و كعادتي أجلس منطوية كلما طافت بي ذكريات الطفولة التي عشتها يوما بعد يوم.. استرجعها شريطا يعيد نفسه يحاكيني من جديد.كم كنت بريئة يومها... كنت أهوى اللعب و كان همي الوحيد دميتي و ألعابي مختلفة الأشكال..لم أكن اعرف شيئا عن الدنيا سوى حلوها...لم اذكر اني بكيت من شيء إلا من أختي إن هي مدت إلى اللعبة يدها.. لطالما أوصتني أمي بأن أضع جدولا لتنظيم وقتي ^دراسة ولعب^ لكني لم اكن أتقيد بما قالته بل أكثر من ساعات اللعب حتى يشكو جسدي التعب... ما السبب؟ سوى أني أكثرت التعب و مع ذلك حزت الرتب و بعدها ما كان علي أي عتب.. كنت لا أحب الليل..اراه طويلا مملا...و أنتظى بزوغ الشمس بلهفة...أستيقظ مهرولة أنادي صديقاتي يشاركنني يوما جديدا ملؤه السعادة و الفرح... كنت لا أكترث لشعور أحد..أجرح مشاعرهم دون قصد..كنت لا اعلم معنى مشاركة الغير..كنت انانية لا أحب أيا كان ان يقترب من ممتلكاتي...قليلا ما أبكي و إن بكيت أبكي على التفاهات فقط.. لم أكن ادرك للحقد و الكراهية معنى..اغضب ثم اسامح على الفور بعد قطعة شوكولا تقدم لي...كنت اطير فرحا بها و اطلب غيرها... كنت أهوى التمريض فاطلب ممن حولي ان يدعو المرض و اكون لهم طبيبة...أكتب لهم وصفة دواء بخط مضحك..نعم..كانت تلك من اجمل ايام حياتي و اروعها...احيانا اقول ليتني لم اكبر...يا ليتني بقيت في سن اصغر..الآن ما عدت اشعر بتلك اللحظات و ما عدت اذكر... هل لي ان اكون سعيدة مثلما كنت..ام ذاك اصبر ماض غابر؟؟؟؟؟ الآن صرت أحبذ الوحدة بعدما كنت انبذها..اصبحت ارى فيها راحتي بعدما كانت بعيدة عن ذاكرتي..ألزم الصمت و أسترجع أيام الماضي الجميل البريء... يا له من زمان...أحن إليه في كل آن....انتهى الشريط من امام عيني...و اجدني اذرف دموعا من حنيني..اغمضت عيني و حلمت بواقع ليته يكون جميلا يوما ما.. حملت معي كتبا اعتدت قراءتها،لملمت ما بقي مني هناك و انصرفت! لم أسأل نفسي(هل سأحن لهذا المكان؟) او هل سأعود الى هنا يوما ؟؟ اراني شردت و أنا امشي في الطريق حيث لا أحد هنا إلا أنا.احمل متاع الكلمات معي.تارة انظر الى السماء و تارة اخرى أرمي برجلي بعض الحجارة التي عرقلت الممر! كان الوقت متأخرا و الظلام مخيف لولا القمر الذي ارخى علي بريقه وسط هذا الستار الاسود،تابعت سيري إلى ذلك المقعد الذي لمحته من بعيد قرب سكة حديد تبدو قديمة...جلست و فتحت كتابا أسلي عقلي و أنسيه وحشة المكان،تنهدت بعد كل صفحة قرأتها كأني عشت الحدث و نسيت أني هنا أنتظر.... و نسمات الهواء تلعب بالورق دون ان اقلق!! و مازلت انتظر عل الأمل يمر من هنا رغم قدم المكان..أغلقت الكتاب،اردت ان أفتح الآخر و لم أفعل..قد زارتني همسة لطيفة أجبرتني على النوم كي أحلم..ربما سيمر قطار على هذه السكة يحملني معه و لو في الخيال!! و استفقت على نسمة هواء باردة عابرة و التوقيت يومها كان منتصف الليل..لم ترحم هذه النسمات جسمي فأخذ يرتعش و قمت أفتش علني ألقى مكانا ارحم علي من هنا.. لم أجد مكانا غير هذا أنتظر فيه و الأصوات الغريبة تلعب بدقات قلبي،وضعت كفي صوب فؤادي و رددت : صبرا..صبرا أخذت نفسا عميقا و نظرت نحو السماء إلى القمر.انتابتني لحظة كتابة! لم أشأ أن اكتب شيئا و انا على هذا الحال..اخذت كتابا جديدا و فتحته،كتاب يحكي مغامرات غلام في ربيعه الثاني و بدأت اقرأ ما يحتويه سطرا..سطرا أبتسم تارة و أحزن تارة أخرى..قد أسرتني قصته و أنستني بأحداثها المشوقة مرارة الإنتظار... قرأت نصف الكتاب تقريبا..أراه بالنسبة لي إنجازا في تلك اللحظة بحد ذاتها..أغلقته ووضعته بجانبي متمنية أن اكتب مثله يوما ما...او ان اكون بطلة الرواية..تخيلت أشياء كثيرة و عزمت على تحقيقها فأخذني الخيال..نظرت إلى الأفق من جديد.ثم يمينا و شمالا..تحسست أذني صوتا قادما من بعيد..قمت كالذي يتخبطه الشوق أترقب تلك الأضواء القادمة "إنه القطار...إنه القطار" لملمت كل كتبي و ماكان بحوزتي،لم أحس بثقلها من فرط السعادة... عدت لمقعدي من جديد و سألت نفسي:هل أستطيع حقا ترك هذا المكان و أرتحل إلى آخر؟؟؟ امتزجت مشاعري وقتها بين الفرح و الحزن..لم اقرر؛ والقطار بدأ يقترب و صوته يرتفع...ماذا افعل؟ فكرت..و قررت الذهاب فربما مغامرة ما تنتظرني... وصل القطار فنهضت و حملت كتبي و أشيائي..هاهو ذا أمامي و دخانه ملأ المكان..توقف!! ركبت انا دون تردد و جلست إلى أقرب مقعد و بدأت أشبك أصابعي ببعضها البعض..لم اعرف أين وجهته و إلى أي مكان سيأخذني... قمت و أخذت أتجول..يبدو قديما حقا!! و بينما انا هكذا تفاجأت بعجوز هناك..مظهرها يثير الريبة! تحمل كلبا عيناه بارزتان يحدق في و كأنه يقول لا تقتربي...تقدمت نحوها بضع خطوات متثاقلة و قلت :مرحبا^^ لم تجبني و راحت تنظر إلي كأنها تعرفني...سألتها:من تكونين؟ قالت:ما دخلك ؟؟ نطقتها كالصاعقة و أجبرتني على العودة لمقعدي من جديد و إلتزام الصمت و معزوفات الخوف أطربتني...تارة أنظر من النافذة كي لا أشغل بالي بها و تارة أخرى أتنهد و أقول بصوت شبه عالي تتخلله عبرات أسى ^ليتني ما ركبت^ سمعت بعدها وقع أقدام احد قادم..إنها هي دون أدنى شك.... سمعت صوت بكائي؟؟؟!!! جاءت فنهضت من مكاني و أوهمت نفسي بالقوة أمامها..لزمت العجوز الصمت للحظات ثم سألتي أين أنا ذاهبة....تلعثمت الكلمات بين شفتاي و أجبتها:لست أدري ! رأيت علامات الإستفهام بادية على وجهها الذي لا ريب يحكي تاريخا طويلا..ابتسمت لها...لم تبادلني الابتسامة و رجعت من حيث أتت دون أن تتكلم مازال القطار على حاله...و راح قلبي يخفق في الثانية ألفا...حملت نفسي لأطلع عما يحدث في القطار...بعد عدة خطوات وصلت إلى المكان الذي وجدت فيه العجوز و إذا به خاويا كما لو أن احدا لم يلبثه منذ مدة طويلة...مازاد الطينة بلة.....اكملت المشي و تحسست ما في القطار مقطورة تلو الأخرى و لم يكن هناك شخص غيري...تباطأت خطواتي....هاهو القطار يطلق صفيره و ما كان لي أن اخالها صفارة إنذار بخطر قادم لا محالة...ازحت ستار النافذة و الرعب يرهق كياني...ترى أين أنا؟؟ لم تكن سوى صحراء جرداء !!! الطريق طال و القطار لم يتوقف بعد! قطرات العرق بدأت تتصبب على جبيني و مازلت أدعي تلك الشجاعة المزيفة،وحيدة في قطار مع امرأة غريبة الأطوار ولا شك ان بين تجاعيد تكشيرتها الف حكاية...لكن شيئا فشيئا ابعدت تفكيري عنها و قمت نحو تلك النافذة...اخرجت يدي من خلالها..الجو حار! و بينما انا على هذه الحال توقف القطار فجأة دون اي سابق انذار....لزمت مكاني و لم اتحرك...ترى اي مكان قادني إليه القدر؟؟؟ لم أعرف كيف اتصرف و رحت أسأل نفسي ألزم مكاني أم انزل من على هذا القطار الخاوي؟؟؟ إن بقيت هنا سأضجر من الجلوس دون ان احرك ساكنا...لذا قررت ان استطلع المكان الذي شاء القدر ان اقف عنده حملت كتبي إلا واحدا سقط من يدي و لم انتبه له... نزلت مسرعة و الخوف يلعب بدقات قلبي بإحتراف !! أخذت تنهيدة عميقة و بدأت المشي...الخطوة تتبعها مثيلتها..لم أبتعد عن القطار كثيرا حتى سمعت صوتا ينادي...^يا صاحبة الكتب^ تكرر الصوت مرات عدة..التفت لأجد العجوز الغريبة تحمل كتابا....لبيت النداء بخطوات متثاقلة مترددة من فرط الرعب كدت اتوقف...استجمعت قواي إلى ان وصلت إليها..نظرت للذي بيدها و إذا به كتابي! تفقدت الكتب التي كنت أحملها فادركت أنه لي...كيف وصل إليها؟؟ كدت أطرح عليها هذا السؤال لكن ما إن نظىت في عينيها حتى منعت نفسي مدت يدها لتعطيني الكتاب أعطيتها يدي و إذا بها تضغط عليها بعنف كدت ابكي من إثره...شدتني إليها...و كأنها ترغمني على البقاء معها....^إلى أين نذهب؟^ كررت السؤال بدل المرة مرااات عدة لكن دون جدى...لم تجبني.... بعد المرة الثامنة بعد العاشرة قالت بعصبية: لا تفلتي يدك و أبقي معي..فعلا قد أجبرتني على السكوت و الذهاب معها إلى أين....لا ادري... كنا نمشي في بيداء....في قفرة جرداء...كان المكان شاحبا من تأثير الجو...ما شدني تلك الكرية الملتهبة في الأفق...بدت كأنها تقول وداعا!! و لم أر وسط هذا الجو الأصفر سوى مستطيلين على وجه هذا البساط الذهبي رسمتهما الشمس.....ظلي و ظل هذه العجوز... واصلت المشي لا أعرف لي مضربا...أنى تعرف هذه العجوز طريقا في صحراء متشابهة المسالك؟؟؟؟ راح السديم يسدل أجنحته ليخيم على المكان...و هنا تمتزج عزلة المكان،الظلام و هذه العجوز الغامضة ....وجدتني محتارة من دمع جف في مقلتي...لم ازل كذلك حتى ناولتني العجوز قنينة ماء كانت بحوزتها سررت بذلك كأني ارى الماء لاول مرة.... قالت:سنبيت هنا.... نظرت حولي فلم أر شيئا مددت يدي أتلمس ماهذا المكان...أظنه منجما...أشارت لي بيدها التي لم أستطع رؤيتها لولا ذاك الضوء الخافت المنبثق من الداخل...هي تأمرني بالإلتحاق بها...جلسنا في زاوية ما ننتظرت إشراقة شمس الصباح...ما إن أسندت ظهري على صخرة حتى تلاصقت جفوني و غفوت في نوم عميق من شدة الإرهاق ....كيف لا وانا لم انم مذ كنت في المحطة...و كأي نائم رأيت في الحلم أني عدت لمنزلي...إلى أن أحسست بشخص يربت على كتفي لينتهي بي ذلك الحلم و تنتهي سعادتي بعودتي للمنزل...فتحت عيناي و إذا بالعجوز تنفض عنها الغبار...قلت صباح الخير...لم ترد أجهشت بالبكاء ....من تكونين؟؟؟ لما أحضرتني معك؟؟؟ نظرت إلي نظرة جافية و لم تعرني إهتماما ...أتبعت ذلك ب:احملي اشياءك سنغادر المكان...مرة اخرى مشيت معها...اين تصطحبني؟؟ ارى انها تمشي في الطريق الخاطئ...نحو اعماق المنجم لا خارجه؟؟؟ مشينا من اليوم حوالي ثلاثة ارباعه...كأنه وقت المغيب و لم نتوقف عن المشي..ماهو المكان المنشود؟؟ سمعتها تتمتم بكلمات لم افهم منها سوى...لم يتبق الكثير على الجهة الأخرى...أي جهة ؟؟؟ و ماهي بقية الكلمات؟ سأنتظر...لاح ضوء بعيد نوعا ما...شارفنا على الوصول هذا مؤكد... نظرت اليها لأجد وجهها يشع نورا على غير عادته...كنت بين الخطوة و الاخرى التفت إليها و في كل مرة استغرب اكثر...زالت التجاعيد و ظهر وجه نير كأنها بنت في السادسة عشر...اراها في كل مرة اجمل...التفت هذه المرة ليلفت انتباهي سوار لم أره من قبل أو بالأحرى لم انتبه له.... كان السوار جميل كجمال اكثر شيء احبه...ما إن أبصرته حتى شعرت براحة مع هذه العجوز ...قصدي هذه الفتاة الجميلة...رأيت على السوار صورة...صورة المكان الذي يزورني طيفه كل ليلة...صورة طير اعتدت تحليقه بين جوانبي كل لحظة...اعزف لتغريده انغامي و اتخذ من ريشه آداة اكتب بها على ارصفة الزمن...ريش ابيض فتان اخط به ^حب الأقصى فينا كجمال الصخرة فتنة كرهبانية القبلى^ بالكاد اصدق نفسي...هذه العجوز من فلسطين الأبية...فلسطين توأمة ظلي تلازمني أينما حلت بي قدماي...جاءت الصورة حولي كغيمة روتني.احيتني.لاحت بريشها تنفض اليأس عني كي تبعث الامل في هذا المكان ليتطهر فتظهر...بكل ما يبديه وجهي من فرح سألتها:هل انت فلسطينية؟ أنا جزائسطينية....نظرت إلي و البسمة في عينيها لكن كعادتها لم تجب...ما هي إلا رمشة عين من فرط السعادة حتى وصلنا....نور ليس كمثله من الانوار بساط أخضر...لا كأي خضرة....طريق اصطفت على حافتيه اشجار باسقة كأنها جند يرحبون بالزائر...لو لم أكن أنا لكذبت أي مقال ....منجم يفصل بين صحراء مقفرة و مكان غاية في الجمال؟؟؟ تلك اللؤلؤة المستديرة في السماء لا ماسا ولا مرجان...نسمات الريح العليلة داعبت وجهي معطرة ياسمينا و ريحان .خرير الماء اطرب السامع أعجز الأذهان ....كأنها الطبيعة متباهية ^أنا الحسناء أطاول بجمالي تلكم الأعنان أنا الصامتة حدثت ريشة الرسام....احتار في وصفي و عجز كلامه الفنان^ نسيت كل ما مر بي و ما إن استدرت لم اجد من كانت تلازمني طول الطريق.....ربما ستعود لذلك لن اتحرك من هنا فقد تأتي ولا تجدني...اشتهيت الكتابة!!! اريد ان اصف ما يراه ناظري...على مقربة مني يوجد كرسي...جلست أكتب و اكتب .... تأخر الوقت و هاهو الظلام يسدل ستاره معلنا نهاية هذا النهار لن ألبث مكاني...سأبحث عن تلك العجوز..مشيت في طريق مستقيمة ....أمشي كمن يمشي في وطنه...قطرة مطر !! مددت يدي كما فعلت في سنين صباي...ياه رائحة التراب!! زكية كما لو أنها رائحة تراب الأقصى.... وجدتني أمشي و أترنح احسست بالهيبة...بعظمة المكان و عيناي تتأملان هذه المدينة....دون سكان...المنازل مفتوحة ابوابها و الدكاكين خاوية....غريب!! واصلت المسير إلى ان وجت شابا يركض...تبعته علي أعرف السبب وراء كل هذا...و أنا في طريقي سمعت دقات قلبي تغيرت...."""قد عبث بها الحنين""" بدأت أسمع اصواتا تبدو قريبة بعض الشيء...لن تكون لأقل من مئة شخص...هي ضجة...شيئا فشيئا...اتضح أنها هتافات...لا شك أنها في الشارع المجاور...قد سبقني إليه الشاب...لحقت به و إذا بحشد هائل.... كما لو أن كل سكان الأرض في مكان واحد... بمنتهى الصعوبة فهمت شيئا مما يرددون... ^الله اكبر..الله اكبر^ كانت تكبيرات فرحة لا غير...دنوت من هذا الحشد...و رحت اشق طريقي وسطهم و إذا بالوجوه تشع غبطة...سألت إمرأة تحمل رضيعا في غاية الجمال...ما الذي حدث...لما أنتم ها هنا؟؟ بالكاد سمعت صوتي و ردت في انشراح... يمينك !! ماذا ..يميني؟؟؟ مابه ؟؟؟ التفت و يا ليتني فعلت ذلك منذ زمن...إنه الحلم يتحقق إنه النصر....هي لحظة احتضرت فيها جميع المآسي و عيناي و من طول الشوق تأبى تغيير وجهة نظرها...أضحت و كأنها مبرمجة كي لا ترى إلاها وسط هذا الظلام....قمر بين الحشود و هي تشع نورا....من جمال ما رأته عيناي...لست أدري بريق من عكس على الآخر.... أقصانا أم القمر؟؟؟ ليتني أبقى هنا...سأقنع نفسي بعد اليقظة أنه لم يكن مجرد حلم....لم يكن مجرد حلم....
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.