-أرض الغموض

2K 29 0
                                    


كانت الفرس مخلوقة صغيرة قوية لها عينان لطيفتان لم تر مثلها فى الجياد لونها لم يكن مميزاً كان رمادياً تتخلله بقع بيضاء فى مؤخرتها.بالمقارنة مع الجواد الذى كان فى الدير كانت هذه أصيلة وأنيقة أحست جنيفر بالسعادة لأنها أمضت وقتاً طويلاًفى الدير مع ذلك الجواد الإنكليزى تعتنى به وتنظفه وتمطيه بدون سرج .
لكن أنريكو لم يكن مقتنعاً بقدرتها على الإمتطاء فجعلها تمتطى الفرس وتدور بها مراراً حول الحظيرة إلى أن أقتنع إنها قادرة على السيطرة عليها .
كان ذلك فى صباح اليوم التالى لوصولها عندما أستيقظت يرافقها أحساس بالوهن فى عزيمتها وهذا أمر غير عادى لها إنها عادة نشيطة متفائلة لكنها فى ذاك الوقت أستلقطت بضع دقائق تراجع أحداث الأمسية السابقة....
ألتقت بـ أنريكو بيغليو على طاولة العشاء إضافة إلى أنريكو وكاترينا بعد أن تعاونا فى تقديم العشاء على الطاولة أحست جنيفر بالخوف من جسد أنريكو الضخم وشعره الأسود المتجعد النامى حتى خديه ليلتف قرب أنفه مشكلاً شارباً ضخماً لكن ضحكته القلبية كان ترن دائما فى الغرفة العالية السقف وقد أسعدتها ممازحته المزعجة لـ كاترينا وجعلها صديقته إلى الأبد
أما ريكو فكان مختلفاً قدمه نيل على أنه شقيق كاترينا رؤيتهما معاً أوضحت الشبه لـ جنيفر فكلاهما أسمر أدكن رغم قسماتهما الأسبانيةلكن كاترينا كانت أجمل وربما فى أواخر العشرينات من عمرها بينما لم يتجاوز ريكو عمر جنيفر.خلال العشاء لم يتبادلوا الحديث كثيراً بل أخذت كاترينا تسأل نيل عن رحلته بينما أنريكو يلقى النكات على حساب مديرة المنزل
كشف أنريكو النقاب عن معرفته بـ هارفى هانت أيضاً وأسعدها أن هذين الرجلين لم ينسيا والدها
فى الصباح أستيقظت جنيفر باكراً فجسدها لم يعتاد بعد على تغيير الوقت بين القارتين بعد تأكدها من استغراق الأنسة تيوبولت بالنوم نزلت سعياً وراء الفطور فلمحت كاترينا تتجه نحو ممر يقود إلى مؤخرة المنزل فتبعتها لتشاهد بإهتمام أن الممر الذى تعلوه قنطرة يطل على باحة داخلية.كان مقصد كاترينا باباً فى مؤخرة الممر ودون تفكير او تردد لحقت بها جنيفر.
وجدت نفسها داخل مطبخ ضخم قديم الطراز حرارة الموقد شديدة فيه رغم وجود باب عريض يطل على الباحة الداخلية حيث ترتاع الدجاجات.
وجهت كاترينا نظرة بطرف عينها إلى الفتاة التى لحقت بها قبل أن تتوجه إلى الفرن وتسحب منهصينية ملئية بأرغفة بنيةذهبية لذيذة الرائحة وضعتها على الطاولة ثم أغلقت باب الفرن فقالت جنيفر:
-صباح الخير!
فردت كاترينا عابسة:
-صباح الخير
حاولت جنيفر أن تكون أكثر تمدناً :
-هل تصنعون خبزكم هنا؟
فنظرت مدية المنزل لها بإزدراء:
--ليس لدينا محلات هنا سنوريتا ولا نستطيع الذهاب إلى....ماذا يقال له....أهـ السوبر ماركت كلما أحتجنا إلى رغيف
-فى الدير كنا نصنع خبزنا بنفسنا كذلك
-الدير! هل كنت راهبة؟
-أوهـ لا....كنت أعيش فيه إنه نوع من المدرسة الداخلية والدى أرسلنى إليه عندما كنت صغيرة
-والدك ؟ الرجل الذى جعل نيل مسئولاً عن أبنه؟
-لا....لا فى الواقع كنت أنا
-أنت؟
-أجل...أترين ! والدى كان دائماً يريد صبياً لذا كان ينادينى جيف وبالطبع أستخدمت أناذلك الأسم
-كة تخدعى نيل .كى تأتى إلى هنا كى تجعلى منه مربية أطفال!
-لا....فأنا لست طفلة
-لا....أنت لست طفلة إذن لماذا لا تعتنين بنفسك؟
نظرت جيف حولها متنهدة متمنية أن يدخل أحد لتغيير الجو المشحون ثم قالت:
-أنظرى...أليس من الأجدى أن تبحثى تذمراتك مع مخدومك؟فأنا جائعة.هل لى ان اتذوق خبزك ذو المظهر اللذيذ؟ .
زودتها كاترين بصمت بالخبز والذبدة ومربى الخوخ ثم كذلك القهوة وعندما أوشكت جنيفر على الأنتهاء من شرب القهوة أطل أنريكو وسرعان ما شعرت جنيفر بجو من التنافر بين الأثنين.
حيا أنريكو مدبرة المنزل بصفعة على مؤخرتها وهى تنحنى لتضع الحطب فى الموقد وكانت ردة فعلها شرسة كما كانت عند العشاء فى الليلة السابقة ودون أن يرد أستدار أنريكو إلى جنيفر :
-كيف حال ضيفتنا اليوم؟ ألم تنامى جيداً؟لقد استيقظت باكراً!
هذا لأن الوقت الآن فى إنكلترا يتجاوز العاشرة وأعتقد انكم صحوتم باكراً
-هذا ما قلته لك؟
أشار بإصبعه إلى مدبرة المنزل أتبع هذا بإشارة صرف من يده :
-أتظنين أنى سأترك الراحة والدفء فى فراشى باكراً لو لم أكن مضطراً ؟أنا ونيل توجهنا إلى فناء الماشية عند الخامسة والنصف كنا....كما تقولين....نضع علامات عليها
-تسمونها؟
ضحك أنريكو وهز رأسه:
-سى...هكذا!
وضع ملقاط النار فى النار ثم أخرجه يتصاعد منه الدخان ووضعه على ظهر كاترينا التى قفزة إلى الأمام مجفلة غاضبة ورفعت جنيفر يدها إلى فمها برعب ولكن رئيس العمال كان يمزح وتعالى صوت ضحكته ثم قال ساخراً:
-ما بك كترينا هل ظننتنى سأضع وسمى عليك....يا حبيبتى؟.
ثم ألتفت إلى جنيفر :
-بونيو سنيوريتا..إذا كنت جاهزة فالأوامر وضعتنى تحت تصرفك
-تحت تصرفى؟
- سى....هل تريدين رؤية شئ ما من المزرعة؟هل تركبين الخيل؟قال نيل انه يجب أن أعلمك....
-أنت؟
-هيا بنا
فقالت كاترينا :
-أجل سنيوريتا أذهبى معه....فلست أطيق رائحة الخنزير هنا
رافقتهما ضحكات أنريكو حتى الخارج وما ان أصبحا بعيداً عن السمع حتى قاللها:
-لا تقلقى بالاً لـ كاترينا سنيوريتا أنا وهى عدوان قديمان زوجها كان أفضل أصدقائى ولكنها لم تحبنى قط ...ربما لأننى أعرف أى نوع من النساء هى
-وهل هى متزوجة؟
-ليست الآن فزوجها مات...هى قتلته ليس فعلياً بل بسبب طموحها وجشعها إلى المال الذى جعل المسكين الغبى يجهد نفسه حتى الموت ليرضيها
د ذلك تابعا طريقهما إلى الحظيرة ثم قدم لها الفرس التى تمتطيها الآن طبعاً بعد ساعة من التمرين أى بعد أن اطمأن أنريكو لسلامة ركوبها عليها . ولكنها الآن شعرت بإرتخاء فى ساقيها فقال أنريكو مازحاً:
-ما بالك يا أنستى....ألا ترغبين فى القيام بنزهة؟
فنظرت إليه بإمتعاض :
-أنت تعلم كم اتألم لماذا لم تدعنى أستخدم السرج مثل أى شخص آخر؟
-ألا تعلمين ان من الأفضل فى بلاد كهذه أن تتعلمى الطريقة الصعبة؟وركوب الخيل بدون سرج إنجاز هام أنه يعنى أنك تسيطرين عليه أنه الأتصال الجسدى...ها.والآن لن تنسى ما تعلمته فأنت بت تعرفين الأحساس بالحيوان التلامس....ها؟
التلامس....مرة آخرى تلك الكلمة! أبتسم أنريكو مشجعاً:
-هل سامحتنى على هذا الدرس؟
أحست بالندم لغضبها منه :
-أوهـ...أجل...أعتقد أنى سأسامحك......شكراً لك
-شكراً لى؟على ماذا؟أعلى ما سببت لك من ألم؟...لا أنظرى أليست هذه السيدة العجوز التى ترافقك؟
-أنسة تيوبولت؟
التفتت الأنسة تيوبولت فوجدتها تقطع الممر بين الحظائر بإتجاهما فأحنى أنريكو رأسه ليهمس لها:
-هل سنعلمها الركوب؟أستطيع أعارتها سروالاً وقميصاً؟ .
فتجاهلته لتسير نحو الأنسة تيوبولت متألمة ولم يفت هذا السيدة فنظرت إليها أولاً ثم إلى العملاق الضاحك ورائها :
- جنيفر!
-مرحبا أنسة تيوبولت أسفة إذا كنت أقلقتك ولكن...كما ترين؟؟
-ماذا فعلتن بنفسك؟
نظرت إلى أنريكو, وبكل وقار الرجولة فيه أنحنى لها محيياً وخطا إلى الأمام قائلاً:
-كنت أعطى صديقتك الشابة درساً فى ركوب الخيل سنيورا وللأسف....كيف أقول؟....بالغت....
-بالغت....؟بالغت فى ماذا؟
فتنهدة جنيفر وأخبرنها أن ظهرها يؤلما من التمرين
فصاحت الأنسة تيوبولت :
-وفى هذا الحر؟أتريدين أن تمرضى حال وصولك إلى هنا؟
وما ان قالت هذا حتى أحست جنيفر فعلاً بالحرارة مست جبينها المبتل بالعرق فعلمت أن وجهها أيضاً يرشح عرقاً وتابعت الأنسة تيوبولت :
-ألا تدركين أنك قد تكونين شديدة الحساسية فى طقس جديد عليك؟
ولكن جنيفر تجاوزت أحتجاجاتها وقالت:
-هل قابلت أنريكو؟
وتم التعارف وهذا ما أوقف تماماً أى أعتراض من جهة الأنسة ولكن أنريكو تبع مرحه وأصر على تقديمها إلى الفرس ولأن الفرس لطيفة وهادئة سرت بها الأنسة تيوبولت كثيراًة ولكن اثناء عودتهما إلى المنزل عادت إلى هجومها:
-يجب ان أخبرك أننى دهشت عندما سمعت أن السيد ستيوارت أقترح السنيور بيغليو مرشداً لا يبدو على الرجل أى أثر لتمدن أتظنين هذا؟له أنف كبير....هل هو هندى؟
-الهنود لا يتركون أى شعر على وجههم عادةً
ذكرها الهنود أعاد تذكيرها بنيل فظللت عينيها بيدها تنظر عبر الوادى لكنه كان واسعاً ممتداً بحيث لم تتمكن من رؤية أكثر من أمتداد طفيف لأرض معشوبة وإنحناء للنهر الأزرق المائل إلى الرمادى تحت السماء الزرقاء المشعة وشاهدت تصاعد غبار شاحب على بعد وهذا قد يعنى أى شئ لكنها تمكطنت من سماع أصوات مألوفة للبقر من بعيد وأصوات الدجاج فى المنزل
من هذه الزاوية يبدو المنزل مختلفاً المستودعات المسقوفة كما قال لها أنريكو تحتوى على كل شئ ضرورى لمجتمع بحجم هذا المجتمع إضافة إلى علف الحيوانات وإلى الأت الزراعة وأدوات فخارية وجلود وطعام مجفف ولحم مقدد للحالات الطارئة وهناك كذلك محل للحدادة بين الحظائر وأمكنة مسقوفة لجز صوف الخراف الموجودة الآن فى مراعى الجبال والمنزل بحد ذاته هو الأساس فى إدارة المزرعة أى المحور الذى تدور عليه عجلة مختلف وجوه الحياة فى سان غبريال
تساءلت مع نفسها عما إذا كان نيل سيعود وقت الغداء لكنها ظهراً خاب أملها فالوجبة التى قدمت فى المطبخ رغم أمتعاض الأنسة تيوبولت كان يشاركهما فيها كاترينا وريكو
أنريكو أختفى لأكمال عمله أما جنيفر فلاحظت أن رفيقتها تجد الحياة هنا مختلفة كثيراً عما أعتادت عليه وفكرت للحظات فى ما قد تفعل أن أختارت الأنسة تيوبولت توضيب أغراضها والعودة إلى أنكلترا.فمن الممكن أن تجد الحرارة أو العزلة أو حتى تصرفات كاترينا أكثر مما تستطيع تحمله وتقرر أنه مهما كانت ظروفها بائسة فالحياة فى بلدها افضل حالاً من العيش فى هذا الوادى النائ
مهما كانت حالتها فهى أولاً وقبل أى شئ سيدة مهذبة والمزاج الجلف الذى يخرج من أمثال أنريكو بيغليو إنما سيزيد الفوارق
تنهدت جنيفر وحاولت التركيز على الطعام أمامها يجب إلا تفكر بتشاؤم فعلى كل الأحوال الأنسة تيوبولت أبلغت بظروف الحياة هنا وان كانت الحياة مختلفة عما تصورتاه فهذا لا يعنى أن الحياة لن تكون مقبولة لهما

اهديتك عمريOù les histoires vivent. Découvrez maintenant