د. محمد الحضيف عائشة في غرفة التشريح

512 1 0
                                    

عــائشـــة .. في غـرفة التشـــريح ..!

الكاتب: محمد الحضيف - يوم: 16 مارس, 2008

بدأ حلماً .. يراودها ، منذ تسع سنوات . وقتها .. كانت في الصف الثالث الابتدائي ، حين صارحت أمها ، بأمنية ( بريئة ) كأحلام الطفولة ، بعد موقف مرّ بهما . موقف ظل يتكرر كثيراً ، في أعوام تالية ، كلما أخذ والدها والدتها إلى المستشفى ، للكشف عليها .. حين تمر بعارض صحي . تسمع توسلات أمها عميقة ولحوحة ، وهي تتمنّع في بعض المرّات ، عن الذهاب إلى المستشفى ، رغم وضعها الصحي السيء ، ثم توافق على مضض :

- أرجوك يا ناصر ، إذا كان دكتور ، لا أريده أن يكشف علي ..!

في كل مرّة ، كان زوجها يرد بحزم :

- ليس عندنا حل ثانِ يا مها ، إذا لم يكن هناك دكتورة ..

- لا .. أرجوك يا أبا أحمد .. أموت ، ولا يكشف عليّ رجل .

سنوات تمضي ، ومشهد يتكرر . في إحدى المرّات .. تتذكر أن والديها ، عادا من المستشفى ، بكيس من الأدوية . أبوها كان هادئاً ، لكن والدتها بدت بحالة نفسية متردّية ، أسوأ من تلك التي ذهبت بها . سمعت والدها يتحدث .. يطمئنها ، ويؤكد بأن حالتها عادية ، ولا تستدعي القلق ، وأقسم على ذلك عدة مرّات .. وأن الطبيب أخبره بذلك . ثم ختم حديثه قائلاً :

- وكان كذلك ، مؤدباً جداً .. وهو يكشف عليك . أليس هذا هو المطلوب ؟

أفرغ كيس الأدوية على طـــاولة صغيرة ، في وسط غرفة النوم ، وأخذ يستعرض تعليمات الاستعمال ، الملصقة عليها :

- كل شيء واضح .. أهم شيء الالتزام بالمواعيد .

نظر إلى ساعته وقال :

- سأخرج للصلاة الآن ، ولدي موعد بعدها ، استريحي .. عائشة ستساعدك .

نادى على ابنته ، وقال ممازحاً :

- أكيد تعرفين .. تقرأين ..؟

هزت رأسها ..

- شوفي التعليمات المكتوبة على الأدوية ، وأعطيها ماما .

جثت على ركبتيها قريباً من الطاولة ، ثم التقطت منديلاً ورقياً ، وفرشته في إحدى زواياها . شرعت تقرأ الإرشادات ، المرفقة مع كل علبة دواء ، ثم تفتحها ، وتأخذ منها ، حسب ما هو مبين في ملصق التعليمات ، وتضعه على المنديل ، حتى مرّت عليها كلها ، وأعادتها بعد ذلك إلى الكيس . أحضرت كأس ماء ، ثم جمعت الدواء في المنديل ، واتجهت إلى والدتها ، التي كانت قد استلقت على السرير ، ووضعت وسادة على وجهها :

- ماما .. الدواء ..

التفتت الأم ، بعد أن رفعت الوسادة عن وجهها ، ونظرت إليها بعينين مبللتين . مدت يدها إليها لتأخذ الدواء ، وبقايا ألم ما زالت في العينين .. تحاول أن تواريها :

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 19, 2010 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

د. محمد الحضيف عائشة في غرفة التشريححيث تعيش القصص. اكتشف الآن