فتاة في المدرسة

80 3 1
                                    


كانت شخصية أسامة قيادية منذ الصغر فاستطاع أن يفرض شخصيته على محيطه، حيث كان يحظى بطاعة عمياء من أصحابه. بالنسبة لأسامة كانت الدنيا تنقسم إلى لونين فقط: أبيض وأسود .. لم يكن هناك من لون رمادي عنده. وكان يصنف الناس إما معه وإما ضده .. أتباع أو أعداء .. هذه هي الدنيا بنظر أسامة. فقط شخص واحد حظي بثقة أسامة ألا وهو حسام صديق الطفولة .. وبحضوره ومشاركته بدأت أغرب قصة نسجتها الأقدار. كنت أنا وأسامة - كمعظم أبناء الطبقة الوسطى التي تحرص على تعليم أولادها أفضل تعليم - ندرس في مدرسة إرساليات تابعة للكنيسة الكالوثيكية الإيطالية، وكانت إدارتها صارمة وتعليمها ممتازاً، وخاصة في ما يختص اللغات الأجنبية، حيث كان يفرض علينا ألا نتكلم العربية حتى في الملعب، وطبعاً كان أسامة يهزأ بهذا القرار ويتحداه لقوة اعتزازه بلغته الأم، ولو كلفه هذا أن يعاقب أو يؤنب. وهو بأي حال قليلاً ما كان يعاقب، فقد نال حظوة عند كثير من المدرسين نظراً لاجتهاده وتفوقه. ولكن مع كل هذه المعاملة المميزة من الإدارة له لم يبدو لي أن أسامة كان مرتاحاً لجو مدرسته. وأثبتت الأيام صدق ظني ..

لم يكن قد مضى على ابتداء السنة الدراسية أكثر من أسبوع حين هرع حسام إلى صديقه حسام قائلاً: إسمع يا أسامة قاسم آت إلينا لا تعره أي إنتباه.
أسامة : لماذا لطالما كان من خيرة جماعتنا؟ ماذا فعل؟
فتقدم حسام وهمس في أذن صاحبه بكلام غير مسموع وعلى الأثر هز أسامة رأسه متأخرا وقال: ليس هذا مستغرباً .. دائماً كنت أقول أنه مخنث.
واقترب قاسم منهم وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة بريئة (( السلام عليكم أيها الأصدقاء )) ولدهشته لم يرد أحد منهم عليه بل أشاحوا بوجوههم عنه ..
قاسم: لماذا تعاملوني هكذا؟ ماذا فعلت معكم؟
(( أنظر .. يتظاهر بالبراءة وكأنه لا يعرف ماذا فعل )) قال حسام وهو ينظر إلى أسامة.
(( لقد خنت الأمانة .. انحرفت عن الصراط المستقيم .. )) قال أسامة بلهجة صارمة.
قاسم: لم أفهم .. أمانة؟ صراط؟ ماهذه التعابير الصعبة؟
أسامة: طبعاً صعبة لأنك تركت دروس المسجد وبدأت تصاحب البنات.
قاسم: أصاحب البنات؟؟ أقسم بالله أن ليس لي أصدقاء غيركم.
أسامة موعداً: لا تقسم بالله كذباً فتدخل النار وبئس المصير
وتابع حسام منفعلاً وقد احمر وجهه (( لقد رأيتكما معاً بعيني اللتين سيأكلهما الدود .. )).
فأمسك قاسم بقميص حسام وقال له (( أستحلفك بالله أن تتكلم رأيتني مع من؟؟ تكلم ..)).
حسام: تتظاهر بالبراءة أيها الثعلب .. ألم تكن البارحة تتكلم مع هذه الفتاة الجديدة في المدرسة؟؟.
قاسم مدهوشاً: (( أتقصد عبير؟؟ كانت تساعدني في مسألة في الرياضيات فحسب )).
قال أسامة بتهكم واضح (( الرياضيات؟؟ صدقتك كثيراً. الفتيات فارغات العقول ولا يتقن، إلا الحفظ الببغائي .. )).
قاسم: ربما ولكن عبير مختلفة. لقد أخذت العلامة الكاملة في هذه المادة.
صمت حسام صمتاً مريباً وأما أسامة فلم يصدق وقال (( هذا غير معقول .. أنا الأول في شعبتي ولم أحظ بالعلامة الكاملة يوماً في الرياضيات .. أنت تعرف أن الأستاذ حسيب صعب جداً في التصحيح )).
قاسم: بإمكانك أن تسأل طلاب شعبتي إن أردت ..
اعترف أسامة بالهزيمة وتمتم (( فتاة تأخذ العلامة كاملة في الرياضيات؟ لابد أنها قبيحة إذاً .. ترتدي نظارات طبية كبيرة وشعرها أشعث .. و .. )).
فتدخل حسام وقال بنبرة مهزوزة (( لا لقد رأيتها .. وجهها جميل كالبدر .. )).
وتابع عنه قاسم فقال (( أما شعرها .. )) وصمت هنيهة ثم أردف (( لا نعرف فهي محجبة .. )).
فتمتم أسامة في نفسه قائلاً (( محجبة؟؟ في مدرسة إرساليات؟؟ )) وسرح في الأفق حتى بدا وكأنه في عالم آخر ..

نعم كنا استشعرت بحاستي السادسة، لم يكن أسامة يشعر بالرحة لحظة واحدة لموكثه لحظة واحدة في مدرسة إرساليات مختلطة، فقد كان يتمنى أن يتعلم في مدرسة رسمية للبنين فقط. لطالما كان أسامة يعتبر في طفولته - كسائر الصبيان من سنه - أن البنات كائنات ضعيفة يتفوق عليهن بسهولة في السباق والتسلق واستعراض القوى، ولطالما حبب إليه وهو صغير أن يشد شعر الفتيات من أقاربه ( باستثنائي طبعاً فأنا طفلته المدللة كما يردد ) فكان يضحك كثيراً عندما يرى دموعهن السخية تجري على الخدود .. وكانت أهم هواياته بعد كرة القدم وجمع بقايا الصواريخ وشظاياها أن يتلذذ بتعذيب القطط والكلاب والبنات، وربما في لاوعيه لم يكن ليفرق بين الأجناس الثلاثة. لكن لم يستطع أسامة أن يفهم سر هذا الإحساس الغريب الذي بدأ يسري في عروقه مع مداهمة سن البلوغ .. لم بدأ يشعر بالضعف أمام الفتيات ويحلم بالاستماع لاصواتهن الرقيقة أو تتبع ملالمح الأنوثة في أجسادهن؟؟ كانت هذه أسئلة أصعب من أن يستطيع عقله اليافع أن يجيب عليها .. فكان يقول في نفسه: لابد وأن الاناث ساحرات .. لا بل شياطين .. ألم يقل الشيخ مسعود في خطبة الجمعة إن المرأة تقبل في صورة شيطان؟؟ ألم يقل إن أكثر أهل النار من النساء؟؟ بلى كان أسامة يؤكد ..

🎉 لقد انتهيت من قراءة عرس في الجنة 🎉
عرس في الجنة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن