حبست غرايس أنفاسها .
ظل صوت وقع الأقدام على الأرض مسموعاً ثم ساد بعض الصمت الذي ما لبث أن تحول الى سكون عميق .
ازداد توترها وكأن قنبلة مؤقتة على وشك أن تنفجر ... وبقيت مستلقية في السرير محاولة بيأس أن سبب الصمت . أين ذهب ميتش بحق الله ؟ وبدأت الأفكار السيئة تدور في ذهنها . هل تسلل إلى فراش آخر ... حالة الغموض كانت اكثر من أن تتحملها ... وأضاءت المصباح قرب السرير .
ظهر ميتش جالساً على الأرض في الجانب البعيد من الغرفة ... كان يرفرف بعينيه :
- ماذا يجري ؟
بدا اشعث متعباً ، وأخذت تحدق في الشعر المنسدل على عينيه ، وفي عرض منكبيه .
تمتمت متلعثمه " انا ... انا لم أكن ... اعرف أين أنت ... ماذا تفعل على الأرض ؟"
- أحاول أن أنام .
فرك عينيه وقد سيطر عليه النعس ، ثم رفرفهما مرة أخرى قبل أن ينظر إليها مجدداً ... غاصت في الوسائد وقلبها يرقص تحت وطأة نظراته المثيرة ... هكذا نظر إليها ليلة أمس فكاد قلبها يجن فرحاً وحبوراً ...
ثم أطلق ضحكة صامتة في جو التجهم :
- لا بأس غرايس ... لقد تكلمت مع الأدارة ، وشرحت لهم مشكلتنا الصغيرة .. وكانوا متفهمين جداً ... وأعاروني فراشاً . لذا أنا بخير ... سأنام هنا الليلة .عندما عاد ليستلقي على الارض ، أطفأت المصباح ، وشعرت بغليان يسري في أنحاء كيانها . . هذا أمر سخيف جداً !إنه يعالج هذا الموقف المربك كسيد مهذب ، ويجب أن تكون ممتنة . . وبالطبع هي ممتنة !
سمعت صوته يصلها في الظلام :"من المؤسف أنك كنت متعبة . . لقد فاتتك حفلة رائعة ".
بطريقة ما استطاعت أن تضغط على موجة الغضب في داخلها فتمتمت :
–ليلة سعيدة .
مرة أخرى ، جاء صوته عميقاً.
–اللون الوردي رائع عليك . . لكنه ليس كذاك الثوب الأسود الرائع بعد هذا ، أمضت غرايس ليلة طويلة مملة تتقلب وتتلوى ، وهي تصغي الى أنفاسه المنتظمة المرتاحة .فاجأت الأنفاق البركانية في "أوندارا" ميتش . . كان يتوقع أن تكون مثيرة للأهتمام ، لكنه لم يتوقع أبداً أن تكون بهذه العظمة .
قال لغرايس وهما يلحقان بالسياح على ممر خشبي في أول نفق كبير :
–لا أكون مبالغاً إن قلت إن جماله يفوق مايتصوره عقل !واكمل بحماس :"لا يمكن أن يكون هناك أفضل لما نريد !المناظر التي ستصور مع الناجين تحت الأرض ، هي مناظر هامة في الفيلم . . هذا ممتاز !. . وانت ممتازة "
وربت كتف غرايس
اجفلتها لمسته فنظرت إليه بعينين خضراوين مجفلتين :
–ارجو عفوك ؟
–لقد أظهرت عبقرية فريدة من نوعها بأقتراحك تفحص هذه الانفاق
بدأ الفرح يرقص في عينيها لهذا المديح .
–لقد أدركت أنها رائعة حين قرأت أن بالإمكان إدخال قطارين على خطين الى هنا .انتبه ميتش الى مدى قربه منها . . كانت ترتدي بلوزة مرتفعة الياقة لا أكمام لها . ودفعته رغبةً ملحة للضغط على كتفها بقوة
انه ليس تصرفاً حكيماً وينتويرث . . ومن الأفضل أن يغير وجهة تفكيره قبل أن يفعل شيء يندم عليه
لكن وهما يتابعان السير في القسم الضيق من النفق الصخري شعر ميتش بانجذاب لعطر غرايس الذي ملأ المكان وشغله عن الإنتباه لجمال المناظر الخلابة . . كان العطر منعشاً برائحة الزهور ، تهب رائحته ، التي ذكرته برائحة صباح يوم خريفي ، بشمس لطيفة وأريج الليمون النظيف الحاد .
–ماذا تفعل ؟
شتت صوت غرايس الحاد في أذنه عليه أفكاره . ماذا يفعل؟ كيف تسللت ذراعه دون وعي منه حول كتفيها ؟
وانزلها على الفور ، ليرد :"لقد انجرفت بروعة هذا البهاء الطبيعي "
ثم لفت اهتمامه الصخور البدائية حولهما ، بدلاً من رقتها وجمالها . . .
– الا يقول العلماء النفسانيون أن المغارة تمثل لنا الرحم ؟ لهذا السبب اتصور نفسي كأني عدت جنيناً في رحم امي .
فتحت غرايس فمها لتعلق بشيء ، لكنها فضلت أن تبقى صامتة
قال ممازحاً:"وماذا عنك . . هل ينتابك اي شعور بالعودة إلى الذات ؟"
–انا . . لا اشعر بشيء مميز .
اخذ ميتش يفكر بطريقه مسيرها . . انها تضع مسافة بينهما . . هذه المرآة المحيرة بدأت تؤثر فيه . ليس هناك الكثير مما يعجبه فيها . . مع ذلك كانت دوماً منتصبة أمامه . . دائما مشدودة الأعصاب . . وكأنها تتوقع في أية لحظة أن ينقض عليها .
من يرى منها هذا ، سيعتقد أنها عاشت حياتها مسجونة في برج معزول . لكن ، لا يمكن أن تكون هذه هي الحالة . لقد شاهدها في المرة الماضية في بيت رجل اعزب . ليلة أول أمس، شعر وكأنها عادت إلى الحياة من جديد ... إنها فكرة خيالية ... للحظات جعلته يشعر وكأنه الأمير الذي يرافق سندريلا التي طال شوقها الى الحب .
كان الوقت منتصف بعد الظهر حين أنهيا مقابلتهما مع إدارة الأنفاق في اوندارا .
ما إن تركت المكان ، حتى أبلغهما ميتش عن عزمه على التوجه شمال غرب المنطقة لاستكشاف ما دعاه ببلاد الخليج الحقيقة.
- لست واثقاً بالضبط مما أريد .. لكنني أفتش عن شيء مميز .. وسأعرف ما هو حين أراه .
بطريقة ما كانت ممتنة لأنها تجلس مستندة إلى الوراء ، تاركة ميتش يقود بها الأميال في فترة بعد الظهر . لم يتبادلا الأحاديث .. فقد أمضت ليلتين تتقلب دون نوم ولقد أصبحت الآن متعبة جداً ، وأخذتها الغفوة على أنغام الموسيقى الناعمة والهادئة ، والساخنة مسرعة في خط مستقيم مباشر إلى جورجتاون ..
لحسن الحظ ، بدا على ميتش أنه يفكر ..
أما هي فاتخذت لنفسها وسادة من سترتها الجلدية واسندتها الى النافذة ثم رفعت ساقيها قدر ما استطاعت وأراحت رأسها إلى الوسادة ، وما هي إلا لحظات حتى كانت تغط في نوم عميق . .
اصطدمت جبهتها بالنافذة فاستيقظت .
كان قد حل الظلام . . وحاولت غرايس أن تستعيد وعيها . . ودهشت عندما رأت أن الشاحنة تشق طريقاً وعرة في الظلام وبسرعة .
رددت بصوت منخفض وهي تحاول أن تستكشف ملامح الطريق البرية على ضوء اشارات الشاحنة :
–اين نحن ؟اين هي الطريق؟
ضحك ميتش :"مساء الخير . . أخيراً استيقظت"
كانت على وشك أن تسأل كم الساعة . . لكن الساعة على الشاشة الصغيرة أمامها كانت تشير إلى الثامنة :
–يا رباه ! لقد نمت ثلاث ساعات .
ودست ذراعيها في سترتها الجلدية . . فقد انخفضت درجة الحرارة بشكل دراماتيكي .
–كنت تشخرين طوال الوقت .
أجابت بتذمر :"انا لا اشخر ! "
سأل متحمساً:"ومن قال لك هذا ؟
–ايها . .
وشدت على أسنانها . . لم يمض على استيقاظها أكثر من نصف دقيقة وها هو رئيسها يزعجها بمزاحه . . ”لا احد تذمر من شخيري قبل الان "
حتى في داخل المركبة المظلمة رأت حاجبيه يرتفعان ونظراته الجانبية تغرق باستنتاجات شتى
رفضت غرايس أن تقابل نظرته ، والتفتت نحو النافذة الى جانبها وقالت :
–لم ترد على سؤالي . . اين نحن ؟ وماذا حصل للطريق؟
–مازالت الطريق حيث هي دائماً . . لكننا لا نسير عليها الان
هذا يستحق تفسيراً . ارتدت لمواجهه مرة أخرى :
–لكن لماذا بحق الله . . هل مررنا بجورجتاون ؟
أدار ميتش المقود بحدة ليتجنب صخرة لاحت أمامه فجأة في الطريق
وبالرغم من حزام الامان ارتمت على الباب .
تمتم بعدما أصبحا بعيداً عن الصخرة .
–اسف لهذا . . لأرد على سؤالك ، لقد مررنا بجورجتاون منذ ساعة . . لكنني مررت بلوحة تعلن عن موقع منجم قديم . . واعتقدت أنه يستحق إلقاء نظرة هكذا غيرت طريقي ، وانطلقت كالاعمى بين الشجيرات الشائكة في ظلمة الليل .
–وهل تعرف اين نحن الأن ؟ الظلام شديد ،وستكون محظوظاً لو رأيت حيوان كانغر وهو يقفز امامك . انا لا أتصور انني مضطرة أن أبيت الليل هنا .
–اعرف أين نحن . . وها أنا ذا قد عدت أدراجي ، وسنصل الإسفلت في أية لحظة من الأن . . أعد أن تكوني في ”كرويدون“ في أخر وقت العشاء
ارتجفت غرايس داخل سترتها الجلدية . . ولم تكن تشعر بالبرد . . لكن الأراضي المتجهمة المهجورة ، والعالم الأسود الذي يرقد ما وراء الأنوار الأمامية بدا مشؤوماً
– يبدو أن هذا الدرب غير مستخدم كثيراً . . انا اسفة لتكرار أسئلتي عن هذا الأمر ، لكن كيف تعرف اننا نسير في الإتجاه الصحيح ؟
سحب ميتش نفساً عميقاً ملؤه الامتعاض ، ونظر اليها :
–سأصرخ عالياً امرأة . . هل ستسأليني عن كل حركة اقوم بها ؟ كنت اسير في درب معروف . . لكن التبس علي الأمر الآن . . هل يعجبك هذا ؟
لكن هناك إشارات كثيرة هنا بالحق بها . . وسنكون بخير . . اعطني نصف ساعة أخرى ، واذا لم نهتد الى طريقنا حتى تلك اللحظة نفكر بوضعنا .
اطبقت شفتيها . ففي مثل هذا الموقف ليس من المناسب مضايقة ميتش اكثر هكذا جلست مستقيمة صامتة تتمسك بقضيب الامان الى جانبها كانت الطريق وعرة جداً ، وكانت ترى أن ميتش يقود بسرعة وبدت كثبان الرمال والصخور تلوح فجأة في الظلام واضطر إلى المناورة كثيراً لتجنب خطر ما .
فجأة التقطت انوار السيارة شيئاً يلمع أمامهم ، اشكالاً سوداء غريبة تندفع بسرعة لتصبح فجأة قريبة منهم . . صاحت صاحت "احذر!"
وداس ميتش على الكوابح بكل قوته . . وقال مبهوراً:
–انه قطيع غزلان برية
عندما مرت بهم هذه الحيوانات اجفلها ضوء الشاحنة فقفزت مبتعدة وغابت في الظلام الأسود . . نظرت غرايس الى ميتش فأسرع يبتسم :
–مارأيك بكل هذا آنسة روبنز ؟مثير . . اليس كذلك ؟
ردت بحدة :"اعتقد من الأفضل لي أن أبتعد عن مثل هذه الإثارة "
قال بصوت لطيف :
–لسنا عرضة لأي خطر غرايس . . معنا مركبة قوية ولدينا ما يكفي من الماء والملابس الدافئة ، واذا اعترضنا ما هو أسوأ من ذلك ولم نستطع العودة إلى الطريق العام . . يمكننا أن نتوقف في اي مكان . . وستنامين انت هنا في المقصورة وانام انا في المؤخرة .
مال إليها ثم استقام مجدداً:
–تفاءلي . . وضعي اسطوانة اخرى ودعينا نستمتع بالموسيقى
اندفعت الشاحنة الى الامام ولأن غرايس لم تكن تفكر باقتراح افضل وضعت اسطوانة في الجهاز . . في الظلام الدامس لم يكن لديها فكرة عما اختارت لكن ، بعد لحظات بدأ صوتا سايمون وغارمزنكل الناعمان بغناء الحان مألوفة من الستينات .
لم يمض وقت طويل حتى أحست أنها افضل حالاً . ميتش مصيب بعد ليلة أمس أصبحت تعرف انها ليست مضطرة لمقاومته . .وهذه مغامرة واذا اضطرا فعلاً بامكانهما أن يخيما هنا لليلة واحدة . . ليس حولهما أحد وسيكونان بأمان . . وليس هذا موسم مطر ولا خطر من الغرق أو الطوفان .
أقفلت سحاب سترتها ودست يديها في جيبي بنطلونها القصير وتمنت لو كانت ترتدي جينزاً طويلاً فلو اضطرت إلى النوم هنا فستحتاج الى ما يبعث الدفء
وفيما كانت المركبة تشق طريقها في الدغل المظلم بدأ الاطمئنان بالتسلل الى قلبها قد يكون ميتش متهوراً لكنه سائق ماهر فها يداه القويتان تمسكان بالمقود بثقة وها هو يغير السرعات بسهولة من يمتهن قيادة سيارات السباق
حتى الآن . .
اذ فجأة شاهدا على ضوء الأنوار الأمامية ، شقاً واسعاً متأكلاً في الطريق . .
اخذ ميتش يتذمر . .
ما من مجال أمامه ليتوقف . . القناة قريبة جداً واي كبح فجائي للشاحنة سيرسلها الى هوة عميقة داس على دواسة السرعة ليطلق العنان للمتحرك . . كان يعرف أن الأمل الوحيد هو أن يقفز بالشاحنة فوق الهوة . . شد أسنانه وانطلق إلى الأمام . . ولكن حين غادرت الأطارات الأمامية الارض خفق قلبه بقوة وكأنه طار من مكانه .
ظن أنه نجح . . لكن الاطارات الخلفية غارت فجأة ثم ارتطمت الأخدود . . ثم توقفت السيارة فجأة بعدما اصطدمت بشيء وملأت اصوات تحطم المعدات أذنيه . . واندفع جسمه الى الأمام ثم انفجر كيس الأمان الهوائي في وجهه .
آخذ يسب مجدداً والتفت إلى غرايس التي صرخت بدورها وهي تنزع حزام الأمان .
–هل انت بخير ؟
–اعتقد هذا .
سمع صوت بابها ينفتح وضربات قدميها في الأرض ثم نادت :
–سأحاول رؤية ماحدث .
تجهم ميتش . . وضرب الكيس الهوائي بغضب . . كان يعرف ماذا حدث . . كيف يمكن له أن يدفع بالشاحنة لتخرج من هذا الأخدود الشديد الانحدار ؟ كان المحرك قد توقف فمد يده إلى المفتاح وأداره
–توقف !
الضربة الصاخبة جاءت من داخل الظلام الدامس
–انتظر ميتش . . اعتقد أن هناك إطاراً خلفياً قد خرج عن محوره . . واشم رائحة الوقود .
أنت تقرأ
اعدني الى الصحراء ... {روايات احلام}
Nezařaditelnéضاعت في الصحراء مع رئيسها ... غريس روبينز السكرتيرة الصارمة . الجادة اكثر من اللزوم التي تخبئ جمالها الساحر وراء عقل لا يخطئ .. لا يخطئ !!! بلى .. انه خطأ واحد فقط لكن المصيبة آن ميتش وينتويرث رئيسها الذي وصفته بالقرصان كان شاهداً على هذه الهفوة الت...