السلام عليكم ورحمه الله
اليكم الفصل الأول من رواية ثلج للروائي التركى أورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل للأداب هذا العام وقد تم نشر هذا الفصل من الرواية منذ عامين فى جريدة أخبار الأدب المصرية
رواية: أورهان باموك
ترجمة: عبدالقادر لؤي
الدخول إلي قارص
كان الرجل الجالس وراء سائق الحافلة مباشرة يفكر بصمت الثلج. يقول لو كان /صمت الثلج/ الذي يشعر به في داخله بداية قصيدة.
لحق بالحافلة التي ستأخذه من أرضروم إلي قارص في اللحظة الأخيرة. بعد سفر دام يومين في حافلة وسط عاصفة ثلجية من اسطنبول وصل إلي كراج أرضروم. وبينما كان يمشي في الممرات القذرة والباردة يحمل حقيبته، محاولا معرفة المكان الذي تنطلق منه الحافلات التي ستقلٌه إلي قارص، قال له أحدهم ثمة حافلة علي وشك الانطلاق، ولأن المعاون علي حافلة الموديل القديم (ماغيروس) لا يريد فتح (الباكاج) الذي أغلقه مرة أخري، قال له: 'مستعجلين' لهذا السبب حمل معه حقيبة اليد الكبيرة ماركة (باللي)، الكرزية الداكنة الموضوعة الآن بين رجليه. كان المسافر الجالس بجانب النافذة يرتدي معطفا رماديا اشتراه من (كاوفهوف) في (فرانكفورت) قبل خمس سنوات. ولنقل من الآن بأن هذا المعطف الجميل ذا الوبر الناعم سيكون بالنسبة إليه مصدر خجل وقلق من جهة، ومصدرّ طمأنينةي من جهة أخري خلال الأيام التي سيقضيها في قارص.
بعد انطلاق الحافلة مباشرة فتح المسافر الجالس بجانب النافذة عينيه 'معتقدا أنه سيري شيئا جديدا'. وبينما كان يتفرتبه إلي ندف الثلج الكبيرة التي تندف من السماء مثل ريش الطير، لاستطاع أن يشعر باقتراب عاصفة ثلجية قوية، ولكان من المحتمل أن يفهم منذ البداية أنه سينطلق في سفر يغير حياته كلها، ويعود.
ولكن، لم تخطر العودة بباله أبدا. حين بدأ يحل المساء، ركزٌ عينيه علي السماء التي بدت أكثر إضاءة من الأرض، ولم يكن يري في ندف الثلج التي تكبر تدريجيا وتتناثر مع الرياح إشارات كارثة تقترب، بل كان يتفرج عليها وكأنها إشارات لعودة السعادة والصفاء المتبقية من طفولته في النهاية. المسافر الجالس بجانب النافذة عاد إلي اسطنبول المدينة التي عاش فيها سنوات طفولته وسعادته بعد غياب اثنتي عشرة سنة قبل أسبوع إثر موت أمه. بقي هنالك أربعة أيام، وبرزت له سفرة قارص هذه التي لم تكن بالحسبان. كان يشعر بأن الثلج الجميل جدا يمنحه سعادة أكثر من سعادته برؤية اسطنبول بعد تلك السنوات كلها. كان شاعرا، وفي قصيدة كتبها قبل سنوات، وقليلا مايعرفها القارئ التركي قال فيها بأن الثلج يندف مرة واحدة في أحلامنا خلال الحياة.
وبينما كان الثلج يندف طويلا صامتا كما يندف في أحلامه، تطهر المسافر الجالس بجانب النافذة بمشاعر البراءة والصفاء التي بحث عنها بلهفة علي مدي سنوات، وآمن بهذه الدنيا بتفاؤل يجعله يشعر وكأنه في بيته. بعد قليل عمل ما، لم يعمله منذ زمن طويل، ولم يخطر بباله. لقد نام في مقعده. لنستفد من نومه، ولنقدم حوله بعض المعلومات. كان يعيش في ألمانيا حياة منفيٌي سياسي علي مدي اثنتي عشرة سنة، ولكنه لم يكن في أي وقت كثير التعلق بالسياسة. الشعر هو تعلقه الأساسي وما يشغل فكره كله. هو في الثانية والأربعين من عمره، عازب، ولم يتزوج أبدا.