دموع لزجة

531 55 15
                                    

قصة قصيرة
دموع لزجة
"لما عليّ أن أحمل ثقلاً على كاهلي متحملاً سخرية الآخرين؟ لما لا أكون قوياً كالنسر، و يكون كل شيء رهن إشارة من مخالبي؟ لما لا أكون صاحب جلد رائع كالأفعى تختال و تتمايل في زحفها الرشيق على الأرض؟"

هكذا ثارت نفس الحلزون معترضاً على حاله.. ناقماً على إحساسه بالدونية و النقص. تقتله سخرية الأخرين منه، و إضطراره للبحث عن قوقعة جديدة تصير بيتاً له كلما ازداد حجم جسده، يضنيه البحث في كل مرة عن بيت أجمل بألوان زاهية و نقوش جميلة، لعل ذلك يلفت الأنظار إليه إعجاباً، و لكن.. لم ينل من وراء ذلك سوى الاستهزاء ممن حوله.

"أنظروا كم هو بطيء! كم يبدو مقززا! ياله من كائن رخو و لزج!!!" كانت الصيحات تعلو داخل رأسه، فتثير فيه مشاعر الكره و الحزن و النقمة و الشجن.. لماذا هو بطيء؟ لماذا يسخرون منه؟ لماذا؟! من يراه صامتاً، يجهل مدى الصخب الذي يدور في عقله.. كم المشاعر السلبية التي يموج بها صدره. يكاد يختنق كمداً.

وجه كل غضبه نحو قوقعته التي يئن بحملها و السير بها.. سيتحرر من كل قيد فرض عليه. خرج من قوقعته، و تركها في الطريق، و سار. "ااااااه! كم أحس بالحرية و الإنطلاق.. أحس أنني أسرع و أبهى!" هكذا حدث الحلزون نفسه. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فلم يكد المسكين يمضي في طريقه، حتى بدأت صيحات السخرية تعلو من جديد،" أنظروا! كم يبدو مضحكاً.. لا بل يبدو مقززاً أكثر.. على الأقل كانت قوقعته مزركشة، و تخفي ذلك الجسد المثير للإشمئزاز!!"

كتم الحلزون ألآمه، و عاد من حيث أتى ليرتدي قوقعته مرة أخرى كي يخفي جسده عن عيون الأخرين، لكن للأسف عند عودته للمكان الذي تركها فيه، وجدها قد إنشطرت و تفتت، يبدو أن حيواناً ما قد دهسها بأقدامه.. عليه البحث عن بيت جديد.. أضناه برد الليل، و حر الشمس القائظ بالنهار، و الكلمات السامة الساخرة التي تصيب جسده و روحه كالسهام. بعد يومين عانى فيهما الأمرين، وجد قوقعة تناسبه، و لكن..

أصبح لا يطيق السير بها. لما ازداد ثقل البيت أكثر مما كان فوق كاهليه؟ لم يكن حمله مضنياً هكذا من قبل.. مالذي يجب عليه فعله؟ لا يستطيع حملها بسهولة.. و لا يستطيع العيش بدونها. إزداد همه و حزنه، و لم تعد المشكلة في قبول الأخرين له.. بل في قبوله لنفسه ذاتها. الإنعزال عن حياته معهم كان الحل الأمثل بالنسبة له. سيسخرون منه في كل الأحوال مهما فعل.. ستجرحه نظراتهم. سيبتعد، و في إبتعاده راحة له و لهم.

لم يكن يعرف أن النسر ذو المخالب الرائعة و المنقار الجارح عليه أن يكحتهم في الصخر مراراً و تكراراً حتى يدمى، و أنه بعد عمر معين يتضور جوعاً حتى يموت لتكسر و ضعف تلك المخالب.. لم يعرف أن الأفعى ذات الجلد اللامع المتجدد عليها أن تحتك بجسدها لساعات طوال، و تتمرغ فوق الحصى و التراب لتسلخ الجلد الذي ضاق عليها عن لحمها، لإنه لم يعد يتسع لجسدها الذي اذداد نموه.. لم يكن يعرف أنه ليس وحده من يعاني.. ليس وحده من يتألم في الحياة.

تثاقل في زحفه مخلفاً وراءه خطاً لزجاً من الدموع لكائن حاول أن يغير من نفسه ليرضي الأخرين، فلا هم رضوا، و لا هو استطاع أن يعود إلى ما كان عليه من قبل.. كائن يجب أن يقبل نفسه بما لها و ما عليها قبل أن يتمنى قبول الأخرين له.

©Salwa M
July 21st, 2016

🎉 لقد انتهيت من قراءة دموع لزجة 🎉
دموع لزجةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن