في زقاق عفن لا يسمع فيه إلا أصوات الأنين و السعال ،يجلس طفل في السادسة من عمره ذو شعر أسود و أعين زرقاء هزيل الجسد ذووجنتين محمرتين زادت وجهه الأبيض جمالا ،لا يكسو جسمه سوى قميص صيفي ممزق و بنطال صوفي مهترء يخاطب أحدهم قائلا :يوما ما سأحقق كل ما أريده و سأحظى بكل الأشياء التي أرغب بها ،فقط راقبني ياصديقي
لا يسمع ردا فينظر إليه فيجده قد نام في حضنه تعلو فمه ابتسامة لكنها لا تدوم حيث يتحدث شخص بالقرب منه بصوت متحشرج من شدة السعال
"ألا تفهم يا أحمد بأنه لن يرد عليك يوما"
أحمد:دائما ما تقول هذا الكلام أيها الجد عصام ولكن ردي سيبقى نفسه ،أنا لا أثق بأحد سواه و حتى ان لم يرد علي فيكفي أنني أشعر بالراحة حين أخبره ما بداخلي
الجد عصام:يا صغيري إن الذي تتحدث معه لن يستطيع أن يفهمك يا صغيري مهما أخبرته،فبدل التحدث معه ابحث عن صديق يلعب معك و يحادثك
أحمد:ولكن يا جدي من ذا الذي يقبل بأن يحدثني فكلما أقترب من أحد الأطفال حتى يصرخ والديه في وجهي و يطلبا مني الإبتعاد عن أطفالهم رغم أني لم أفعل شيئا خاطئا
لا زلت أتذكر أول مرة حاولت فيها الحديث مع طفل بنفس عمري فقد تلقيت صفعة من أخيه ،ولكن رغم ذلك فأنا سعيد فبسببه التقيت بأخي سيف ،
Flash back
بينما كان أحمد يجوب الشوارع بحثا عن بقايا طعام وجد بعض الأطفال يلعبون فإتجه نحوهم
أحمد :هل يمكنني اللعب معكم
أحد الأطفال بغرور:من أنت ياهذا
أحمد:أنا اسمي أحمد
الطفل:وماهذا الذي تلبسه
أحمد:إنه لباسي الوحيد
الطفل:لا يمكنك اللعب معنا فأنت متسخ قد تصيبنا الأمراض ان لعبنا معك
بقية الأطفال:معك حق يا عماد
عماد:أطلب من والديك أن يشتريا لك ثيابا جديدا و كذلك حذاءا
أحمد:لكني لا أملك والدين لدي جد فقط
عماد :إذن فالتطلب من جدك ذلك
أحمد:حسنا في المرة القادمة سأشتري ملابس جديدة ،لكن هل تسمحون لي باللعب معكم قليلا
عماد:حسنا يمكنك ذلك ،هل تجيد العد يا أحمد
أحمد :العد ماهو هل هو لعبة جديدة
أحد الأطفال :هذا ما ينقصنا فقير وجاهل ،ألم تدخل المدرسة من قبل
أحمد :المدرسة جدي عصام أخبرني أنها مكان جميل يكون فيه الكثير من الأطفال يلعبون معا و يمرحون كثيرا
ضحك جميع الاطفال بعد سماع حديث أحمد ،وهذا أثار استغرابه هل هم يضحكون لأنه قال شيئا سخيفا و لكن هذا ما قاله جده له،صرخ عماد فسكت كل الأطفال
عماد :هيا دعونا من الكلام أحمد بما أنك لا تعرف العد فكل ما عليك القيام به هو الإختباء و أن لا تجعل أحد يراك و ان نجحت ستكون الرابح في هذه اللعبة
أحمد:إنها لعبة سهلة فأنا بارع في الركض والإختباء
عماد :حسنا فالنبدأ،بعدها أشار إلى أحد الأطفال قائلا :قم بالعد إلى العشرون يا محمد و بدون غش
محمد:حسنا هيا أسرعوا و اختبأو جيدا لأني عندما أجدكم سأقوم بعضكم
ضحك الأطفال على حديث صديقهم ،أما أحمد فقد شعر بالسعادة لأنه أصبح يملك أصدقاء أخيرا ،اختبأ الأطفال ورغم محاولاتهم إلا أن محمد قد وجدهم ولم يبقى إلا أحمد وبينما هم يبحثون عنه صرخ أحدهم بنبرة هلعة:هل رأيتم ساعة أبي الذهبية
التفت جميع الأطفال إليه
عماد :لقد كنت ترتديها قبل أن نلعب الغميضة يا سامي لا بد أنها سقطت في مكان اختبائك فلا أحد منا سيأخذها في هذه الأثناء جاء أحمد راكضا نحوهم تحدث وهو يلتقط أنفاسه
أحمد:يبدو بأنكم قد نسيتموني و أنت لم تجدني يا محمد
محمد :أين كنت مختبأ ياأحمد
أحمد:لقد كنت مختبأ تحت طاولة لبيع الخضار و قد ظن البائع بأني سارق فصرخ في وجهي
سامي :يبدو بأني عرفت أين ذهبت الساعة
عماد، محمد وبقية الأطفال :حقا أين هي
بعدما رفع عماد بصره تحدث وهو ينظر لشاب قادم باتجاههم:من الجيد أنك وجدتها لأن أخاك قادم ،فلو عرف بأنك أضعتها لأحال حياتك جحيما فهو عصبي لدرجة مخيفة
محمد:هيا أخبرنا أين أضعتها بسرعة قبل أن يصل أخاك
أحمد :هل أضعت شيئا يا سامي
سامي:أضعتها ،بل قد تمت سرقة ساعة أخي فلا تدعي الجهل يا أحمد وأخبرني أين خبأت الساعة
صدم الأطفال ولكن أكثرهم صدمة أحمد
أحمد:أنا ولكني حقا لم آخذها
و في هذه الأثناء وصل شاب مفتول العضلات أشقر الشعر و عيناه خضراء ،زمجر في وجه سامي:كم مرة أخبرتك ألا تعبث بأغراضي أعطني ساعتي الآن ياسامي
قال سامي بنبرة خائفة مرتجفة ببنما كامل جسده يرتجف من نظرات أخيه التي تكاد تخترقه كالسيف :أخي لقد كنت أرتديها ولكن هذا الطفل قام بسرقتها ،ووجه اصبعه المرتعش مشيرا نحو أحمد الذي أجابه فورا:أنا لم آخذها قوطع أحمد إثر ألم الصفعة التي خلفت احمرارا حارقا فمن شدة قوتها استدار وجهه للجهة الأخرى
زمجر بسام في وجهه و بعد ان نظر له من رأسه إلى قدميه اسودت نظراته قال صارخا في أحمد:انت أيها اللقيط القذر كيف تتجرأ على سرقة أغراض ليست لك أيها المشرد ،أحمد كان يستمع لكلامه رغم أنه لم يفهم العبارات التي قالها له لكن فهم بأنه شتمه بكلمات سيئةأخذت الدموع تنساب على وجهه الصغير إضافة إلى الصداع الذي داهمه اثر تلك الصفعة ،أما بقية الأطفال مرعوبين ،لم يكتفي بسام بهذا بل قام برفع أحمد من عنقه حتى شعرالأخير بأنه بدأ يفقد أنفاسه وبينما هو كذلك قفز كلب أسود اللون على بسام وعضه من يده التي يمسك بها أحمد حتى أفلته صرخ الأطفال رعبا من هذا الكلب الذي ظهر فجأة،بعد سقوط أحمد وقف الكلب أمامه وراح يزمجر في وجوه الأطفال وخاصة بسام فيبدو بأنه أصبح يحقد عليه ،راح يدافع عن أحمد بضراوة و يتصدى لهجمات حسام الذي يرشق الكلب بالحجارة وهذا سبب عدة جراح للكلب وخدوش لأحمد ،بعد التقاط أحمد لأنفاسه استطاع الوقوف وعندما رأى أن الوضع حرج جذب الكلب وفر هاربا بسرعة حاول حسام اللحاق به لكنه لم يستطع لأن أحمد أكثر معرفة بالشوارع فمن قد يعرفه أكثر منه وهو من عاش ولعب فيها بعد ركض دام طويلا شعر أحمد بأن أنفاسه تأخذ منه استند على الحائط فقد نال الجوع والتعب من جسمه الهزيل و ماهي إلا لحظات حتى وقع غائبا عن الوعي ،كان أحمد غارقا في النوم يشعر بدفئ لم يعتد عليه و شيئ لزج يتحرك على خده فتح عيناه ببطئ كانت الرؤية مشوشة فكل ما يراه هو لون أسود يتحرك أمام وجهه وبعد ان توضح بصره وجد أن الكتلة السوداء ماهي إلا كلبه ،تحدث شخص بالقرب منه رجل قارب على الأربيعينيات شعر أسود يتخلله بعض الشعر الأبيض يملك شوارب سوداء يرتدي نظارات طبية قائلا:و أخيرا استيقظت أيها الصغير هل تريد بعض الماء
أحمد:أجل من فضلك أيها العم ،شرب أحمد الماء ثم أردف مستفسرا كيف وصلت إلى هنا الرجل:يجب ان تحمد الله ثم تشكر كلبك يبدو أنك دربته جيدا فقد ظل ينبح أمام باب منزلي وما أن فتحته حتى دلني إليك،نظر أحمد متفاجأ للكلب الذي أنقذ حياته مرتين رغم أن لم يلتق به سوى منذ لحظات ،احتظن أحمد الكلب و قام بشكر الرجل على تضميده لجراحه وجراح الكلب ،واتضح ان الرجل الذي عالجهما طبيب يدعى سيف واهتم بهما وسمح لهما بالمبيت في منزله ،بعد شروق الشمس خرج احمد مع كلبه الذي قرر تسميته سيف لكي لا ينسى صنيع هذا الرجل ،واتخذ من كلبه صديقا و أخا
flash back end
استفاق أحمد من ذكرياته على صوت صراخ سيدة عجوز تصرخ قائلتا :النجدة ساعدوني امسكوا بذلك اللص فقد سرق حقيبتي