لا تطالبوني بالكثير
فأنا متعبة
مرهقة حد الإنهيار
أستعود أمي ؟
أخبريني يا جدتي
أخبرني عمي...
أبي قادم أليس كذلك؟!
إنه يحضر لي عروس الباربي فحسب
وعدني بها بالأمس ومضى
مضى ملوحاً لي بيده ...
عمي... أبي قادم أليس كذلك ؟
ذهب ليحضر أمي فحسب
.... ...... ....... .....
أسرعت الخادمة تركض في ممرات الفيلا للخارج مناديةً أبا إحسان
وصلت للغرفة التي يجلس بها السائقان عادةً أثناء عدم القيادة وقالت بلهجة غريبة فمشاعرها مضطربة لرؤية أبا توفيق قلق فلقد أدركت بوجود خطب ما "أبا إحسان أسّرع بتجهيز السيارة السيد أبا توفيق مستعجل"
سأل عزام مستغرباً من لهجتها الفزعة
"ما الأمر يارابعة؟"
أجابتهم بشئ من الضياع فهي حقاً كانت ضائعة ،شعور غريب سيطر عليها بسبب هذا الإتصال
"لا أدري تلقى أبا توفيق إتصال حين أجبتهم أولاً قالوا أنهم من المستشفى"
أجاب أبا إحسان بقلق
"اللهم إجعله خيرا"
وضع فنجان قهوته من يده وهب سريعاً خارجاً من الغرفة و قلبه يخبره بحدوث شيءً ما ، يتمتم متوسلاً لله أن يكون الأمر خيراً والمطر ينهمر فوق هذه المدينة يغسل شوراعها
أم توفيق ترتدي ملابسها وقلبها يرتجف ويداها ترتعشان لا تكاد تستطيع الوقوف بسبب إرتعاد ساقهيا بعينين دامعتين ولسان يتضرع إلى الله أن لا يكون المصاب جلل أبا توفيق يمسك الهاتف صوت لبنى من الطرف الأخر يأتيه
أجابت لبنى مستغربة إتصال عمها
"عمي أبا توفيق أهلاً عمي؟! "
لم يرد السلام بل قال بنبرة جافة وقاسية بكلمات مستعجلة
"أين توفيق يا لبنى؟.... هاتي توفيق"
إنغاظت من جديد أرادت أن تجيبه "إسمع ياعمي إن كنت. . .. "
لم تكمل جملتها لأن توفيق أخذ منها سماعة الهاتف عنوة
صاكاً أسنانه قائلاً
"هاااتيه ....واذهبي، وليد يبكي لا أعلم مابه "
غير نبرته ليتكلم مع أبيه بخجل وحزن "أهلاً أبي إسمعني أرجوك ..أنا أعتذر نيابة عن لبنى.."
لم يجبه أباه بل أردف سريعاً كلماته قاطعاً كلام توفيق
"توفيق ...تعال بسرعة جلال في المستشفى أترك كل شيء وتعال إليّ بسرعة هل فهمت؟ ...أخيك في غرفة العمليات وزوجته حالها غير معروف بعد"
كالصاعقة أتت هذه الكلمات على مسمع توفيق أغلق الهاتف مصدوماً عيناه ترقصان بقلق، إرتعش جسده وكاد أن يسقط فاستند على الحائط،
ولبنى من غير بعيد تحاول أن تعرف مايدور من حديث بين توفيق وأبيه
ولما رأته إصفر لونه وتغير حاله واضطرب ..أتته تسأله متعجبة
"مابك؟! ...ماذايريد ابوك؟!"
كان في حالة صدمة يرتجف من هول ماسمع فلم يجبها فعاودت سؤالها له
"توفيق تحدث ...ماذا هنالك ؟..ماذا جرى؟... أجبني"
تجاهلها توفيق جاراً خطاه ليمسك بمقبض باب البيت خارجاً بيده المرتعشة
ولبنى وراءه تلحقه مرتعشة
"الساعة قاربت المغيب والمطر ينهمر بغزارة أين تذهب ؟!"
ودون أن يلتفت إليها أجابها بصوت حزين و بشعور متألم
"جلال وهالة في المستشفى،ولا أخبار عن حالتيهما"
جزعت مما سمعت وقالت
" يا الله ....سأذهب معك إنتظر "
خلعت نعلها الذي كانت ترتديه في المنزل وأحضرت حذائها الأسود من خزانتها،حملت حقيبتها سريعاً ولحقت توفيق الذي قاد السيارة مسرعاً ولم ينتظرها
وكأن الطريق قد طال فجأة
شارد الأفكار... يسترجع ماحصل عصر اليوم، كيف ثار في وجهه جلال وكيف صفعه شعر بغصة تخترق روحه وبتأنيب الضمير حدث نفسه مترجياً أن يكون أخاه بخير
"كن بخير.... أرجوك كن بخير ياجلال هالة كوني بأمان، يا إلهي ...سارة... أرجوك يا الله تلطف بهم"
تلك العجلات السوداء تقطع الشوارع مسرعة تجتاز الطريق كأنها في سباق مع الزمن .
وصل أبا توفيق باب المستشفى مع زوجته بعكازه يجتاز ممراتها يسأل موظفة الإستقبال عن جلال عادل الشاب ذوالواحدة والثلاثين من عمره وزوجته وابنته سارة ، أتوا بهم منذ قليل بسبب حادث سير
" جلال لايزال في غرفة العمليات زوجته للأسف توفيت وابنته بخير مع الممرضة الأخرى سيأخذكم الحاجب إليها "
نزل الخبر على مسامع أبا توفيق وزوجته مثل الموت صرخت أم توفيق باكية...
" أين جلال؟ أين غرفة العمليات "
وأبا توفيق قد إضطربت أركانه وانحلت مفاصله ولم يعد بمقدوره الوقوف فكاد أن يتهاوى ليسرع أبا إحسان ويسنده مصبراً إياه
"قدر الله وماشاء فعل"
دلهم الحاجب على ممر غرفة العمليات وصلوا بقربها والإشارة الحمراء إنطفأت تعلن نهاية العملية خرج الطبيب مصافحاً أبا توفيق فسأله بقلق شديد
"أيها الطبيب طمئني ما وضع جلال؟!"
"أأنت والده ؟"
"أجل"
تنهد الطبيب وأغلق عينيه للحظة وأجابه "للحقيقة لا أعلم لديه نزيف حاد في الرأس أجرينا العملية لننقذ حياته لكن لا أخفيكم .... لا أعلم بعد دعنا ندعوا الله له بالنجاة "
وصل توفيق يقطع الممرات راكضاً بعد الإستفسار عن جلال لدى موظفة الإستقبال سار به الحاجب يوصله لصالة الإنتظار حيث تجلس أمه وأباه بينما جلال في غرفة الإنعاش لايستجيب لشيء ولا يستفيق سأل بلهفة
"أين جلال وهالة ؟!"
أجابت أمه وكأن حزن الكون قد سكنها
" جلال في غرفة الإنعاش يحاولون جعله يستفيق بعد أن أجروا له عملية جراحية"
"وأين هالة وسارة ؟!"
عند ذكر هذان الإسمان إنفجرت أم توفيق باكية تغطي وجهها بيديها أعاد سؤاله وقلقه يقطع أحرف كلماته
"أ..ممم.ي ...أمي أين سارة وهالة؟!" أجاب والده مشفقاً على عجز أم توفيق من التوقف عن البكاءوكأنه في عالم خاص به وكأنه في كهف عميق يسمع صدى الحزن فقط
شارد ذهنه ،مختلطة مشاعره
بين فرح بنجاة سارة وقلق على جلال وحزن يأكل قلبه لوفاة هالة
"سارة بخير ستأتي بها الممرضة بعد قليل هالة.....
... بدأ صوته يرتجف
وكأنه أراد البكاء ولكن جفت دمعته في مقلتيه ولفظ بضيق نفس
"هالة ماتت .. رحمة الله عليك باابنتي"
"هالة ماتت....يا الله.... "
استيقظت مشاعر الجميع على هذه الكلمات التي أتت من إمرأة مسنة وولدها الشاب قادمان بإتجاههم سقطت تلك المرأةبسماعها للخبر مغماً عليها انتبه توفيق لصوتها
"خالتي أم كرم؟"
وركض بإتجاهها بينما إبنها يسندها صدره يحاول جعلها تستفيق
"أمي... أمي... أرجوكِ... استفيقي"
حضرت الممرضات وحملنّها ووضعونها على سرير في غرفة قريبة فتحت عيناها تتذكر وقع الكلمات لترددهها باستمرار باكية تقطع حروفها شهقاتها
"ها...لة ما..ت..ت هالة ماتت يا الله إبنتي يا الله ... دعوني أراها ...دعوني أقبل جبينها خذوني إليها ...خذوني "
بكت وأبكت من حولها
"وأنا أيضاً"
قالتها أم توفيق تمسح دموعها تحاول التمسك بالشجاعة ففشلت لتعود دموعها تأخذ مجراها من جديد بين جفنهيا وخدودها لتتساقط منها
"يعلم الله أن هالة كابنتي لينا تماماً لم أفرق بينها في المحبة أريد رؤيتها أيضاً"
تمالكت نفسها أم كرم قليلاً وسألت عن جلال
"وجلال كيف حاله؟ "
"حاله لايسر هو غائب عن الوعي "
وصلت لبنى التي إستقلت سيارة أجرة تابعةً توفيق للمستشفى سألت توفيق الذي يتكئ على حائط الممر خارج تلك الغرفة حزين مبعثر المشاعر
"ماذا حدث؟ ،كيف حالهما"
هز رأسه ولم يجبها بينما عمها أشاح بوجهه بعيداً عنها كأنه يخبرها لا تتحدثي معي لا تنطقي بحرف
أعادت سؤالها مرة أخرى لتأتيها إجابة توفيق بصوت مخنوق
"جلال حاله بعلم الغيب ... هالة؟! ....إبتلع ريقه فقد جف حلقه وهو يحاول عدم البكاء وتابع بذات الصوت المنكسر
"ارتاحت منك ومن شجارك....
لقد رحلت ،أرجو لك الرضا الآن "
مرت اللحظات كالسنين في ذاك الممر والجميع يحاول الصمود هاهي حب جدها تظهر تمسك بيدها الممرضة رأت سارة جدها وعمها فأفلتت يدها راكضةً تناديه بلعثمتها
" جدي"
هذا هو الصوت الذي أيقظ أبا توفيق من شروده أنقذه من ضياع وتشتت أفكاره بصوت يرتجف نادى منبهاً توفيق "سارة ؟!!"
أفلت عكازه يصدر صوت إرتطامها صدى كسر الصمت الذي غلف المكان جثى على ركبتيه فتح ذراعيه يستقبل جسد مدللته الصغيرة باكيةً شاكيةً حالها، ضمها جدها، وقبّلها كثيراً رفع رأسها بإتجاهه ،أقطب حاجبه لهذه الدموع العزيزة عليه ،فمسحها بإبهامه سارة التي لا تعلم ماحدث تظن أن جراح يديها هي مصابها الأعظم فهي لم تدرك بعد ماهو الموت
"أنظر جدي يدي مجروحة إنها تؤلم وهناك دم، كان هناك دم أيضاً "
مشيرةً إلى جبينها ،
"مسحته تلك المرأة "
دمعت عينا جدها كانت دموعه تتوسله بالإفراج عليها إلا أنه أصر على كتمها وقال
"دعيني أرى.. يا الله "
قبل تلك اليدين بكل رقة بكل حنان بينما الصمت أخذ لبنى ولم تلفظ ببنت شفة ربما أدركت أنها خسرت معركتها فموت هالة أكبر دليل على أن لبنى خسرت الكثير ،خسرت حب وإحترام العائلة لها وفي غرفة أخرى حيث رقدت هالة بكل هدوء وسكينة مغمضة العينان مغطاة بشرشف ناصع البياض من أقدامها حتى قمة رأسها وصلت أمها وأم توفيق رفعت الممرضة الغطاء عن وجهها لتظهر جثة انتزعت منها الروح شاحبةً صفراء الوجه أغمضت عينيها تنام بسلام أبدي
فما الموت إلا نومة أبدية لا استيقاظ لها برودة أطرافها وشعرها الخرنوبي جراح وجههاجعل قلب أمها يذوب ألماً قبلت رأسها وودعتها استندت على كتف إبنها الذي ودع أخته بكثير من الدموع ومضيا للخارج تاركان أم توفيق مع هالة
راحت تمسح شعرها تهمس لها بصوت حنون تتخلله الدموع الغزيرة
"وداعاً هالة ...وداعاً ياصغيرتي ، إستعجلتي الرحيل يا فتاتي لا يوجد حضن في الكون كحضنك على سارة ، جلال مازال بحاجتك ...لن تستفيقي أعلم ولست تسمعيني ...أنا أودع جسدك لأنه لربما روحكِ تسمعني الآن ....سارة أمانة في أعناقنا حتى لحظة لحاقنا بك عندها.... لن أستطيع فعل شيء مثلك الآن تماماً، نامي ياصغيرتي ،نامي بأمان لن تؤذيك لبنى بعد اليوم"
غطت الممرضة وجه هالة معلنةً نهاية الوقت لهذه الزيارة،
أنت تقرأ
أثريـاء ولكــن
عاطفيةجنون ينتفض حين تميل النفس إلى ماليس من نصيبها ويصبح الطمع الدافع الأكبر لها تعمى البصيرة والفؤاد وتتخابط الهواجس ... فيستولي الحقد والكره النفس البشرية وتبدأ الخطوات بالإنحدار نحو مستنقع الجريمة... فتنشب الحرب الضروس بين الحب والمال ذكريات مؤلمة...