السّابِعْ.

192 27 19
                                    

كفّ عن الضَحِك على مزاحها ليُعاوِد و يسألها بجديَّة ممزوجة بتردد، "دي، هل أنتِ مُستعدة للذهاب إلى منزلكِ الجديد اليوم؟"

كان من الغريب أن يقضي فترة النهار بأكملها معها، هو أحب جدًا التواجد بصُحبتها، فهي تجعل جميع أوجاعه تزول في الحال و تُجَمِّل الدُنيا بعينيه و تلونها بأزهى الألوان، ألوانها.

توقفت هي الأخرى عن الضحك لترمش عِدة مرات فتشيح بنظرها بعيدًا عن ناظريه، "ل..لا أعرف إن كُنت مستعدة أم لا" تتردد لتعاوِد النظر إليه، فتذوب آلامه.

يُلِح عليها، فأمسك بكِلتا يديها و يطُل كُلًا من الأمل و الرجاء من عينيه، "فلتوافقي، أعدك بأن حياتكِ ستتغير و كُل شيء آخر، سأكون لكِ أبًا و أُمًا و أخًا و حبيبًا و صديقًا، سأكون لكِ كُل شيء و أي شيء تتمنينه، سأهب حياتي لكِ، أنتِ ستكونين سببًا بتغيري"

لم تعرف هي ماذا تقول، كُل ما تراه أمامها الآن هو مشاعره الصادقة و رغبته بتواجدها معه و تبنيها، ترى رجاءه بها. بالرغم من لمعة عينيه الآمِلَة، إلا أنها لا تزال ترى بعض الخيّبة و اليأس، ترى ذلك الرجُل ذا الروح المُهلكة، تراه يترجاها لتكون له كل شيء.

تركت كُل شيء جانبًا، تركت مخاوفها و قلقها منه و نظرت إلى داخل ذلك الرجل القابع أمامها، لم يكُن أمام تلك المراهقة مُرهفة الحِس سوى الموافقة.

"حسنًا سآتي معك الآن و..."

لم تتمكن من إكمال حديثها، فهو قد عانقها بكُل ما أوتي من قوة و كأنه لا يريد أن يفلتها أبدًا، تشبث بها كأنها أمله الوحيد بالبقاء حيّاً. مرّ شريط حياته البائسة أمام عينيه دُفعة واحدة، مما إضطره للبكاء بصمت حتى أنه أفلتها و إستدار ليكون ظهره مُقابلًا لها فلا ترى بُكاءه.

"م..ماثيو؟ ماذا بك؟" أراحت كفّها على منكبه بحذرٍ و التساؤل يستحوذ عليها كُليّا.

إستدار ليواجهها و عينيه لا تخليان من الأدمُع، "أنا أستبشر بكِ خيرًا، لكن بالرغم من ذلك سترين بكائي السخيف هذا، يكون مظهري مُضحِك جدًا عندها" ضحك بخفة و هو يُجَفِف وجنتيه المُبتلتين بظهر يده. هو يعرف جيدًا كيف يحوِّل الأمور الحساسة و المشاعر العميقة إلى نكتة و فكاهة، فهو لا يريدها أن تتشاءم منه و من بؤسِه.

ضحكت ببعض التردد، لكن ضحكاته أجبرتها على الضحك أكثر، لظنِّها بأنه يمزح و أن كُل شيء بخير.

"هيا" نهض من مكانه لتنهض هي الأخرى فيُكمِل، "تجهزي الآن و حضري حقائبكِ و مقتنياتكِ لنذهب، سأنتظرك بالأسفل" يريح كفّه برقة على وجنتها، فتضيع هي بعينيه البنيتين المائلتين للأسود قليلًا.

غاياتٌ دفينةٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن