجها قال " أنا لم أستخدمها يوماً والحمد لله "
ثم نظر لآنجل بنصف عين وقال " ولكن هناك من استخدمها قليلا "
قالت آنجل بضيق ويداها وسطها " وأنت السبب طبعاً أم نسيت "
قرص خدها وقال " ولكنك تنسي كل شيء صباحاً من كلمة جميلة مني "
ضحكت وقلت "هيه لا تنسيا وجودي "
ضحكا وغادرت أنا لغرفة الضيوف ونمت هناك , لقد صنعت آنجل معروفاً هي تعلم
أن نومنا معا سيكون خياراً سيئاً , تقلبت كثيراً ولم أنم إلا بعد الفجر واستيقظت
على صوت صراخ الأطفال , ما كل هذا الإزعاج كيف ينامون هنا ! حمداً لله أنه لا أبناء
لي حتى الآن , نهضت من مكاني دخلت الحمام المجاور لغرفة الضيوف ثم خرجت لهم
كانوا اميلي و سام يركضان في الصالة ويصرخان لعبا والرضيعة في صيحة واحدة والخادمة
تلف بها المنزل , جلت بنظري في الأرجاء فوقفت آنجل عند باب المطبخ وقالت بابتسامة
جانبية " إنها في الخارج "
نظرت لها بضيق وقلت " آنجل اتركي عنك حركات المراهقين "
رفعت كتفيها بلامبالاة وقالت " أجبت فقط عن سؤالك قبل أن تسأله ففيما أخطأت "
ثم دخلت المطبخ مجدداً , خرجت للخارج المكان يفتح عليه الباب الخلفي للمنزل حيث
لا حدود للماسحة خلفه فلا أسوار إلا في الأمام هكذا هي المنازل هنا , كانت قمر تقف
ضامه لذراعيها وتشاهد الطبيعة , شعرها مربوط للخلف كعادتها والنسيم يلعب ببعض
الشعرات الطويلة , وقفت جانبها وقلت بهدوء
" من الذي كنتي تبحثين عنه في المدرسة أمس ؟! "
قالت وعيناها مكانهما " معلمي أخبرتكم بذلك "
نظرت لها وقلت " والمعلم يبحثون عنه في الفصول أم في حجرة المعلمين ؟! "
أدخلت خصلة من شعرها خلف أذنها بعدما طارت على وجهها ونظرت للأسفل بحزن
وقالت " لقد وعدني ... قمر سأصبح شرطياً وأسجن من يسجنوك لقد كان يكذب علي "
كنت أنظر لها بصدمة فتابعت قائلة وقد عادت عيناها للبعيد ودموعها بدأت بالنزول
" كان المعنى الجميل الوحيد لطفولتي هل جربت أن تتمنى أن تعود للبؤس لأجل شيء
جميل واحد فقط , لن تشعر بذلك أبداً أقتل الورد أكثر يا زين أقتله لقد أخبرتك ألا تفعل "
قلت ونظري المصدوم لم يفارقها " قمر ما تعني بهذا ؟! "
مسحت دموعها وقالت بحزن " لن تفهم أبداً لأن الشفقة لن تدعك تفعل ذلك "
أمسكت رأسها وضممته لكتفي ثم لحضني فبكت دون توقف ودون كلام وكأنها تفرغ
حزن الأمس فيه , كنت أشعر بدموعها تصل لصدري مجتازة قميصي وصوت شهقاتها
يدوي في قلبي , لم أخذل والدي فقط حين لم أدخل كلية الشرطة كما أراد بل وقمر الطفلة
التي كانت تنتظر أن أفي بوعدي لها بأن أسجن من سجنوها , بقينا كذلك لوقت ثم ابتعدت
عني وقالت " لا أريد منك أي شفقة أخبرتك سابقاً "
نظرت لوجهها وقلت بضيق
" لما تلقين باللوم علي دائماً كم مرة صددتني دون سبب ولا مشاعر "
نظرت لي وقالت ببكاء " ألم تتزوجني خادمة وها هي الخادمة تخدمك أم قررت
أن تجعلها جارية , حسناً لن أمنعك من نفسي ثانيتا لتكتمل مهمتي لديك "
هززت رأسي وقلت " بلا مشاعر ... بلا مشاعر أنتي يا قمر "
ثم توجهت للداخل حين استوقفني صوتها قائلة
" أعدني لمنزل عمتي ما دمت لا تريدني ولن تريدني يوماً "
كانت الكلمة أقوى من أن أسمعها أو أتوقعها منها فابتعدت وقلت مختصراً " لا "
ثم دخلت وتركتها , أرجعك هناك ولم أعلم لما تخبئي الماضي عني أرجعك قبل أن
تقاسي تحطم المشاعر مثلي , أرجعك قبل أن تعترفي لي لما فعلتي ذلك , لا أبداً لن
يحدث لن ترحلي قبل أن تتحدثي
جلست بالداخل أضرب بقدمي على الأرض فخرجت آنجل وقالت
" هل أعد لك الإفطار ؟! "
قلت بابتسامة سخرية " يفترض بزوجتي أن تكون من يسألني هذا السؤال وليس أنتي "
تنهدت بضيق وقالت " ولكن قمر من أعدته لك قالت أنك تستيقظ عادةً عند التاسعة "
قلت بضيق " لا رغبة لي في الطعام "
قالت بهدوء " هل تشاجرتما ؟! "
قلت بحدة ونظري للأرض " آنجل يكفي إنك تخنقينني "
قالت وهي تدخل المطبخ " لست سبب اختناقك فلا تلصقه بي "
تأففت وذهبت لغرفة الجلوس شغلت التلفاز لأتابع الأخبار فدخل سام و ايميلي تركض
خلفه فصرخت بهما قائلا " توقفا عن الصراخ أريد أن أسمع "
سكتا ونظرا لبعضهما ثم خرجا فوقفت وغادرت المنزل توجهت لساحة الخيول هنا
جيد لم يزيلوها لقد طوروها كثيراً , قضيت بعض الوقت هناك ثم ذهبت لصالة البلياردوا
الأماكن هنا كما هي لم تتغير ... ست سنوات ليست كافية لتطويرنا نحن لأننا نتقدم ببطء
ونتراجع بسرعة , رن هاتفي فكانت آنجل المتصل فأجبت بعد وقت قائلا " نعم يا آنجل "
قالت من فورها " أين أنت يا زين الغداء جاهز و زوجي ينتظرك "
قلت " حسناً قادم "
عدت للمنزل تناولت و زوجها الغداء وقضينا باقي الوقت في الأحاديث بعد أن نام
أطفاله المزعجين فلن يسمع معهم أحد الآخر وبعد العصر خرجنا سويا وتنزهنا
كثيراً وعند المساء عدنا للمنزل تناولنا العشاء وعند الحادية عشرة غادرنا عائدان
لمنزل والدي , كان الصمت موحشا في السيارة حتى اقتربنا من المنزل فقلت
" جهزي أغراضنا سنغادر صباحاً "
نزلت قمر متوجهة للداخل وهممت أنا بدخول مجلس الرجال حين استوقفني
صوت باب المنزل يفتح ويغلق , عدت للخلف فوجدت كارلا تدخل , نظرت
لها بصدمة وقلت " أين كنتي وحدك هذا الوقت ؟! "
تجاهلتني ودخلت فلحقت بها عند صالة المنزل وأمسكت ذراعها وقلت بحدة
" سألتك فتجيبي أين كنتي ومع من ؟! "
خلصت ذراعها من يدي بقوة وقالت بغضب " وما شأنك أنت "
قلت بصراخ " أين كنتي يا كارلا "
قالت برود " مع خطيبي "
نظرت لها بصدمة ثم قلت " ماذا !!! خطيبك , وأي خطيب هذا الذي تخرجين
معه وحدك وتعودي منتصف الليل "
صرخت قائلة " لا شأن لك بي أنت لست مسئولاً عني أنا لا أعترف
بك خذ زوجتك وغادر منزلنا "
صفعتها صفعة قوية أوقعتها أرضاً فخرجت حينها والدتها تتبعها لوسيا واقتربت
والدتها وقالت " التفاهم ليس بالضرب يا زين ما بكما "
قلت بغضب " كيف تخرج مع رجل بصفة أنه خطيبها فقط
ولوحدها وليس معها ولا حتى أنتي "
نظرت لها بصدمة وقالت " لما لم تخبريني بخروجك ؟! "
قالت كارلا ببكاء " وماذا في ذلك أنا لم أفعل جرماً هل يعتقد الجميع سيئين مثله "
قلت بغضب " كارلا أقسم إن لم تحترميني حطمت عظامك وهذا لن تخرجي معه ثانيتا مفهوم "
وقفت وقالت بغضب أكبر " لن تُفرق بيني وبينه يا زين لن تحطم قلبي مجدداً لأني سأنتقم
منك كما فعلت سابقاً وستتجرع نفس الكأس التي تسقيني "
قلت بحدة " صعلوك خلصتك منه كان عليك شكري وقتها لأني خفت على مصلحتك "
قالت ببكاء " هل دخلت قلبي وسألته ما يريد كل ما فعلته أنك حطمته , أخبرني ما رأيك
بتحطم القلب .... قاسي أليس كذلك "
قلت بصراخ غاضب " خذي ابنتك من أمامي قبل أن أقتلها "
ابتعدت بها جهة غرف النوم تتبعهما لوسيا , جلست مكاني على الأريكة أزفر بضيق
تخرج معه منتصف الليل في وجودي فبعد مغادرتي ما ستفعل وكما قالت قمر الناس
لن تلوم غيري فيما بعد , هل هذا ثمن تخليصي لها من ذاك الحقير , لكن ما عنت
بانتقامها وبتحطم القلب أنا منقطع عنهم تماماً منذ سنوات ما عنته بذلك !! لو لم أكن
متأكدا أن قمر هي ضوء القمر لقلت أنها كارلا لعبت بي , ثم من أين لكارلا ذاك
الأسلوب والكتابات , هل اتفقت معها علي ... لا لا أعتقد لابد وأنها كانت ترى
المنتدى الأدبي لأني كنت أشارك فيه باسمي وقد تكون لاحظت ما بيني وبين قمر
ثم اختفائها وتركي للكتابة وقصة الانتقام لفقتها لتشعرني أنها انتقمت مني
توجهت لغرفتي دخلت فكانت قمر واقفة في نهايتها دون حراك يبدوا أنها لم ترد
التدخل في شئوننا ولا حتى سماع ما يدور , نظرت لها مطولاً ثم قلت
" في الغد سنجلب باقي أغراضنا ونقيم هنا "
أنت تقرأ
Lunar mansion
Fanficرواية تحكي الحب تحكي الرومانسية والأحلام المستحيلة رواية تحكي الحاضر وتسافر بكم للماضي وللذكريات المنسية لتحكي الحزن لتحكي البؤس والحرمان والطفولة الأليمة