بعد ما أكملت السيدة زينب بنت علي عليهما السلام كلامها الموجه الى الطاغية يزيد وفضحها وكشفها لجريمة قتله لأخيها الحسين وأهل بيته وصحبه الكرام وما أثارتهُ هذه الخطبة من أسى وشجون في قلوب الحاضرين لمقتل آل بيت نبيهم محمد (ص) , شعرَ الطاغية يزيد حينها بالحرج الشديد أمام الحاضرين , و أراد أن يعيد لنفسه قدرا من الهيبة والأعتبار , فأمر بمنبر , وأوعزَ إلى أحد جلاوزته من وعاظ السلاطين بالصعود على أعواد المنبر ليكيل المديح والأشادة والتمجيد ببني أمية ومعاوية ويزيد , والنيل والسباب والشتم للأمام علي وفاطمة بنت الرسول وجميع أل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال له الأمام علي السجاد(ع) : ( ويلك أيها المتكلم , أتشتري مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوء مقعدك من النار ثم ألتفت الى يزيد فقال له أتسمح لي أن أصعد هذا المنبر وأتكلم بكلمات فيها لله رضى ولهؤلاء الجلوس أجرا وثواب , فلم يأذن له يزيد فقال له من في المجلس , ائذن له يا أمير المؤمنين لنسمع ما يقول , فرد عليهم الطاغية يزيد بقوله : ( إذا صعد المنبر لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان , فقيل له : ما قدر ما يحسن هذا الغلام , فقال كما ينقل ذلك الرواة : أنه من أهل بيت زقوا العلم زقا ! فلم يزالوا الناس على إلحاحهم , حتى أذن له فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه وقال :
( أيها الناس لقد أُعطينا ستا وفضلنا بسبع . أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة وفضلنا بأن النبي المختار (ص) منا , والصديق منا , والطيار منا , وأسد الله وأسد رسوله منا والسيدة الزهراء منا وسبطا هذه الأمة منا ثم تابع قائلا :
( أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي . أنا أبن مكة ومنى , أنا أبن زمزم والصفا , أنا أبن من حمل الركن بأطراف الردى , أنا أبن خير من ائتزر وارتدى أنا أبن من طاف وسعى , أنا أبن خير من حج البيت الحرام ولبى , أنا أبن من حمل على البراق في الهوا , أنا أبن من أسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى , أنا أبن من سعى به جبريل إلى سدرة المنتهى أنا أبن من تدلى فكان قاب قوسين أو أدنى , أنا أبن من صلى بملائكة السما , أنا أبن من أوحى الجليل ما أوحى , أنا أبن محمد المصطفى وعلي المرتضى , أنا أبن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله , أنا أبن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين ... ولم يزل يقول ويعدد أنا أنا ... ويذكر مآثر جديه رسول الله وأمير المؤمنين علي وأبيه أبي عبدالله الحسين ويذكر ما جرى في طف كربلاء حتى ضج الناس جميعا بالبكاء والنحيب حتى خشي يزيد أن ينتفض أهل الشام علية فأمر المؤذن بالأذان ليقطع حديث الأمام السجاد . فلما قال المؤذن :
الله أكبر قال علي السجاد (ع) : لا شئ أكبر من الله , ولما قال أشهد أن لا إله إلا الله , قال الأمام (ع) : شهد بها لحمي ودمي وبشري وشعري , ولما قال : أشهد أن محمد ا رسول الله , ألتفت علي أبن الحسين إلى يزيد أبن معاوية وقال :