مجددا و ككل يوم
ككل صباح
بينما يبدء الباعة بفتح محلاتهم
و تتفتح الحياة على أجنحة الطيور
مجددا و ككل يوم
عند هدوء الصباح
و في بدايت شروق النجمة الكبرى على العالم
يأتي هو
محملا بكم هائل من التعب
و كأنه لم ينم ، لم يرتح كما يفعل الجميع ، يجر عربته الصغيرة و مكنسته الخشبية المهترئة ، ربما هي في نفس عمره و هي مثله رغم عتاقتها لا تزال تفي بالغرض مثل جسده تماماً ، رغم كبره لا زال يعمل و يمد بالخيرككل صباح
ينفخ في يديه المتجعدتين عله يدب فيهما الدفء و الحياة ثم يهمس لنفسه بضع كلمات كأنها تعويذة سحرية تمنحه الطاقة لبدء شقائه ، يركن عربته الصغيرة و يبدء عمله كنس الشارع ، تتطفل عليه بعض الحشرات و الروائح الكريهة لتذكره بمدى بؤسه و سوء عمله بأنه و رغم شيب شعره و انحناء ظهره و ظعف بصره إلى أنه لا زال يعمل منظف يكنس الشارع ذهابا و إيابا ثم ينحني بضعف ليلتقط ما خلفه الكثيرون من قاذورات ، و عند الإنتهاء يجلس على أحد الأرصفة بعيدا عن المارة ليلتقط أنفاسه و يراقب الحياة التي لا زال يستمتع بها البعض و يعتقدون أنها لن تنتهي أبدا ، يحييه البعض و يتجاهله الكثيرون و كأنه عنوان القمامة و رمز لهاأشاهده كل صباح من شرفتي و هو يكح بصعوبة يخرج حبة دواء و يتناولها على الريق ثم ينتظر إلى أن يركض باتجاهه طفل في العاشرة محمل بوجبة صغيرة لا تفي بالغرض و رغم ذلك يبتسم العامل له و يفتح الكيس البلاستيكي الأسود ليخرج منه رغيف خبز و بعض الجبن قد يسد حاجته من الجوع
أراقبه و هو يقف مجددا من مكانه ليفتح باب سيارة السيدة القاطنة في الحي ، تلك التي تفيض يديها ذهبا و مجوهرات تسكن بالفيلا المقابلة لنا ، تسير بكعبها العالي و يتبعها المنظف بحياء تفتح باب بيتها المرموق و يدخل بعدها تتحدث هي بضع كلمات رافعة رأسها نحو السماء بينما يرد هو و ناظريه صوب حذائه المهترئ أخيرا تدخل هيا قصرها و يبدء هو بتنظيف حديقتها و إخراج القمامة من بيتها ، كنس السلالم المحيطة بالقصر و تلميع الأبواب التي لا تحتاج لذلك و في الأخير تخرج خادمة السيدة لتلقي ببعض الدراهم في يديه يمسح عرقه بابتسامة و يغادر الفيلا فقد كسب بعض الدراهم لهذا اليومو يرفع آذان الصلاة فتراه يختار موقعا بعيدا عن الناس و يضع قبعته أمام القبلة و يكبر للصلاة و كأنه ارتقى من بؤسه و فقره و حاجته ، فهنا لن يحتاج سوى الإنحناء لله و السجود له و طلب حاجته منه لم يعد ذليلا في نظر أحد و لا فقيرا و لا شيخا و لا عامل نضافة يخرج القمامة هنا بعد أن كبر للصلاة هو عبد يساوي جميع العباد هو في ضيافة الكريم عند باب المجيب من لا يرده خائبا ، أرى قي عينيه تلك السعادة بعد التسليم أراه يقف من موقع صلاته و كأنه شخص يملك العالم بأسره حينها أعرف من أين يأتي بكل هذه الطاقة و السعادة ، كيف أنه لم يشتكي بؤسه لم يبكي على حاله و لم يمد يده للناس طلبا في الصدقة بل اعتمد على ما بقي له من جهد و اعتمد على ذخيرته الصلاة
يلتفت نحوي قبل مغادرته و يلوح لي بابتسامة و دعاء و ككل صباح أنتضر لقائي به و سلامي عليه
ككل صباح أشتاق لرئيته لأنه الوحيد الذي يرفع يديه للسماء من أجلي و يقول : شفاك الله يا بنيتي و رزقك الصحة و العافية
أجيبه بآمين و أشاهده يغادر و أنا أرجوا الله أن يعود في الغد ليسمعني نفس الدعاء لأن قلوبا كهذه هي قلوب نظيفة يجيب سُئْلها الله ، فعسى أن يجيب في صباح ما دعائه لي فأشفى و أخرج من هذا المستشفى .
أنت تقرأ
همسات من خيالي
Chick-Litو لأنك ستحتاج للحظة مع نفسك و لأن هنالك صمتا أقوى من الكلمات و لأنني سأمنحك بصيصا من المشاعر لتواصل نهارك الطويل في هذه الحياة ربما بعض الهمسات ربما بعض القصص مصحوبة بالنغمات خواطر من القلب إلى قلبك ملاحظة : كل ما هو موجود من نسج الخيال و لا أ...