الفصل الأول

18.7K 446 17
                                    


الفصل الأول :

توقفت السيارة بعد رحلة طويلة أمام إحدى محطات الوقود لتُعيد تعبئة خزان السيارة بالبنزين .. فنظر رائد من نافذة السيارة - ذات الموديل القديم – المجاورة له ليجد أمام ناظريه مروجاً خضراء منحدرة من تلك الجبال الشامخة التي تُحيط بتلك المنطقة النائية ، وها هي الغيوم تحاول أن تحجب أشعة الشمس المتبقية من هذا الصباح البارد ..

مـــال رائد بجسده قليلاً على ذلك الشخص الكهل الجالس بجواره ليسأله عن المسافة المتبقية لتلك البلدة البعيدة التي سيتوجه إليها ، فأخبره ذلك الكهل بأنه لم يتبقى سوى بضعة أميــال ..

تنهد رائد في تعب وإرهــاق ، فقد تيبست عضلاته من كثرة الجلوس دون حراك على المقعد الخلفي لفترة طويلة .. فتح أحد الركاب باب السيارة فتسربت بضعة نسمات هواء باردة ، فجعلت أوصـــال رائد ترتعد ، فقام بإحكام إغلاق معطفه الأسود الثقيل ، ثم لف جيداً حول عنقه ذلك الوشــاح الرمادي الداكن ليمده ببعض الدفء ..

انتهى السائق من تعبئة السيارة بالوقود ، ثم عــاد مجدداً ليجلس خلف عجلة القيادة ، ومن ثم أدار المحرك ، وبدأ ينطلق بالسيارة بسرعة أكبر .. وبعد أكثر من ثلاث ساعات وصل رائد إلى وجهته .. كانت الشمس قد غابت تقريباً ، وبدأ الظلام في الحلول ..

ترجل رائد من السيارة وهو ممسك بحقيبة سفر جلدية صغيرة من اللون البني ( الماهوجني ) ثم نظر أمامه يتأمل تلك البلدة الهادئة في كل شيء حتى في إضاءتها الليلية ، ســـار رائد على الطريق الأسفلتي بخطوات ثابتة ، وهو ممعن النظر فيما يوجد حوله ، لقد كانت البلدة تشبه في طرازها وتصميمها العام الطابع الأربعيني .. فالمحــال شبه هادئة وخاوية من روادها ، والمنازل عتيقة الطراز ومبنية من الطوب الأحمـــر ، وهناك مطعم وحيد مازال به بعض الأفراد ، ومدون على لافتته العلوية أنه مفتوح طوال اليوم ، لذا فسر سبب تواجد الناس به ..

جـــاب رائد ببصره تلك اللافتات المتدلية من بعض المحال والمتناثرة على الطريق حتى قرأ عنوان المكان الذي ينشده .. فتنهد في تعب ، ثم أكمل سيره للأمـــام ..

رائد خلدون هو أستاذ جامعي متخصص في دراسة الأدب الانجليزي – في منتصف الثلاثينات من عمره – انتقل حديثاً للعمل في تلك البلدة البعيدة والنائية لتدريس الطلاب المنتسبين هناك إلى فرع الجامعة المتواضع و الموجود بتلك البلدة .. يتميز رائد بأنه ذو ملامح شرقية هادئة ، وبشرة قمحية فاتحة ، وهو أيضاً مُطلق للحيته وشاربه .. أما عيناه فهما رماديتين داكنتين ، وشعره قصير ويميل للنعومة .. كما يتميز أيضاً بأنه فاره الطول ، وعريض المنكبين ، جسده ليس بالرياضي ، ولكنه مشدود ومحدد تفاصيله ..

لم يتخيل رائد يوماً أنه سيعمل في مكان هاديء كهذا ، فهو أشبه بالريف المتحضر الذي يبعث الهدوء والسكينة على النفس ، كما أن أهل تلك البلدة يتميزون بالطيبة والبساطة .. وطموحهم ليست بالكبيرة – على حد علمه ..

كتاب الحب - قيثارة القيصرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن