7

3.6K 90 4
                                    

الفصل السابع
استيقظت ليزا في صباح اليوم التالي، وكان الوقت قد تجاوز الثامنة، فأسرعت لتستحم وترتدي ملابسها، ثم وضعت ثوب السباحة في حقيبة يدها ، والقت نظرة سريعة على وجهها في المرآة معجبة باللون البرونزي الذي اكتسبته في رحلتها البحرية.
وبينما كانت في طريقها الى باب غرفتها ، رن جرس الهاتف.
رفعت سماعة الهاتف وتكلمت رأساً دون ان تعرف من يكون صاحب المكالمة، لأنها تعرف جيداً من يكون المتصل في هذا الوقت:
- لقد استغرقت في النوم اكثر من اللزوم، سأكون عندك بعد دقائق قليلة.
اجابها برت ببرود:
- من الأفضل ان تسرعي ، فليس من صفاتي الصبر.
ضحكت ليزا وقد شعرت بالدفء من نبرة صوت برت وقالت:
-ربما عليك ان تعود نفسك اكثر على التحلي بالصبر.
- تعنين أنه من عاداتك أن تجعلي الرجل ينتظرك!
اجابت بخفة:
- أن في ذلك اكتياز من امتيازات المرأة.
- ليس بالامتياز المعتاد عليه شخصياً، لذا اطلب منك أن تتوخي الحذر، هيا الآن تفضلي بالمجيء، فليس أمامك سوى عشر دقائق.
كان بامكانها أن تصل الى برت في المهلة التي حددها لها، لكن وبينما هي تسيرفي ردهة الفندق اصطدمت بغاري كونواي الذي بأدرها بالقول:
- ليس من حقك المشاركة برحلة الامس البحرية، لأنها مخصصة فقط لنزلاء الفندق وممن يدفعون.
أجابت ليزا:
- لقد كنت مدعوة من قبل نزيل وهو حسب قولك ممن يدفعون.
- هذا ليس ماأعنيه بالضبط ولكنك هل فكرت ولو للحظة واحدة ماقد يشعر به بقية الموظفين تجاه هذا الأمر؟.
احتارت ليزا بماتجيب فقد لمست في صوته شيئاً غريباً، ثم اجابت:
- في الحقيقة، أنا لم أتكلم معهم عن شعورهم تجاه هذا الامر، على كل حال، لقد كان برت في الرحلة البحرية ايضاً، ولم يبدو عليه انه يرفض مشاركتي.
أضاف بحدة:
- وهل تعتقدين بأنك عينت الاثنين برت وريتشارد رهن اشارتك وطوع امرك؟ ربما يمكن ذلك ان يطبق مع ريتشارد ، انما برت فأقول لك بأنك واهمة ، فلا من امل يرجى منه لناحيتك، لأنه ليس من النوع الذي يستمر في صداقاته مع آنسه لا قيمة لها ولا وزن!.
حافظت ليزا على ربأطة جاشها وقالت بنبرة هادئة:
- انا متأكدة بأنك محق في كلامك، ولكنني لا ارى نفسي آنسة لا قيمة لها ولاوزن كما تدعي.
فقال غاري عند ذلك بنبرة هامسة خلت من الحدة:
- اسمعي ياليزا انني اعتبر نفسي مسؤولاً عنك وعن تصرفاتك، ولا اريدك ان تتعرضي لأي أذى.
شعرت بالحيرة والارتباك عندما تغيرت نبرة صوته وأحست بهدوئه المفاجئ، فقالت:
- اذا كنت حقاً كما تتصورني ، فلماذا يهمك أمري ويقلقك؟.
----------------------------------------
اجابها باستياء:
- لقد أوحيت إلي عندما كنا في لندن بأنه سيكون بيننا صداقة وتآلف، فلماذا إذاً تعتقدين بأنني عينتك في تلك الوظيفة وجئت بك الى هنا؟ انك ولا انكر في ذلك معالجة فيزيائية جيدة، انما كان بوسعي ان اعثر على واحدة من هذه المنطقة.
نظرت ليزا اليه بألم:
- لو كنت حقاً أوحيت لك بشيء ما، كما تقول فذلك وبكل تأكيد قد صدر عني بدون تعمد أو قصد، وهذا لا يعني أنني اكرهك بالطبع، ولكنني لم اتصور قط...
قاطعها ليقول بخشونة:
- ليكن في علمك بأن برت سيعود الى بوسطن صباح الغد، هذا إذا كنت لا تعلمين حتى الآن.
تركها بعد ذلك تقف جامدة في مكانها وافكارها تروادها، ليس لأنها لم تكن تتوقع سفر برت الى بوسطن، بل لأنها لم تفكر بتاتاً بالذي قد يحصل بعد هذا اليوم الذي ستقضيه معه وتعيشه لأجله دون أن يعكر صفو افكارها أي شيء.
وصلت الى منزل برت بعد مضي ربع ساعة من الوقت، ووجدته مستلقياً يستريح على احدى المقاعد في الحديقة وهو ينظر اليها متسائلاً:
- هل تحاولين أن تثبتي امراً ما؟.
أسرعت ليزا تقول:
- أراد غاري ان يكلمني في موضوع ما، وأعلم بأنني لست من اللواتي يحاولن اللهو العبث خاصة بالمواعيد.
نهض وقال:
- يسعدني ان اسمع ذلك منك، هل ترغبين في السباحة؟.
وافقت ليزا على اقتراحه ودخلت الى المنزل لتبدل ملابسها ، بادرها بالقول حين خرجت الى الحديقة:
- يجب ان تسبحي ذهاباً واياباً مرتين على طول الحوض لكي تشتد عضلات جسدك فتسهل عليك الحركة .
أدركت ليزا بأنه على حق فيما يقول، ولكنها وجدت أن السباحة في الحوض صعب عليها اكثر من البحر وذلك لأنها كانت تستعمل العدة الكاملة للسباحة بما فيها حذاء السباحة الذي يسهل عليها الحركة اكثر.
فقالت:
- اننا مثل السلحفاة والارنب عندما تباريا في الركض ، فأنا أسبح ببطء شديد.
أجاب برت مشيراً:
- ولكن لا تنسي، فقد فازت السلحفاة على الأرنب اخيراً، ان كل ما تحاجين اليه هي التمارين المتواصلة ، لذا بامكانك ان تستعملي الحوض عندما تشائين.
فقالت بخفة:
- ولكن غاري لن يوافق على ذلك.
أجابها بنبرة حاسمة:
- سأتصرف مع غاري بطريقتي الخاصة.
ثم مد يده ليساعدها على الخروج من الماء وتابع يقول:
- هناك رداء اضافي للحمام على ذلك الكرسي يمكنك استعماله، بالمناسبة هلى ترغبين في تناول فطور الصباح في الحديقة ام داخل المنزل؟.
أجابت ليزا:
- في الحديقة.
ابتسم لها برت ابتسامة واسعة وقال:
- هذا مااحبه في المرأة أن تكون حاسمة وثابتة في مواقفها!.
أجابت مبتسمة ايضاً:
- كل ما اتمناه هو أن احظى برضاك وأن تكون سعيداً بي .
نظر برت اليها نظرة دافئة ألهبت مشاعرها:
- انك فعلاً تقومين بذلك.
----------------------------------
ثم تناول رداء الحمام عن الكرسي وساعدها في ارتدائه، فلاحظت ليزا بأنه رداء نسائي من شكله ومن مقاسه الصغير وهذا مما يدل على أنها ليست المرأة الوحيدة التي توافيه الى منزله.
نبهت نفسها الى انها يجب ان تنسى الآن وهي برفقته الآخريات ، فهذا ليس بالوقت الملائم للغيرة التي تنهش صدرها ، خاصة وأنه قد نسيهن جميعهن ليلتفت ويحصر كل اهتمامه بها، وهذا مايهمها أكثر الآن.
أخذ برت يحضر طعام الفطور بنفسه في مطبخ فسيح الأرجاء والذي كان مجهزاً بكافة الدوات اللازمة للطهي. لقد اعد البيض المقلي بدقة وعناية وبطريقة تعجز حتى ليزا ان تتقنها لو طلب منها ذلك، خاصة وأنها لم تكن معتادة إلا على تحضير القهوة والخبز المحمص لفطور الصباح ولاشيء عدا ذلك، لكن رائحة ذلك الطعام الذي كان برت يحضره لكليهما، أثار شهيتها.
وعندما عبرت له ليزا وبكلمات قليلة عن اعجابها بطريقة تحضيره للطعام، اجابها مبتسماً:
- لقد كسبت خبرة من قيامي لهذا العمل ولفترة طويلة.
ثم سكب البيض المقلي في طبق كبير برشاقة وتابع يقول:
- هيا الآن احملي صحنين لنا وابريق العصير، بينما احمل البيض الشهي.
تناولت ليزا ولأول مرة في حياتها فطور الصباح بشهية، كيف لا وهي جالسة في هذا المكان الذي يشرف على مناظر طبيعية خلابة؟ والأهم من كل ذلك، انها برفقة برت الذي بدل من كيانها واحاسيسها.
قالت بعد ان انتهت من تناول الطعام وقد شعرت بالكآبة:
- اتعلم انني ولأول مرة في حياتي، اتناول هذه الوجبة من الطعام والمليئة بالكوليسترول!.
نظر اليها نظرة لاهية وقال بتكاسل:
- ان استسلام المرء لرغباته احياناً، لايسبب له اي سوء، انما الخطورة تكمن، عندما يدمن عليها، هل ترغبين بمزيد من القهوة؟.
اجابت ليزا:
- لا، لقد تناولت منها مافيه الكفاية، شكراً لك ، انك حقاً طباخ ماهر.
- ان حاجتي للفطور جيد وشهي، دفعني لأن اكون طباخاً ماهراً ، على فكرة ماذا لديك من خطط لقضاء اليوم؟.
اجابته دون أن يكون في فكرها اي مشروع ما:
- لاأدري، ولا امانع في أي شيء تقترحه!.
ابتسم بهدوء وقال:
- في هذه الحالة مارأيك لو نعود ونبحر مرة أخرى؟.
- تقصد بذلك المركب الذي ابحرنا فيه البارحة؟.
- لا، فذاك فقط لرحلات زبائن الفندق، انني أملك يختاً يرسو في ميناء الجزيرة.
- انه أمر مثير للغاية، وهل سنتمكن من الغطس كما فعلنا البارحة؟.
- لا اعتقد ذلك، لأنني عادة أبقي معدات الغطس على متن المركب ليندرس، وستجدين في الأمر صعوبة من دونها.
أسرعت ليزا تجيب:
- هذا لايهم، انما يسعدني جداً أن اعود الى تلك الأماكن التي ذهبنا اليها البارحة، فالأمر كان ممتعاً.
ثم قال بلطف:
- كذلك انا استمتع بماحصل البارحة، وعلى الأخص في أوقات معينة.
-----------------------------
وعندما شاهد تورد خديها تابع يقول مبتسماً:
-تبدين أكثر جمالاً عندما تتورد خداك.
اجابته متهمة اياه:
- وأنت لاشك تتمتع بذلك عندما تدفعني اليه.
- ماتقولينه صحيح، لأنني لم اصادف بعد أي امرأة تتورد وجنتاها خجلاً لذكر المواضيع الحساسة.
قالت ليزا بامتعاض:
- ربما لأنهم قد تعودين على ذلك فأصبح الامر بالنسبة اليهن أمراً عادياً كتنشق الهواء.
- اما بالنسبة إلي، فأفضل ان اسمي هذا الأمر تغييراً يبهج النساء اللواتي اتعرف عليهن، هيا الآن ، لقد آن الاوان لكي نذهب.
دخلت ليزا الى المنزل لتبدل ثيابها، وعندما خرجت كان برت في انتظارها بقامته الممشوقة ، وقد ارتدى سروالاً ابيض قصيراً وقميصاً أزرق اللون.
قال لها:
- بالمناسبة ، لقد اتصلت بمطعم الفندق ليزودوا اليخت بأشهى أصناف الطعام، وذلك لأننا سنتناول طعام الغداء على متنه.
استقلا سيارته الفخمة والتي قادها بنفسه الى ميناء الجزيرة حيث ترسو مراكب عديدة من ضمنها يخته الأنيق والفخم وعندما صعدا اليه، اخذت تراقب برت وهو يقوم بتشغيل محركه بنفسه باتقان وروية، فتساءلت ولأول مرة منذ ان تعرفت اليه الى أية حدود يبلغ ثراءه وغناه.
تحرك اليخت في تلك الاثناء فنظر برت اليها نظرة جعلت قلبها يخفق بشدة، ثم حول كل اهتمامه لقيادة اليخت وقال لها:
- والآن هيا بنا الى مكان المفضل لدي، ويخامرني شعور بأنه سيكون كذلك بالنسبة لك ايضاً.
ضحكت ليزا وقالت:
- ستعرف رأيي فيه في آخر النهار.
عاد ينظر اليها متأملاً هذه المرة ثم قال:
- أريدك ان تعرفي بأنني أراك اليوم طبيعية وهادئة، فأنت غير الامس تثورين بسرعة كعادتك ، انصحك ان تبقي هكذا دوماً.
- ربما وجدتني طبيعية وهادئة هذا اليوم ، لأنك لم تفعل ولم تقل شيئاً يغضبني ، ولكنني أرى انه قد آن الأوان لكي أتعلم كيف احافظ على هدوء أعصابي عندما يثيرني احد ما.
أجابها ممازحاً:
- ياللخسارة ، لقد كنت استمتع بتلك المشاجرات التي كانت تدور بيننا.
- الأنك تجد في ذلك شيئاً مغايراً لعلاقاتك بالسيدات الأخريات؟.
ابتسم ابتسامة واسعة وقال:
- هل تقصدين بكلامك أنني معتاد على السيدات اللواتي يوافقتني على كل كلمة أنطق بها؟ إذاً، ليكن في علمك ، نعم، انه شيء من هذا القبيل.
- بمن فيهن اندريا غوردان؟.
لمعت عيناه الرماديتان وهو يقول:
- ان لأندريا افكارها الخاصة بها.
كانها ندمت على طرح مثل هذا الاقتراح عليه، أردفت تقول:
-من المؤكد انها كذلك ، كما انه يبدو عليها بأنها واثقة من نفسها الى أبعد حدود.
- انها فعلاً على هذا النحو، بالمناسبة، سنتمكن من رؤية الاطلنتيس بعد قليل من الوقت.
ارتاحت ليزا للتغيير المفاجئ لدفة الحديث بينهما، وقد ادركت ان مايكون بينه وبين اندريا ، لا يريد ان يتباحث فيه مع اي مخلوق كان .
----------------------------------
فسألته :
- ومايكون هذا الاطلنتيس؟.
- انها غواصة اعدت لمن يرغب من السواح في مشاهدة عالم البحار دون أن يقوموا بالغطس كما يفعل البعض الآخر، ويمكنها أن تغوص تحت الماء لعمق مئة وخمسون قدماً، كما انها تستوعب ستة واربعون راكباً.
ثم قالت فجأة بكآبة وقد تذكرت أمراً هاماً:
- لقد نسيت ان اتصل بوالدي، فقد تكون والدتي قلقة علي جداً.
ابتسم برت وقال:
- ان الامهات كلهن على هذا الحال، وهكذا كانت والدتي ايضاً.
سألته بلطف:
- تقول كانت؟.
- لقد توفيت منذ بضع اعوام مضت.
- آسفة لسماع هذا الخبر، وماذا عن والدك؟.
اجابها بنبرة وكانه يريدها ان تكف عن طرح المزيد من الأسئلة:
- لقد تزوج مرة اخرى، على فكرة ماذا بشأن والدك أنت؟.
اجابت بشيء من الامتعاض:
- ان والدي رجل دين.
قال بدهشة:
- ولماذا تقولينها بهذه النبرة؟.
فكرت ليزا مستاء من سرعة ملاحظته واداركه ثم قالت:
- ذلك لأنني اسمع وشوشات ساخرة أو شيء من هذا القبيل حول اي فتاة تكون ابنة رجل دين.
هز رأسه وكأنه ينفي مثل هذا الكلام وقال:
- وكنت تتوقعين ذلك مني ايضاً؟ كيف كان شعور والديك عندما قررت المجيء الى هذا الجزء من العالم؟.
- انهما ومن المؤكد يفضلان ان ابقى قريبة منهما، ولكنهما وبعد ان فكرا طويلاً، وجدا بأنها فرصة نادرة لي لأرى عالماً جديداً علي.
- إذاً، فأنهما لن يشعرا بالكآبة فيما لو استمريت بالعمل هنا؟.
نظرت اليه نظرة ذات معنى وقالت:
- لا اعتقد ذلك، ولكن هل حقاً ماتزال تريدني ان انتظر قرارك النهائي بعد مرور ستة اسابيع؟.
اجابها بلطف:
- كما قلت لك البارحة ، لامجال للمناقشة في هذا الموضوع، سيأتيك قراري بعد مرور ستة اسابيع.
قال بعد قليل:
- رأيت انه بامكاننا ان نتوقف في هذه الجزيرة الصغيرة ثم نسبح قليلاً في الماء وبعدها نتناول طعام الغداء.
قفزت ليزا الى الماء دون خوف هذه المرة متسلحة بالنجاح الذي حققته نهار البارحة في عملية الغطس، فلحق بها برت ليسبح الى جانبها.
قال لها محذراً عندما لاحظ انها تسرع:
- لاتجهدي نفسك، فلا داعي ان اقول لك كم من السهل اصابتك بتشنج في عضلات جسدك، وكا قلت لك هذا الصباح ، يمكنك ان تسبحي في الحوض في حديقة منزلي لتتمرني على ذلك بشكل منتظم.
بدأ يتناول طعامهما والذي كان مكوناً من اللحومات الباردة على مختلف انواعها، وسلطة الخضار والأجبان ، ثم الفاكهة المتنوعة والطازجة.
تذكرت بعد ذلك امر سفر برت الى بوسطن ، فسألته:
- في أي وقت ستسافر غداً؟.
-----------------------------------
اجابها وكأنه ينزع آخر امل في نفسها لبقائه:
- باكراً، فلدي اجتماع مهم في الثالثة بعد الظهر.
قالت ليزا بعد ان وجدت الكلمات التي يمكن ان تقولها:
- هذا يعني انك ستكون في عجلة لسفرك.
- هذا صحيح، ولكنني سأتمكن من الوصول الى الاجتماع في الموعد المحدد، وسأتغيب طوال الاسبوع المقبل، لكنني سأحاول ان أعود الى هنا في عطلة الاسبوع.
شعرت بقلبها يهوي من مكانه للمدة الطويلة التي سيتغيب فيها وقالت وهي تحاول السيطرة على نفسها:
- انتم من الأشخاص الذين يركبون الطائرات كما نركب نحن الاتوبيسات.
سألها متعجباً:
- انتم؟!.
- اعني الاميريكيين، فأنا تطبعت بهم منذ سنوات عديدة، لكن هل هناك مايزعج في ذلك؟.
اجابت ليزا بارتباك متجاهلة سؤاله:
- اعتقدت انك بعد مضي تلك السنوات التي امضيتها بعيداً عن بريطانيا متنقلاً مابين جزيرة سان توماس وبوسطن انك ستنسى لكنك البريطانية.
- ليس من السهل على اي كان أن ينسى اللكنة البريطانية الاصلية بعد أن يترعرع وكبر على التكلم بها.
ثم اخذ يدلك كتفه بتكاسل وقال:
- يبدو علي انني لست قوي العضلات كما كنت اعتقد.
اجابت ليزا وهي المدركة والخبيرة بمثل هذه الأمور :
- يصادف أي كان مهما كانت عضلاته صلبة ان يعاني من تشنجات فيها، هل تريديني ان ادلك كتفيك؟.
وافق على اقتراحها وقال:
- انها فكرة لا بأس بها، هيا اذاً فأنا أترك عضلاتي بين يديك الخبيرتين.
بدأت ليزا بتدليك كتفيه ولكنها شعرت بشيء مايحرك مشاعرها وأحاسيسها عندما لامسته وقالت:
- هل تشعر بأي تحسن؟.
اجابها برت:
- نعم بعض الشيء، ولكن أطلب منك أن لاتتوقفي وتابعي عملك لانهاء المدة المقررة لمثل هذه الجلسات تماماً كما في المرة السابقة.
تابعت ليزا عملها بدقة واتقان كعادتها مع أي مريض يأتيها، ولكن برت لايمكن أن يكون كأي زبون من زبائنها لأنها كانت تقوم بتلك الضربات الخفيفة على كتفيه وفي داخلها اضطرابات وعوامل نفسية لم تعتد عليها ولك تشعر بها قبل الآن.
قال بهدوء وقد شعر بالارتياح:
- انك رائعة ياليزا في عملك هذا بقدر ماأنت رائعة في جمالك.
ريتشارد على حق، لقد أحبت برت منذ النظرة الولى. الثقافية
ثم قال فجأة لينشلها من أفكارها المتلاحقة:
- أتعلمين انك حقاً مدهشة.
سألته بلطف:
- من اية ناحية؟.
اجابها وهو ينظر في عينيها بعمق :
- من جميع النواحي وأنا الذي كنت اعتقد بأن النساء البريطانيات باردات المشاعر والأحاسيس.
- ربما لأن الرجال البريطانيون هم الباردون في طبيعتهم.
-------------------------------------
مد يده ليرفع خصلات شعرها عن وجهها وقال:
- انك من النساء الواتي يستحيل مقاومة جاذبيتهن ، وهذا مادفعني في المجيء الى هنا لأمضي العطلة الاسبوعية.
- تعني انك جئت من أجلي؟.
- من غيرك دفعني إذاً للمجيء؟ ولقد انضممت الى رحلة البارحة لأنني وجدت اسمك يتصدر لائحة المشتركين فيها.
- لكنك جئت بأندريا معك.
نظر اليها متأملاً ثم قال:
- لقد حصل ذلك بظروف لم استطع ان اتجنبها، ولكن هل يجعلك هذا الأمر مستاءة؟.
اجابت وهي تحاول جهدها هذا ان لا يظهر ذلك حقاً على وجهها:
- لا ابداً كما وانه لا ارى من داع حتى اشعر بالاستياء منها.
- ولكنني اشعر بأنك لا تحبينها.
اجابت ليزا:
- ذلك لأنه مامن هناك اشياء مشتركة بيننا.
- كما وأنني لا اعتقد ذلك ايضاً.
سألها فجأة سؤالاً لم تتوقعه:
- هل احببت قبل الآن؟.
- اعتقدت مرة بأنني احببت.
- وماالذي بدل من حالك اذاً؟
- ادركت بعد فترة من الوقت بأنني كنت مخطئة في ذلك الحب.
- وماكان شعور الرجل الآخر تجاهك؟.
- اعتقد انه قد عانى من هجري له بكرامته وليس بقلبه.
- ولكنك لايمكنك ان تكوني أكيدة من ذلك.
- لابما، على كل، لقد مضى على هذه القصة اكثر من سنة.
- ألم تتعرفي على أحد غيره منذ ذلك الوقت؟.
- لا، لأنني لم أشعر بأحد قد أثار بي الاهتمام تجاهه.
توقفت عن الكلام قليلاً وكأنها تريد أن تشجع نفسها لتطرح عليه مثل هذا السؤال:
- وماذا بشأنك؟.
- لم أقع بالحب ولامرة في حياتي.
فقالت بطريقة حاولت من خلالها ان تبدو طبيعية:
- اعتقد انك لهذا السبب لم تتزوج إلى الآن.
- لا ينجح الزواج بالحب المتبادل بين شخصين فقط.
- لكنه احد اسباب نجاحه.
- لا، وحسب اعتقادي يحصل ذلك عندما يكون هناك انسجاماً بين الطرفين وليس يسبب الحب.
- ألا يعنيان نفس الشيء؟.
- الكثيرون ينخدعون بين الحب والانسجام، وينتهي بهم الأمر في المحاكم لأجل الطلاق، اما بالنسبة الى فعندما اقرر ان اتزوج، لن اجعل مثل هذا الامور ان تحدث.
قالت عند ذلك:
- لا اعتقد بأنك قد تقع في هذا الخطأ، على فكرة ، ألم يحن بعد موعد عودتنا الى سان توماس؟.
اجابها برت بخشونة:
- ليس بعد، فالرحلة مازالت في بدايتها.
ولم يعودا الى جزيرة توماس إلا عندما اذنت الشمس بالمغيب، فاستقلا سيارته الفخمة وقد شعرت ليزا بالألم والاضطراب في داخلها، وصارت تتساءل كيف سيمر عليها هذا الاسبوع دون أن يكون الى جانبها، ولم تعد تشعر بالاندفاع الى عملها الذي كانت تحبه وتتفاني بشتى الطرق كي تنجح فيه.
--------------------------------
وإذا أخذنا بعين الاعتبار حدود علاقتهما ، نجد انه من الممكن ان تكون فكرة صائبة لو أنها تحزم امتعتها وتغادر جزيرة سان توماس وتقوم هي أولاً بهذه المبادرة قبل أن يمل منها ويطردها من العمل في فندقه، فهي محتارة لما يظهر لها من الاهتمام، ولكن الى متى قد يدوم هذا؟.
قطع برت عليها افكارها وقال:
- تبدو على ملامحك الكآبة، هل تشعرين بالتعب؟.
اجبرت ليزا نفسها على الابتسام وقالت :
- كنت افكر فقط.
بادل ابتسامتها بنظرة مبهمة من عينيه وقال:
- لقد امضينا يوماً رائعاً، فمارأيك لو نتناول طعام العشاء في مكان ما خارج الفندق.
قررت ان تستمتع بوقتها معه طالما انه لا يزال يظهر لها الاهتمام فتمتمت قائلة:
- علي ان ابدل ملابسي اولاً.
اجابها:
- من الطبيعي ان تفعلي ذلك وكذلك أنا ، ساوصلك الى الفندق وأعود اليك لأصطحبك لتناول العشاء عند الساعة الثامنة، هل يكفيك هذا الوقت؟.
- نعم.ريحااااااااااانة
قالت ليزا موافقة مع انها كانت تفضل ان تمضي هذه الليلة في منزله، لكنها لم تتجرأ ان تقول له ذلك وجهاً لوجه، وادركت وهي تشعر بالألم يقبض على صدرها ، ان استسلامها لحب برت كان اكبر خطأ ارتكبته في حياتها.
--------------

الفترة التجريبيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن