وفي احد البيوت الكبيرة قليلاً ، دخل شابٌ طويل القامة يبدو انه تجاوز الخامسة والعشرين، طرق باب احدى الغرف ، ظهر صوت انوثي ناعم :
" تفضل اخي "
دلف إلى تلك الغرفة ، إقترب من فتاة متوسطة الطول ، خصلات بنية اللون طويلة لاسفل خصرها ، بعينين خضراوتين وبياض ناصع ، نطقت بمرح :
" اخي ابراهيم اريد بعض الشوكولا ، فانا بشوق لها "
قال بحنان :
" اجل عزيزتي جودي ، سأحضرها لك اليوم ، ولكن كيف حال عينينك ؟"
نظرة يأس احتلت عينينها التي فقدتا حياتهما ورونقهما قالت وكأن تلك الغصة الحبيسة كادت ان تخرج :
" كحالهما ، لا استطيع الرؤيا ، منذ قدومي لهنا وانا لا استطيع رؤية ما تراه ، لا استطيع رؤيتك ، ملامحك ، ابتسامتك ، كلها فقط مجرد مشاعر تعطيها لي ، لا استشعر بها ، لان قلبي قد تجمد ، كحال تلك العصا التي اتكأ عليها ، ولكن حمداً لله ، فغيري لا يستطيع ان يعيد بصره ولكن انا يمكنني "
سقطت تلك الدمعة التي حاولت حبسها ولكن هيهات ، وابراهيم واقفٌ والحسرة تنهش به وبجسده ، وتلك الاسئلة التي تخنقه ، كيف سأقف بجانبها ؟ كيف سأخفف عنها ؟ هي ليست سوى فتاة بالسابعة عشر من العمر
اعتذر من اخته الصغيرة وخرج من الغرفة وقف على بابها وبدأت شهقاته بالظهور ، ظن انها لم تسمعه ولكن قوة سمعها اقوى بكثير ، بكت جودي على صوت شهقاته وهي تكتم ، مسح دموعه بعد لحظات وخرج وكأن البرق يتطاير من بين مقلتيه
عادت دارين إلى شقتها ولكن على قدامها ، فذلك الهواء لا يعوض مع بعض قطرات المطر الخفيفة ، بدأت تتامل السماء والغيوم وتلك الحبات التي تسقط عليها بهدوء وتنشر في جسدها الطمأنينة والسكون ، ولكن شعرت بأن احد خلفها ، صوت خطواط قادمة ، اسرعت قليلاً والخوف زرع بين نبضاتها التي بدت كأنها في سباق ، اقترب اكثر ،قال بصوت خافت لم تسمعه سوى دارين :
" لا تعتقدين انك ستهربين، ستصل يداي لعنقك ذات يوم ، لذا دعي من نفسك تستعد لاسلب روحك ، سنتواجه دارين "
لم تتمالك دارين ما سمعت وكأن كل قوة جسدها وضعتها بقدميها ، واسرعت بالركض ولم تنظر للخلف ابدا ، دخلت المسكن ، ثم غرفتها ، واقفلت الباب بسرعة ، تلهث بقوة ، اعاد سمعها تلك الكلمات ، لتتناثر دموع خوفها بشدة وتبكي بصمت ، فهي راجعت كل حياتها ، لم تسئ لاحد يوماً ، اتصلت بعيسى ولكنه لم يجب ، ازداد بكائها اكثر ، فهي بحالة من الهلع ، تحتاج احداً وبقوة وبعد مضي الوقت ، نهضت ونظرت من النافذة لترى احدهم يرتدي بدلة سوداء لم ترى ملامحه ، فقط ابتسامة شريرة طبعت في بؤرتان دارين ، اغلقتها بسرعة وبدأت بتهدئ نفسها ببعض الآيات القرانية التي تكررها
أنت تقرأ
ذكريات ومطر
Mystère / Thrillerوحين سقوط تلك القطرات ،تعبق بذكريات ما إن تلامس حبتها جسدك سيدخل إليك الحنين ، وما إن تستنشق تلك الرائحة يزرع في قلبك مفتاح للصندوق الذي طالما حاولت اغلاقه ، ولكن ماذا لو كانت تلك الذكريات تتناول كل شيء ، فهل ستتجرأ على الوقوف تحت المطر ام ستتجنبه !