الأوَّلْ.

463 43 54
                                    


يجلس بمطبخ منزلهِ الصغير المتواضع، مُغلِقًا عينيه، الصمتُ يُحيط به، تلك الهالة الغريبة من المشاعر المتضاربة هو يتوسطها.
كوب قهوته تتصاعد منهُ الأبخرةُ، لتختلطَ مع أدخِنَةِ تلك السيجارة التي شارفت على الإنتهاء.

ككُل صباح، ما يستمع إليه هو صوت أنفاسه غير المُنتظمة، ترتعش يداه قليلًا بعدما يفتحُ عينيه بهدوءٍ تام لينظر إلى ذلك الكرسي الفارغ أمامهُ.

إخترقت ذكرياتُ السنوات الماضية ذهنه، لتجعلهُ يشعُر بالتوتر أكثر.

تذكر جمالُها بالصباح، وجهها المُشرِق تزينهُ إبتسامتها لتُظهِر أسنانها المُصطفَّة بنظامٍ تام، عينيها الخضراوتين بتِلك اللمعة الغريبة.

ينقبض قلبه من الألم لفرطِهِ بتذكُرها.

"لا يُمكنك إخراجي من رأسك، أليس كذلك؟"

صوتها الناعمُ العذبُ تردد بمسَامِعهِ، لينظر بجانبه ليراها تُحدِق به وتعلو وجهها أكثر الإبتساماتِ سِحرًا.

"كـ..كيف وصلتِ إلى هنا؟" تساءل مُتلعثمًا، وهو فقط جالسًا كالصنم تمامًا، يشعُر بتدفُق الدمِ بعروقهِ بغزارة، و قلبه يخفق بشدة حتى أنه يشعر به يكاد أن يقفز من بين ضلوعهِ ليكون بين يديها!

"عندما أسألك، لا تُجيب عليّ بسؤالٍ" نظراتها مُفعَمة بالثقة.

لم تتغير بمرور السنوات.

"أعترف أنكِ بداخلي ولا يُمكنني إخراجك"

دمعت عيناه، حاول كبح أدمعهُ لكن تلك الدَمعة المُتمردة أبت بذلك، فإنسابت على وجنته بألم.

-

إنتفض بِمكانه، ليجد نفسه مُستندًا على الطاولة بساعدهِ، يبدو و أنه غفى قليلًا.

نظر أمامه ليجد أن تلك الأبخرة توقفت عن التصاعُد من كوبهِ، ليُدركَ سريعًا بأن قهوته بَرُدتْ.

جُل ما كان يُفكِر به، هل سيظل هكذا؟ أسيموت بدون زوجة بجانبه تُشاركه أفراحهُ و أتراحهُ؟

"هاه! بالتأكيد لن أتزوج، من ترغب بالزواج من رجُلٍ عقيم؟ النساء جميعهن يريدن الإنجاب!"

سَخَرَ من حالهِ وعلى وجههِ أكثر إبتسامة مُتألِمة.

تنهد بعُمقٍ شديد محاولًا أن يُزيح جبل أحزانهِ عن قلبه المُتألم، قلبه الذي يبدو كصحراء جرداء، لم يشعُر بالحُب لسنوات فلم يرتوي من مائهِ العذب.

أمسك بكوبه ليحتسي قهوته، قطب حاجبيه بحنق و إنزعاج بمُجرد أن لامست لسانه، أصبحت باردة.

غاياتٌ دفينةٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن