ربما يوم ما ..

340 6 0
                                    

و أخيرا أدرك مدى تفاهة حياته، لا يعقل فالمال و الغنى زينة الدنيا و ماذا عن البنون؟ أ يعقل أن يكون الغنى مصدر لتعاستنا ؟ فقد اشترى الفخامة و الأناقة و الجاه لكنه لم يشتري قط راحة باله .

بعدما أن سئم اقتحام فراغ بيته ، إرتدى معطف الندم و ترك الدار و كأنها ترتدي الحداد عاى موت أطرافها ، اتصل بسائقه الشخصي ركب السيارة منحني الرأس أملا أن يخفي ملامحه الشاحبة ، أين وجهته ؟

-سأدعك تختار وجهتي .

لم يتوقع السائق يوما طلبا كهذا ، و تردد طويلا ثم رد .

-أنا حق لا أدري ماذا عن " جراند اوتيل " ؟
-إلى بيتك.
- ماذا ؟
-اترفض مضايفتي في بيتك؟
-لا لا هذا شرف لي .

تسارعت نبضات قلب حميد لم يصدق ما سمعت اذناه ، فرح كثيرا فهو أفنى عمره لخدمة سيده و لم يحدث قط أن دار بينهما حديثا حقيقيا ، لم يشاركه قد افراحه أو أحزانه، لكن هذه الليلة شاركه ما أكبر من حزنه و سعادته، انه فراغه .

ظل يتأمل الحي الذي لم يزر مثله منذ أن ترك البلدة ، للدراسة بفرنسا، انه حي شعبي ، مختلف تماما عن حيه الراقي الصامت ، في حيه المعتاد تقفل ابواب البيوت السادسة زوالا أما هنا الحي لا ينام ، و الأضواء لا تطفئ ، و الصمت لا يعم .

توقف السائق أمام بيت عادي جدا، بدا له فخم و راق فقد اشتاق للبساطة ، نزل من السيارة مبتسما و كأنه وقع مشروع جديد ، لكن الأمر أكبر من ذلك فقد وجد نفسه التي ضاعت منه ، اقتحم الدار، وقف في البهو الصغير ، يتمعن الآثاث و يشم رائحة الأمان قاطعه حميد قائلا .

-اعتذر فالبيت لا يلائم مقامك سيدي .
-لما الاعتذار ؟ فهذا المقام مقامي قبل أن أصبح ما انا عليه الآن إنه اصلي .
-حقا ؟
-نعم غريب أليس كذلك ؟ لكنها الحقيقة اتعلم اني كنت اقطن بإحدى أفقر أحياء البلد و مازالت كل ذكرياتي تقطن هناك.
-هذا ليس عيبا .
-لم يكن يوما الفقر فقر مادة ، الفقر فقر القيم .
-كلامك على حق يا سيدي .
-أنا الليلة ضيفك لا تناديني بسيدي .

لم يكن البيت واسعا ، محدود النظر ، فضل النوم في الصالون ، كما اعتاد على ذلك و هو طفلا ، قرر أن يتوسد بساطة روحة الذي كان يخفيها منذ زمن طويل، ثم صدفة اقتحمت أفكاره تلك الفتاة ذات القيم الرجولية ، ربما جاءت تواسي وحدته ،فمنذ أن رآها لم تفارق ملامح وجهها باله قط ، ما الذي يحدث ؟ لما أتحدث كعاشق مزقه الحنين ، ربما لا تعلم حتى بوجودي علة هذه الأرض فلماذا لم أعد قادر على نسيان رنات صوتها و موقفها المضحك الذي يعني في حقها الكثير ، كل هذه التساؤلات لم يجد لها جوابا ، ظل يسرجع ذكريات طفولته البسيطة و يبتسم من حين لآخر، اطفئ هاتفه النقال رغبة في الانعزال عن روتينه الممل ، نام و هو يجهل أن تلك الأنثى المجهولة ستقلب حياته رأسا على عقب .

ظلمة طيف . حيث تعيش القصص. اكتشف الآن