رحلة إلى الله نجيب الكيلاني

731 10 1
                                    

الفصل الأول

خيل إلى «عطوة الملواني» أنه فوق البشر، أن كل شيء طوع يمينه، أصبح لديه المال والرجال والمنصب الكبير والسلطة الواسعة التي حلم بها طويلا، والكلاب الراقية المدربة تدريبا رائعا. إنه يحب الكلاب حبا ملك لبه. ويشعر بمزيد من الفخر والاعتزاز وهو يرى «لكي» و «توسكا» وذريتهما يتراقصون حوله ويتشممون سرواله ويكادون يقبلون حذاءه ولكما تواثبت الكلاب حوله امتلأ قلبه بالغبطة والسعادة حتى الحيوانات تركع له فما بالك بجنود السجن الكبير... نعم السجن الكبير.. إن عطوة أو البكباشي عطوة هو قائد السجن.. ونزلاء السجن ليسوا من الفئة العادية.. إنهم معتقلون سياسيون يعرفون الكثير عن السياسة والحرب وحقوق الشعب والحريات العامة وشريعة الله.. وعطوة يحلو له دائما أن يسخر من مبادئهم وثقافتهم وأفكارهم إنه لا يكلف نفسه مؤنة التفكير فيما يقولون ولا يحاول أن يناقشهم في معتقداتهم إنه رافض منذ البداية لكل ما يقولون لقد درج في حياته على أن يكون أداة طيعة في يد من هو أعلى منه سلطة.. يؤمر فيطيع عمله منحصر في التنفيذ وهو يكره ما تكرهه السلطات العليا هذه الطاعة العمياء جلبت عليه الخير الوفير، وأغدقت عليه العلاوات والترقيات وجعلته محلا للثقة الكبيرة وأمدته بنفوذ واسع وأصبح اسمه على كل لسان وإن كانت شهرته التي تخطت أسوار السجن وأسوار الوطن إلى العالم الخارجي نابعة من كونه «جلادا» لم يكن يخجل من هذه الصفة أو يشعر بالعار أو تأنيب الضمير كانت مصدر فخر واعتزاز له، وكنت الصحافة وكذلك النشرات السرية التي تهاجمه مصدرا من مصادر الاعتزاز والفخر وكان يتخذها وسيلة لمزيد من التقرب والاندماج مع رجال السلطات العليا في الدولة لقد أصبح واحدا منهم ومصيره ارتبط بمصيرهم وأقدم على فعل أشياء رهيبة دفعته إلى الأبد بكل ما هو شرير وخسيس ولم يفكر في الندم أو التوبة أو التراجع في يوم من الأيام لقد عرف طريقه وسار فيه دون تردد أو خوف إنه من ذلك النوع من الرجال الذين لا يفكرون في مستقبل أو ماض إلا بالقدر الذي يخدم اللحظة التي يعيشها لأن الفترة الزمنية المغلقة التي يعيشها الآن هذه اللحظة التي ليس فيها إلا كل ما يدخل البهجة والرضا على قلبه وماذا يريد أكثر من ذلك؟؟ ها هي الكلاب تتواثب حوله، والضباط يؤدون له التحية في خشوع وخوف والجنود عندما يرونه يتجمدون في أماكنهم ويعلو صوت البوق المميز وتنطلق الصحية المعروفة «كل السجن ثابت» فيقف كل شيء متجمدا تنظر إلى الجميع فيخيل إليك أنك في متحف من متاحف الشمع وبعد لحظات يدب النشاط والحماس في كل الكائنات المتواجدة في السجن ويسود جو من الرعب لا مثيل له ويهتف صوت الجنود «سريعا مارش يا بن الكلب» فتجري طوابير السجناء الأذلاء حليقي الرؤوس والسياط العنيفة تهوي على أجسادهم ووجوههم وهاماتهم ولا تكاد تسمع إلا وقع الخطى المتراكضة أزيز السياط الحاقدة ونباح الكلاب الشرسة التي تطارد الطوابير المرهقة المكدودة «والشمس في قلب السماء ترسل نارا محرقة على صحراء العباسية المترامية الأطراف ورجال المباحث العامة يجلسون في مكاتبهم الأنيقة، وأمامهم المراوح الكهربائية والمفارش الخضراء والمشروبات الغازية المثلجة، أو فناجيل القهوة التركي «سكر مضبوط» وعلب السجائر الأجنبية المهربة متراصة أمامهم وسحابات من الدخان تتبدد سريعا بفعل المراوح، وزجاجات من الويسكي وبضعة كؤوس ومسدسات أنيقة من النوع الفاخر السريع الطلقات وضحكات من القلب تنطلق في تلك الغرف المريحة الجميلة لا تكاد تشعر بأزيز السياط في الساحة الدامية ولا بوق الخطى المكدودة وما تثيره من غبار، ولا بصياح الجنود وهم يقذفون الطوابير بأقذع الشتائم ولا الكلاب التي تنبح وتنهش لحوم البشر مما يطلق صيحات الأنين والصراخ المكتوم...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 17, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رحلة إلى الله نجيب الكيلانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن