الفصل الأول
أتذكَّر اليوم الذي جاءت فيه السفينة الأليوتية إلى جزيرتنا. في البداية بدت كصَدَفةصغيرة طافية على سطح البحر، ثم ازداد حجمها فأصبحتْ أشبهَ بطائرِ نَوْرس مضموم الجناحين. وأخيرًا؛ إذ ارتفع قرصالشمسفي السماء، ظهرت على حقيقتها؛ سفينة حمراء ذاتشراعين أحمرين.كنا أنا وأخي قد ذهبنا إلى رأس وادٍ متعرِّج يؤدِّي إلى ميناء صغير يُسمَّى خليج المرجان، بُغْيَة جمع الجذور التي تنمو هناك في فصل الربيع. كان أخي رامو صبيٍّا صغيرًا في نصف عمري، الذي كان اثني عشرعامًا. كان صغيرالحجم بالنسبة لصبيٍّ تعاقبتْ عليه تلك الأيام والشهور كلها، ولكنه كانسريعًا كصُرصُورالليل. وكان أيضًا أحمق كصرصور الليل عندما يتملَّكه الحماس. ولهذا السبب، ولأننيأردت أن يساعدني في جمع الجذور لا اني اناًا، لم أقُلْ له شيئًا عن الصَّدَفة التي رأيتُها أو طائر النَّوْرس المضموم الجناحين. واصلتُ الحفر في الدَّغَل بعصاي المدببة وكأنه ليس هناك ما يحدث في البحر على الإطلاق، حتى رغم تحقُّقي من أنَّ طائر النورس كان في الواقع سفينة ذات شراعين أحمرين. ولكنَّ عينَيْ رامو لم يكن يفُوتُهما الكثير في هذا العالَم. فقد كانتا سوداوَيْنِ كعينَي ِالسحلية وواسعتين للغاية. وأحيانًا — كما هو الحال مع عينَيِ السحلية — قد تبدوان ناعستين. وحينئذٍ تَرَيَان أفضل من أي حين آخر، وكانت عيناه تبدوان على هذا النحو في ذلك الوقت؛ شِبْهَ مغلقتَيْنِ، وكأنهما عينا سحلية ترقد على صخرة وعلى وشك أن تمدَّ
لسانها بسرعة لتصيد ذبابة.جزيرة الدلافين الزرقاء قال رامو: »إن سطح البحر أملس. إنه حجر مسطَّح لا يشوبه خدش. « كان أخي يَرُوق له التظاهر برؤية التشابه بين أشياءَ متباينةٍ.قلت له: البحر ليس حَجَرًا دون خدوش. إنه ماء دون أمواج. قلت له: »البحر ليس حَجَرًا دون خدوش. إنه ماء دون أمواج. « فقال: »بالنسبة لي هو حجر أزرق، وعند نهايته ثمَّة سحابة صغيرة تجلس على الحجر. السُّحُب لا تجلس على الأحجار؛ سواء كانت أحجارًا زرقاء أم سوداء أم أي نوع من الأحجار. قال:هذه السحابة تجلس. فقلت: ليس على البحر؛ فالدلافين تجلس هناك، وطيور النَّوْرس، وطيور الغاق، وثعالب الماء، والحيتان أيضًا، ولكن ليس السحب. ربما كانت حوتًا.
ارتكز رامو على قدمٍ ثم على الأخرى، مراقبًا السفينة وهي تقترب، ولم يكنْ يعرف أنها سفينة؛ لأنه لم يكن قد رأى سفينة من قبل. أنا الأخرى لم أكن قد رأيت سفينة من قبل، ولكني كنت أعرف كيف تبدو؛ لأنها وُصِفت لي. قلت: بينما تتطلَّع أنت إلى البحر، أقتلعُ أنا الجذور، وأنا التي سوف آكُلُها في النهاية لا أنت. بدأ رامو يدق الأرض بعصاه، ولكن السفينة، إذ اقتربت، وظهر شراعاها بلونهما الأحمر عبر سديم الصباح، ظل رامو يراقبها، متظاهرًا طوال الوقت بغير ذلك.
وسألني: هل سبق أن رأيتِ حوتًا أحمر اللون؟ قلت له: نعم. مع أنه لم يسبِقْ لي ذلك. الحيتان التي رأيتُها كانت رمادية اللون. أنت صغير جدٍّا، ولم ترَ كل الأشياء التي تسبح في العالم. التقط رامو أحد الجذور وكان على وشك إلقائه في السلَّة. وفجأة فَغَرَ فاه ثم أطبقه ثانية. وصاح: إنه قارب كانو! قارب كانوضخم، أكبر من كل قوارب الكانو لدينا مجتمعةً. ولونه أحمر! لم يكن رامو يُبالي بما إذا كان قارب كانو أم سفينة؛ ففي لمح البصركان قد طوَّح.بالجذر في الهواء وأطلق ساقيه للرياح، مخترقًا دغل الشجيرات، رافعًا عقيرته بالصياح. ظللت أجمع الجذور، ولكنَّ يديَّ كانتا ترتعشان وأنا أحفر في الأرض؛ وذلك لأنني كنت أكثر حماسًا من أخي. كنت أعلم أن ما يعبر البحر سفينة وليس قارب كانو كبيرالحجم، وأن السفينة قد تعني أشياء كثيرة. أردت أن ألُقي بعصاي وأركض أنا الأخرى، ولكني استمررت في اقتلاع الجذور لأن القرية تحتاجها. حينما انتهيت من ملء السلة، كانت السفينة الأليوتية قد دخلت حوضالأعشاب البحرية الواسع الذي يحيط بجزيرتنا بين الصخرتين اللتين تحرسان خليج المرجان. وكانت أنباء قدوم السفينة قد وصلت بالفعل إلى قرية جالاس-أت. فحمل رجال القرية أسلحتهم وانطلقوا بسرعة عبر الممر المؤدِّي إلى الشاطئ، أما النساء فتجمَّعْنَ على حَافَةِ الهضبة المستوية. سرتُ عبر الدغل الكثيف، وبسرعة أخذتُ أهبط الواديَ الضيق المنحدِر حتى وصلتإلى الجروف البحرية. وهناك جثوتُ على يديَّ وركبتيَّ. فبأسفل مني كان الخليج. كان المدُّ منحسرًا وأشعة الشمستغمر رمال الشاطئ البيضاء. وقف نصف رجال قريتنا على حافَةالماء، أما البقية فاختبئوا بين الصخور عند نهاية الممر، مستعدِّين للهجوم على الدخلاء إذا لاحت عليهم بوادر العداء. وبينما أنا جاثمة بين شجيرات التويون المزهِرَة، محاوِلةً ألَّا أسقُطَ من فوق الجُرْف،وأن أظلَّ مختبئة وفي الوقت نفسه أسمع وأرى ما يحدث بالأسفل، أنُزِلَ قارب من السفينةوعلى متْنه ستة رجال يجدِّفون بمجاديف طويلة. كانت وجوههم عريضة، وقد انسدلشعرهم داكنًا لامعًا على أعينهم. وعندما اقتربوا من الشاطئ، رأيتُ حُليٍّا من العظم تخترق أنوفهم. ومن خلفهم، وقف في القارب رجل طويل ذو لحية صفراء. لم أكن قد رأيت رجلًاروسيٍّا من قبل، ولكنَّ والدي كان قد حدَّثني عنهم، وتساءلت في نفسي — عندما رأيت الطريقة التي وقف بها مباعِدًا ساقيه، واضعًا قبضتيه على خصره، وناظرًا إلى الميناءالصغير كأنهصار مِلْكًا له بالفعل — هل هو أحد أولئك الشماليين الذين يخشاهم شعبنا. وتأكدت من ذلك عندما انزلق القارب إلى الشاطئ وقفز منه ذلك الرجل صائحًا. تردَّدَ صدى صوته على الصخور المحيطة بالخليج. كانت كلماته غريبة، لا تشبه لم يُجِبْ أيٌّ من الرجال، ولكنَّ والدي، الذي كان أحد الرجال الذين تواروا بين الصخور، تقدَّم نازلًا الشاطئ المنحدر وغَرَسَ رمحه في الرمال. وقال: أنا زعيم قبيلة جالاس-أت، واسمي الزعيم شو ويج. دَهِشْتُ من تصريحه باسمه الحقيقي لرجل غريب. فلكل شخصفي قبيلتنا اسمان؛اسم حقيقي سرِّي نادرًا ما يُستَخدَم، واسم شائع؛ وذلك لأنه لو استخدم الناس اسْمَكَ السري، فسوف يَبْلَى ويَفْقِد سِحْره. وهكذا فقد كنت أعُرَف باسم »وُن آه با لي «، ومعناه:
الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل ، مع أن اسمي السري هو كارانا. وكان الاسم السري لوالدي هو شو ويج، ولست أدري لماذا أَطلَع الغريب عليه. ابتسم الرجل الروسيومدَّ يده مصافِحًا، وقال إنه يُدعَى القبطان أورلوف. مدَّ والدي يده أيضًا. لم يكن بمقدوري رؤية وجهه، ولكني أشك أنه ابتسم هو الآخر. قال الروسي: لقد حضرتُ بصحبة أربعين من رجالي. جئنا هنا لاصطياد ثعالب البحر، ونحن نأمُل في أن نُقيم معسكرنا على جزيرتك أثناء فترة الصيد. لم يَنْبِس أبي ببِنْت شَفَة. كان أبي رجلًا طويلًا — وإن لم يكن في طول القبطانأورلوف — وقد وقف فاردًا كتفيه العاريتين، يفكر فيما قاله الروسي. لم يكن يتعجَّلالرد؛ لأن الأليوتيين كانوا قد حضروا من قبل لاصطياد ثعالب البحر. كان ذلك في الماضي البعيد، ولكن أبي لا يزال يتذكَّرهم. قال القبطان أورلوف، عندما طال صمت أبي: »إنك تتذكر رحلة صيد أخرى. لقدسمعتُ بهذه الرحلة أنا الآخر. كان يقودها القبطان ميتريف. كان رجلًا أحمق وقد مات. نشأتِ المتاعب عن تحميلك وقبيلتك عبءَ أعمال الصيد كافةً. قال أبي: لقد اصطدنا بالفعل، ولكن الرجل الذي تصفُه بالأحمق أرادنا أن نصطاد شهرًا دون توقُّف. قال القبطان أورلوف: هذه المرة لن يكون عليكم فعل شيء؛ فرجالي هم مَن سيصطادون وسوف نقسم حصيلة الصيد بيننا؛ الثُّلث لكم، ويُدفَع على هيئة بضائع والثلثان لنا. قال أبي: لا بد أن يتساوى نصيبانا. تطلَّع القبطان أورلوف ببصره باتجاه البحر وقال: يمكننا أن نتحدَّث في ذلك لاحقًا، عندما تصل مُؤَني إلى الشاطئ بأمان. كان الجوُّ صَحْوًا ذلك الصباح والرياح هادئة، ومع ذلك فقد كان ذاك موسمًا يُتوَقَّع فيه هبوب العواصف؛ ولهذا كنت أفهم سبب رغبة الروسيفي دخول جزيرتنا. قال أبي: »الأفضل أن نتَّفِق الآن. خطا القبطان أورلوف خطوتين كبيرتين بعيدًا عن والدي، ثم استدار لمواجهته قائلًا: الثلث نصيب عادل لكم؛ حيث إن مسئولية العمل والمخاطرة ستقع على عاتقنا. هزَّ أبي رأسه بالرفض. أمسك الروسي بلحيته وسأل: ما دام البحر ليس ملكًا لكم، فلماذا أعُطيكم أيَّ نصيب؟ ردَّ أبي: إن البحر الذي يُحيط بجزيرة الدلافين الزرقاء مِلْكٌ لنا. كان أبي يتحدث بهدوء، كعادته عندما يكون غاضبًا. مِن هنا حتى ساحل سانتا باربرا، على بُعْد عشرين فرسخًا؟ كلَّا، فقط البحر الملامس لجزيرتنا، الذي تعيش فيه ثعالب البحر. أصدر القبطان أورلوف صوتًا بحنجرته، ونظر إلى رجالنا الواقفين على الشاطئ وإلى مَن أتَوْا من وراء الصخور، ثم نظر إلى أبي وهزَّ كتفيه. وفجأة ابتسم، كاشفًا عن
أسنانه الطويلة. وقال: سيتساوى نصيبانا. وتابع حديثه، لكني لم أسمعْه؛ وذلك لأنني في تلك اللحظة حركتُ صخرة صغيرة في غمرة حماسي البالغ، فتدحرجَت من فوق الجُرف وسقطَت إلى جوار قدميه. رَفَعَ كلُّ مَن بالشاطئ أنظارهم إلى أعلى. فتركتُ الشجيرات في صمتٍ وركضتُ دون توقف حتى و صلت الى هضبه مستويه.
كارنارامو اخاها
أنت تقرأ
جزيرة الدلافين الزرقاء (منقوله)
Randomكارنا شابة هندية عاشت وحدها في جزيرة في المحيط الهادئ ألف سكانها اصطياد الدلافين . كانت تراقب كر الفصول بانتظار سفينة نقلها بعيدا لكنها لم تكتف بالمراقبةبل ائتنا لنفسها كوخا و صنعت أدوات تحصل بها طعامها و أسلحة تدافع بها عن نفسها في القصة مغامرات و...