اليومُ الرابع : فجرُ الحيَاة

176 14 4
                                    

"حسنًا، من تكون أنت أيضًا؟"
وجهّت حديثها لزاك رُغم علمها بأنه لم يكن صوته أبدًا، لقد كان شخصًا ما، شخصًا آخر يعلم بأمرها غير جينيفر. ومالذي يقوله ؟
هل كان سقوطها في ما أشبه بالغيبوبة لخمس سنوات نعمة ! هي لا تفهم !
صرخت في زاك "اللعنة! اللعنة!"
زاك لم يكن سوى آليًا ، إنها تعرفُ هذا الطرازَ جيّدًا
إنهُ قديم نوعًا ما ، لقد تمّ صُنعهُ في 2018 لذا هوَ يبدو بدائيًا قليلًا .
شاشة زاك تتحول للون الأحمر ، كان مكتوبًا "خطأ.خطأ."
تركُلهُ بخفة "كيف لا تفهم ؟ لقد كنت تتحدث إلي للتو ! لقد قلت لي أنهُ لا وقت لهذا ! أنت تفهم ! بل أنت أذكى مني !!"
هي كانت تتحدثُ إليه بيأس رغم ادراكها استحالة فهمه لكلماتها التي لم يُبرمج عليها. هيّا! إنها تعلم أنه آلي، لن يفهم سوى ما تمّ برمجته عليه. لذلك هو صرخ "أنا مجرد آلي.. أنا مجرد آلي.."
تلعنُ مرةً ثانية، بل ربما للمرة المليون لهذا اليوم.
تمشي برفقته في طريقٍ مُظلم .. كانت تمشي وتمشي ولكن ساقاها لم تكن مجهدتين أبدًا. وبالرغم من بقائها خمس سنوات مُستلقية لا تتحرك .. إلا أن عضلاتها لم تفتر.
"هل هو بسبب تلك الحبة؟ آه .. لا أعلم. أيًا يكن.. أين نحنُ ذاهبون؟"
هي وجهّت حديثها للظِلال المُترامية على جانبيّ الطريق .. هي كرِهِت الصمت الناتج عن الوحدة.
سيرها كان ضائعًا، بلا هدف.
ولكنها تهرب .. ممن تهرب ؟ لا تعلم .
أين تذهب ؟ لا تعلم ..
آلافُ الأسئلة تبحثُ في الظلام.
آلافُ الأسئلة التي لا تجد لها إجابة واحدة.
لذلك هي أكملت السيرَ الضائع ..
"الساعة الآن : الثانية عشر
مُنتصف الليل"
قال زاك فجأةً ليُفرعها.
"يا إلهي لقد افزعتني! ولكن هل حقًا مشينا كل هذا !"
شيئًا فشيئًا، الطريق بدأ يتغير، وكأنها كانت تمشي في سِكةٍ مُعبدة، ولكنها الآن تمشي في القفار ..
الأرض الناعمة من تحتها باتت إسفلتًا.
"إنها السكة التي نستخدمها نحن البشر"
هي قالت لزاك .
لوحةٌ عملاقة أكلها الزمن تقف بالكاد على جانب الطريق . إنها تشبه لوحات الإعلانات في الطُرق . بل إنها كذلك .
"مالأمرُ الآن ؟ إسمع زاك، كم الساعة الآن؟"
"الرابعة صباحًا." هو قال بصيغةٍ آلية فحسب .
رفعت رأسها للسماء المُرصعة بالنجوم ، ضيّقت عينيها للرياح الباردة التي حركت شغفها ، تمسكت بالمعطف الصوفي الذي اعطتها إياهُ جيني.
كم مرّ وقتٌ منذ ان نظرت إلى النجوم ؟ إنها تفيضُ شوقًا لتأمُلها بلا انقطاع .
كانت تتلألأ بجمال ، أجمل من أضواء المدينة الخادعة ، أجمل من أي شيء . كحلمٍ بلا نهاية .
شيئًا فشيئًا زحف نورُ الصباحِ إلى السماءِ المعتمة ، ليرسُم لوحة الفجر الأخّاذة ، الفاتنة .
"إنها جميلة" هي همست للوحدة .
ومع قدوم الفجر ، كانت هنالك أشياءٌ أخرى تنتظرها . أشياءٌ مدهشة .
توقفت عند زهرة جميلة كانت تقف في وسط الطريق بكبرياء ، زهرة بنفسجية حيوية ، منعشة ، انحنت لمستواها ، استنشقت عبيرها ؛ عبير الحياة النقية الذي تفتقده . رفعت بصرها لما أمامها .
للخُضرة التي تكسو الأرض . لا تعلم أين هي ، ولكنها تساءلت بعمق ما إن كانت جنة الأرض !
الأشجار اليانعة تقفُ بثباتٍ ، الأزهار تتلون على جانبي الطريق .
"ولكننا في ديسمبر ، كيف ذلك !"
مشت مُنذهلةً تتبعها أسراب الفجر ، الفجر القديم الذي ظنت أنهُ ولى ولن يعود ..
لم تكن تعلم أين هي ، ولم تتمنى أن تعلم ، ظنتهُ حلمًا ، لهذا أرادت تصديق هذا الحلم فحسب ، عدم الاستيقاظ منه أبدًا .
مشت بضع خطواتٍ أُخرى ، شهقت من شدة الجمال حالما رأت ذاك المنظر البديع أمامها !
كان هنالك شلالٌ ، تندفع منه المياهُ بعنفوان ، مشت نحوه ، وبينما هي تقترب للحياة التي لم تصدق أنها تراها مُجددًا ، رأت الغيوم تحتشد فوقها ، الشمس تزدادُ سطوعًا وإشراقًا .
اقتربت من الشلال ، أسفلهُ نهرٌ قصير ، لكنه واسع ، يمتد مسافةً قريبة ، مشت عبر الصخور تقفز هُنا وهناك بمرح .
صرخت بعد ان انزلقت فجأةً بفضل الطحالب المجمتعة حولها .. هي استمرت بالصراخ بينما تجرفها مياهُ النهر نحو بطن الشلال ، ركض خلفها زاك ، حاولت التمسك به ولكن المياه ظلت تدخلُ فمها حتى فقدت الوعي .. وجرفتها المياه أكثر فأكثر لداخلها ، حتى باتت غير مرئية .

ولادة الموت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن