هذا مطلب بعيد الاطراف، يستغرق درسا طويلا وبحثا عميقا، لا يأذن بهما المقام.. فنكتفي بالتنبيه اليه، ونأتي ببعض الامثلة لتأييد قولنا. لكننا بالقياس على ما دخل اللغة العربية من التراكيب الاجنبية في أثناء نهضتنا الاخيرة، بما نقلناه من علوم الافرنج الى لساننا، نقطع بحدوث مثل ذلك في النهضة العباسية، ونقلة العلم يومئذ من غير اهل اللسان العربي. على اننا لو فحصنا لغة ذلك العصر، وقابلنا بين عبارة كتب الطب، والفلسفة. وعبارة كتب الادب، لرأينا الفرق بينهما واضحا. واذا دققنا النظر في سبب ذلك الفرق رأينا عبارة اصحاب الفلسفة تمتاز بأمور، هي سبب ضعفها وركاكتها منها:
1 - استخدام فعل الكون بكثرة على نحو ما يستعمله هلل اللغات الافرنجية.
2 - كثرة الجمل المعترضة الشائعة عندهم.
3 - الاكثار من استعمال الفعل المجهول.
4 - استعمال ضمير الغائب "هو" بين المبتدأ والخبر حيث يمكن الاستغناء عنه.
5 - ادخال الالف والنون قبل ياء المتكلم في بعض الصفات، كقولهم رحاني، نفساني، وباقلاني، ونحو ذلك، مما هو مألوف في اللغات الآرية ولا يستحسن في اللسان العربي. ومن التعبيرات التي اقتبسها العرب من اللغة اليونانية، ما لم يكن لهم مندوحة عنها ولا بأس منها: 1 - تركيب الالفاظ مع لا النافية، وادخال "أل" التعريف عليها، كقولهم اللانهاية، واللاادارية، واللاضرورة.
2 - صوغ الاسم من الحروف او الضمير، مثل قولهم اللمية، والكيفية، والكمية، والهوية.
3 - نقل الالفاظ من الوصفية الى الاسمية، كقولهم المائية، والمنضجة، والخاصة. ومن هذا القبيل، اقتباساتهم بعض التعبيرات الفارسية الادارية مثل قولهم "صاحب الشرطة" و"صاحب الستار" وهو تعبير فارسي.
أنت تقرأ
اللغة العربية كائن حي - جورج زيدان
Ficción históricaكتاب "اللغة العربية كائن حيّ" هو كتاب لمؤلّفه جورجي زيدان يعدّ اضافة خاصّة للعربية في نظرته العامّة للفلسفة اللغوية؛ فيتحدث فيه عن مراحل تطوّر وتنوع معاني ومدلولات ألفاظ العربية و توظيفاتها عبر العصور. اضافة لاختلاف تراكيبها وأساليبها. كما يتحدّث أي...