تلك الأريكة حيث يجلس كل منهما ، هذان الزوجان لا يهدأ لهما البال ، إلا اذا جلسا معا في ساعة متأخرة و كل منهما يرتشف من كأس الحليب الدافئ بيد ، و كتابا يحملانه باليد الأخرى ، حينها تبدأ فلسفتهما ، كل منهما يبوح بمشاعره للأخر ، يرتاح كل منهما في وجود الأخر ، و كأنما يحسان بإنتمائهما لبعضهما ، أليس هذا ما قد يحب أن يشعر به كل الأزواج ؟
.
" أنت تعلم أن نبض القلب إن لم يكن مسموعا في جزء من الجسد ، كيف أنه يبتر ؟ " تمتمت بصوت خافت لكنه مسموع بعد أن وضعت كأسها فوق المنضدة بجانبها
.
" أجل ، إن الأمر كذلك " رد عليها زوجها
" هكذا هو حبك بالنسبة لي ، فإن لم يكن مسموعا ، فأنا أحس و كأن شيء فيا يقطع ، أرى أنك بعيد عني هذه الأيام " حينها أمالت رأسها ناحيته ، كي تسمع شيء منه ، فقام بجذبها إليه ، و أحاط نفسه بذراعيها
" أنت تعلمين أنني لك ، قلبي لك ، روحي لك ، كلي لك ، لذا لا تقلقي فلطالما أن لدي قلبا ، فوجودك إلى جانبي هو ما يجعله ينبض ، تسللي بين ثنايا ضلوعي و استرقي السمع من بوابة فؤادي ، و اعلمي أن ابتعادك عني يجعل صوته يخبو " حينها أحنى رأسه إلى الأسفل ليطبع قبلة خفيفة على جبهتها
.
" أنت لم تعني لي شيء " حين حدثته بهذه الكلمات ، استطاعت أن تشعر بأن نبضات قلبه قد شد خفقانها ، كما لاحظت اتساع عينيه ، لتكمل " لقد عنيت لي كل شيء ، أخاف إن خسرتك ، أن أغرق في عتمة الكآبة ، و ألا أجد من يخرجني منها إلى النور " ثم صمتت لمدة ليست بالطويلة ، ليستأنف هو الحديث " أ تعلمين أننا نعيش مرتين ؟ " ، " كيف هذا ؟! " ردت هي ببريق في عينيها تتلهف للإجابة " مرة في حياتنا ، و الأخرى في حياة من أحبونا " ارتسمت إبتسامة خفيفة على كل منهما
.
" في بعض الأحيان أتسأل ما الذي أعيش لأجله ، حينها لا يجول ببالي غيرك ، لذا اعلمي أنني لن أتركك ترحلين حية " ، " أ هذا تهديد ! " ردت و هي تكتم ضحكتها ، " سنبقى معا إلى أن نشيخ و تظهر تلك التجاعيد على وجهينا ، مع ذلك ستبقين جميلة في نظري كما أنت الآن " ، أكملت هي قائلة " نحن نعيش لنجد سببا نعيش لأجله ، و عندما نجده ، نحن نتمسك به بكل ما أوتينا من قوة ، نذرف له الدموع ، نحرق له الدماء ، و نتصبب عرقا ، و نحن نحاول منعه عن الرحيل ، هذه فطرتنا و طبيعتنا ، اذا ليس في هذا عيب ، أن تتصرف على سجيتك " سكتا لمدة من زمن ليكمل كل منهما قراءة كتابه الذي يحمله ، لم يدم ذلك طويلا ، لتقوم زوجته بسؤاله مرة أخرى
.
" متى تظن أن الإنسان يكون في أضعف حالاته ؟ " سألته مترقبة منه إجابة ، لم يأخذ وقتا طويلا ليرد عليها بتردد " و هو كئيب ؟! " ، لتجيبه ب " لا ، بل عندما يحب بحق ، أن تحب يعني أن تخضع و تستسلم ، و إن خضعت لغيرك ، فقد أضعت نفسك ، سيصبح من تحب محور عالمك ، معقل تطلعاتك ، كل ما تفعله فهو لأجله ، و كلما قمت إلى عمل فستجده دائما يختبىء بين زوايا أفكارك " فنطق هو الأخر " و لكن ألا تظنين أننا الأقوى عندما نحب ، ذلك الشعور بأن هناك شخصا تتطلع إليه نفسي حينما تهرب من كل شيء ، فإن خذلتني الحياة ، و أجفل الدهر بابه في وجهي ، هنالك شخص يجب أن أعود إليه ، و أكون له السند ، بالنسبة لي ذلك الشخص هو أنت ، لذا أنا أقوى عندما تكونين بجانبي "
.
أخفضت رأسها ثم حدثته بصوت فيه القليل من الحزن الذي لم تستطع إخفاءه " ألهذا أنت دائما لا تحدثني عن ما يواجهك من صعاب و مشاكل ، تفضل أن تبلعها كلها ، لتجمعها كلها في فجوة قلبك ، فكما قلت لي ذات يوم ، نحن لا نحتاج الكلمات الطيبة و الإهتمام المفاجىء عندما نتألم ، نحن فقط نحتاج إلى شخص يربت على كتفنا ، يحضننا ، و يستمع إلى شهقاتنا المختنقة ، إلى ذلك الشخص الذي يبقى إلى جانبنا ، يخبرننا أن نبكي ألامنا ، و الحرقة التي تلسع روحنا ، لنعود إليه كما عهدنا من قبل ، لذا ألا يمكنني أن أكون لك هذا الشخص "
.
بقي كل منهما صامتا للحظات لتكمل هي " أظن أنك تحتاج إلى القليل من الوقت ، لتفاتحني فيما يشغلك و يرهق قلبك يا زوجي العزيز " ابتسم إبتسامة خفيفة ليرد " أرى أن زوجتي تفهمني جيدا " ، ضحكت ثم أضافت " لهذا أنا زوجتك أيها الساذج " ، نظر إليها بنظرة تعجب ليقول " أنا لست ساذجا ، بل على عكس ذلك أنا شديد النباهة و الدهاء " تعالت ضحكاتهما ليسود بينهما جو من التفائل و السعادة ، وضعت زوجته برأسها على كتفه ثم تثأبت بشكل خفيف ، لتغلق عينيها و تستسلم للنوم ، " أنت الوحيدة التي تستطيع سماعي عندما أصرخ بفم مغلق " قال لينظر إلى وجهها و هي نائمة ثم يبتسم " أظن أن هذا كل شيء لليوم "
أنت تقرأ
فلسفة زوجين | قصة قصيرة |
Short Storyقصة قصيرة ♧ زوجان يفرغان لهَمس مشاعرهِما التي يكنانها لبعضهما، جو دافئٌ مريحٌ، يحلم به كُلُ من الْتَمَسَ حياةً كهذهِ...