أما الالفاظ التي اقتبسها العرب في اثناء انشاء دولتهم فكثيرة ايضا، نأتي بأمثلة منها: من اقدم ما اقتبسوه من الالفاظ الادارية الفارسية "الديوان" على عهد عمر بن الخطاب، فانه اول من دوّن الدواوين في الاسلام، فوضع الديوان على نحو ما كان عند الفرس، واستعار له اللفظ الفارسي.. فاستعمله اولا للدلالة على ديوان الجند، فكانوا اذا قالوا الديوان ارادوا ديوان الجند فقط، ثم أطلقوه على سائر الدواوين، وألحقوا به ألفاظا تميّز بينها: كديوان الانشاء، وديوان العرض، وديوان الضياع، وديوان الخراج، وهي كثيرة. ودلوا به على الكتاب الذي تدوّن فيه أسماء الجنود، فكانوا اذا قالوا: فلان من اهل الديوان، ارادوا انه ممن اثبتت اسماؤهم في ذلك الكتاب. ثم أطلق على كل كتاب، ثم انحصر في الدلالة على الكتب التي تجمع فيها الاشعار.. فاذا قالوا: ديوان فلان: أرادوا به مجموع أشعاره. ولما كان اهل الديوان يجتمعون في مكان واحد، سموا ذلك
المكان ديوانا، وأطلقوا لفظ الديوان على كل مجلس يجتمع فيه لاقامة المصالح او النظر فيها.. والعامة تعبّر بالديوان عن المقعد. وقس على ذلك كثيرا من الالفاظ الفارسية المتعلّقة باصطلاحات الحكومة، وخاصة الجند الاسلحة ونحوها: كالخوذة، والجامكية، والجزية، والدولاب، والدلق، ودهقان، والدانق، ورستاق، وسباهي، والبريد، وزنديق، وكسرى، ونيشان، ويلمق، والطراز ونحوها. والالفاظ اليونانية الادارية قليلة في اللغة العربية، ومنها: الاسطول، والمنجنيق، والدرهم، والبطاقة، والقنداق، والكردوس، والليمان. واذا تدبّرت تاريخ الالفاظ في لغاتها الاصلية او بعد انتقالها الى العربية، رأيت مدلولاتها تنوّعت بتنوّع الاحوال، فالدرهم مثلا الاصل فيه الدلالة على الوزن، ثم دلّوا به على نقد وزنه درهم، ثم أطلق على النقود كلها. أما الالفاظ اللاتينية، فمنها: البلاط (بمعنى قصر الملك) والدينار والدمستق. وربما أدخلوا ألفاظا تركية، أو هندية، أو كلدانية، أو نبطية، أو نحوها..مما يضيق المقام عن استيفائه.
أنت تقرأ
اللغة العربية كائن حي - جورج زيدان
أدب تاريخيكتاب "اللغة العربية كائن حيّ" هو كتاب لمؤلّفه جورجي زيدان يعدّ اضافة خاصّة للعربية في نظرته العامّة للفلسفة اللغوية؛ فيتحدث فيه عن مراحل تطوّر وتنوع معاني ومدلولات ألفاظ العربية و توظيفاتها عبر العصور. اضافة لاختلاف تراكيبها وأساليبها. كما يتحدّث أي...