-1-

141 8 0
                                    

[الزمان: مجهول]

[المكان: مجهول]

يشقُّ الشيخ طريقه بحيوية هادئة وتأنٍ وسط حقل ذرة يصل طوله إلى قامة شخص بالغ. يمد ذراعه اليمنى تارة، واليسرى تارة أخرى، ليلامس بأصابعه الخشنة - التي نُقِشت بفعل الزمن والكدِّ - تلك الأوراق الخضراء غريبة الملمس: تعلوها شعيرات بين الخشونة والنعومة، دقيقة لماعة تشبه خيوط عنكبوت، على جانبي طريق متعرج يمرعبر قلب الحقل تقريباً.

يدوس بحذائه الأسود الثقيل طبقة تراب متصلبة بفعل خطوات أبدية مثابرة.

ينتهي الممر أمام بيت خشبي عتيق يلائم لونه الباهت ديكور المكان الهادئ من حوله.. 

ثلاث درجات خشبية - تأز قليلا عند الدوس عليها - تقود إلى منطقة مستطيلة مضللة أمام الباب. 

وُضع كرسي هزاز - منقوشة جوانبه يدوياً - أمام النافذة الكبيرة على يمين المدخل بينما وضع كرسي خشبي عريض - يسع شخصين يمكن لأحدهما أن يستلقي جانبياً - أمام النافذة اليسرى.. 

جلست على الكرسي سيدة عجوز - لم ينجح الدهر في تقويس ظهرها أو إضعاف أي جزء من جسدها أو حواسها - في وضعية تأمل واسترخاء تام على ملاءة صوفية سوداء وحمراء بأهداب بيضاء كانت وليدة أناملها الرشيقة - على غير العادة - في إحدى الأمسيات الخريفية البعيدة..

ترفع رأسها مع سماع وقع خطوات تقترب باتجاهها.
_ مرحبا أيها الغريب.
_ مرحباً سيدتي..
وجهُه المُرحِّب لا يبدي شعوراً محدداً لكن البريق المميز بعينيه لا يحتمل أكثر من معنى وحيد.
_ كيف كان يومك؟ يضيف بهدوء.
تأخذ وقتها لكنها تجيب دون أن تتوصل إلى جواب شافٍ: هادئاً..

يأخذ مكانه على الكرسي الهزاز.. يسمح لتنهيدة - تشي باغتباطه - بالخروج.. يمسك مسندي المرفقين بين كفيه ثم يُميل جسده قليلاً نحو الخلف ليستقر أسفل ظهره بعمق الكرسي تماماً. 

يميل إلى الأمام ليستمتع بالتأرجح.. 

هدوء المكان لا يشوبه إلا صوت رياح خفيفة، تحرك مروحة صغيرة على سقف البيت تعلو شكل ديك معدني صغير.. تهب الرياح الهادئة على باقي المكان لتحرك رؤوس بعض النباتات الخفيفة التي تترك - مع حركتها - لوناً أبيض فوق الحقول الممتدة نحو الأفق..

[صمت عميق]

_ لِمَ تصرُّعلى أخذ هذا الطريق الملتوي..؟  
_ ألم أجبكِ كفاية عن هذا السؤال؟
_ بلى! ولكن في كل مرة.. يكون جوابك مختلفاً.. حسب مزاجك، على ما يبدو!
يتلقى كلمات رفيقته بصدر رحب ويفكر في الأمر ملياً.. "أظنها محقة" يحدث نفسه مبتسماً.
_لأنه لا يوجد طريق مستقيم يقود إليك، سيدتي! ينتهي إلى القول.
_ أياً يكن معنى ذلك! تجيب بملامح محايدة ومشاعر مرتبكة.. ليست واثقة من كون كلامه ينطوي على غزل من نوع ما.

الحادث (extra)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن