ضريح الأنا

359 28 30
                                    

كبرت.. و لم أنضج بعد..

لم أنضج لكنني ٱحترقت، كحطب تلك المدفأة التي دفت ذكراك تحت رمادها..
شخت قبل أن أشهد رهبة أول شعرة بيضاء تعكر صفو شبابي.. قبل أول تجعيدة تكتسي جلدي القديم عاكسة صورة قلبي الذي جعد من يوم حياته.. من يوم جفافه.

شخت يا أماه.. و مازلت أنازل الموت و أسبي الحياة

مازلت أدعي سكنى السلام بغير لقياه

أما آن لقلبي يا أماه أن يعلن كفاه؟

أما آن لنا أن نهجر الذكرى، أن ننكر صحبة القمر ، أن نغتال سماه؟

أما آن لنا جميعا أن نموت في الرواية داخلها و خارجها؟

أما آن لنا أن نريح القارئ و الرواة..

لا أنا اخترت مجيئي و لا أنت عاديت قبلي الحياة

و ما كنت قبلك غير غبار نجم بكى

فهل أغراك بكاه..؟

اه يا أماه..

و لو كانت الآه كافية لكررتها..

لكني تعبت التكرار.. تعبت قرار الوجود الأول بغير ٱختيار..

تعبت من قصص الإنفجار و من ذرات الوجع و أكوان الدمار..

تعبت حقيقة الإنكسار.. و طبيعة الإنكسار و معناه. .
تعبت و مللت أنين فاهي.. مللت حتى غناه..

***

يصيبني الدوار و أنا في حيرة من أمري ..
عيناي خاملتين و كأن أحدهم زرع سورا حجريا أعلى جفوني.. و الدمع ينسكب دون سابق تبرير..

فلا حزن أشعره و لا راحل أرثيه ..

و صحراء سكبت في حنجرتي لتخنقني بحمق جفافها..

مازلت أستشعر نبضا خافتا يخالج صدري الخامد بأساه ..

و مازلت أدرك طعم أنفاسي المتوترة و طعم العفن الذي يعتلي قلعة النبض الدخيل.. الهزيل.

أدير رأسي فيسقط على كتفي كجندي ٱكتفى الصمود.. مازال التلفاز مشتعلا بشاشته الزرقاء التي أمست منذ ميلاد تعسي، أفضل مالدي لرؤيته.

و مازالت زفرات الهواء تعبث بستائر جمجمتي من حين إلى اخر.

و مازالت بركة الماء راكدة على سطح ذاكرتي الضبابية..

لكن الأنا.. أخشى أنها فعلتها.. و تغيرت بين كل هذا التكرار ..
لا شك أني ذكرت لنفسي سابقا أني أمقت التكرار..
لربما لأن الفكرة الطازجة أفضل من تلك التي سكنت قرونا في مخيلي.. أو ربما لأن لمحة شغف أرقى من نظرة تفحص.. أو ربما فقط لأن التكرار مرهق. .
مرهق كحالي.. و ممدد أيضا على سرير في إحدى زنازن هذا الرأس اللعين..

مثله و لا فرق بيننا،

ممددة على سرير من نوع آخر و السكين في قبضتي الثملة.. بقع الدم جفت على الأرضية الرخامية المغبرة و جثة لازلت لا أفقه ملامحها.

ضريح الأنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن