...
المباني سيئة ، تحجبني عن صديقي الوحيد،
أتراهُ اشتاق إليَّ كما أفعل أنا ؟
سئمتُ من شتم المباني شاهقة الارتفاع لما لا تنهارُ فحسب.
وجدتهُ أخيرًا..
لا يبدو لي حزينًا !
إنهُ يشعُ بوضوح .. ألم يفتقدني إذًا ؟
لا بأس لعلّْهُ سيفعل في المرةِ المُقبِلة.
...
نقطةُ ضعف رفيقي واضحة ، ربما؟
عالأقل بالنسبةِ لي، هو وحيد، غارقٌ في الظلمة، سوداويٌ للغاية.
يحتاج القليل من شيءٍ ما،
انتِباه
حُب،
ضِياء.
صَديقِي وَحيد.
...
الطرقاتُ غارقةٌ بالماء، لِما على الأرض المسكينة تحمُل أحزان ودموع السماء؟
السماءُ أنانية،
لا ترضى بأن تكون الوحيدة التي تُعاني،ُ
تشرِك الجميعَ في حزنها.
أنا أيضًا أريد سكب أحزاني هُنا وهُناك لكنني لا أستطيعُ فحسب.
أكمل السيرة بلا وجهة، أصلُ لبحيرةٍ صغيرة، أنظرُ للسماء وقد ابتلت ثيابي بسبب دموعها.
القمرُ موجود ، أتراهُ هُو من أحزن السماء؟
"القمرُ لم يجعلها تبكي"
أشحتُ ببصري سريعًا، نظرتُ لمصدر الصوت
شابٌ بشعرٍ أسود متفحم، ثيابهُ مبللةٌ كخاصتي
نظرَ نحوي وابتسم."القمرُ ليس مؤذيًا ،السماءُ حساسةٌ فحسب ربما ضايقتها السُحبُ فبَكت ؟ أو لعلَّ الشمس أزعجتها بضوءها الساخن فانسكب عرقها."
"كيفَ عَلِمت؟!"
سألتهُ بحَذر ..
"سمعتكِ تتذمرين من القمرِ البارحة، المقهى ذو الألوان الداكنة
،أنتِ ترتادينهُ دائمًا."
أجابني وأعاد ببصرهِ نحو السماء.
تجهّم وجهي، زفرتُ باستياءٍ وقُلت:
"لِما تظنُّ أنَّ القَمر ليس مُؤذيًا؟
هو يسرق ضياءَ الشمسِ ليتباهى بهِ."
"القمرُ وَحيد، لا يحوي سكانًا، لا ضوء، لا حياة، ظُلمَةٌ فحسب، مالضيرُّ في استعارةِ ضوءٍ بسيط؟
ضوءٌ قد يجعلهُ محطَّ الانتباه، يجعلهُ مفعمًا بالحياة ،الشمسُ تكملُ العيش و وحدتهُ تتلاشى"
نَطقُ وابتسامتهُ تتسعُ ببطء.
"وكأنَّك تعرِفه"
كانت نبرةٌ ساخرة، النبرةُ التي حدثتهُ بها.
"ماذا عنكِ؟ أتعرفينه؟"
صوَّب نظرهُ نحوي.
"لا،
لكنَّ افتراضاتي منطقيةٌ بعكسك"
ابتسمتُ و كسرتُ تحديقاتنا الطويلة، حولتُ اتجاه تِلكَ التحديقات نحو السماء
"القمَرُ لا يبدو وحيدًا، النجوم تُحاوطه"
بلا إدراك، جلستُ بالقرب من ذلك الشاب، أخرجتُ علُبتان من حقيبتي، مددتُ واحدةً نحوه.
"شكرًا لكِ، لكنني أُفضِلُ العودة للمنزل دونَ أن أترنح"
رفضها بلُطف.
"لكنَّ النجومَ بعيدة، هي ليست بقربهِ تمامًا"
أجاب ما سألت ثُمَّ طرَح سؤاله:
"أسيكون من الجيدِ أن تشربي الكثير؟ الوقتُ قد تأخر"
"لا بأس"
همهمت ونظرتُ للسماء، القَمرُ تحديدًا.
أهو حقًا بتِلك الوحدة !
مضى الوقت دون أن يتحدَث أحدٌ منا،
نهضتُ من حيثُ كنتُ أجلس،
نظرتُ نحوه.
"ما أسمك؟!"
"أنا مجردُ صَديق، صديقٌ للقَمر"
"فلتكُن بخير، مُحامي القَمر"
"وأنتِ أيضًا، عدوةُ القَمَر"